المغاربة وصلة الرحم في الأعياد.. تغير البنية الأسرية والتشبث بالعادات

بات الإكتفاء بالأسرة الصغيرة، المكونة من الأم والأب والإخوة، كاف للشعور بحميمة العائلة خلال الأعياد والمناسبات، في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي أرخت بظلالها على حميمية العلاقات العائلية، بشكل أفضى إلى الإستغناء على أهم القربات وأعظم الطاعات التي تقرب الإنسان من الله وهي صلة الرحم.

فقد أصبح قطع صلة الرحم خطر يتفشى في المجتمعات بصفة عامة، إذ تعددت الأسباب في ظل البحث عن الكيفية التي من الممكن أن تساهم في بقاء على هذه الأرحام موصولة، رغم سيادة قيم المادة، وانشغال الكثيرين بها عما سواه.

تغير البنية الأسرية 

يوسف رجوان، باحث في علم الإجتماع، قال أن “تغير البينة الاجتماعية سبب من الأسباب الرئيسية في التخلي عن هذه القيمة الدينية والأسرية”، وأشار، إلى أن ” الأعياد والمناسبات وعلاقتها بصلة الرحم يمكن لمسها في المجتمعات التقليدية أو القرية أو المدينة القديمة حيث لازالت العائلة الممتدة”.

وأبرز رجوان في حديثه لـ“بلادنا24”، أن “الحديث عن صلة الرحم يحيل إلى الحديث عن العائلة الممتدة وهي العائلة التي تعيش في بيت واحد، ومفهوم صلة الرحم بالنسبة لأفراد هذه العائلة مفهوم مرتبط بطبيعة ما اعتادوا عليه”.

وأضاف المتحدث ذاته، أن “المجتمع والقيم والمعاير تعكس هذا النوع من التضامن فمفهوم صلة الرحم لا يرتبط بالمناسبات والأعياد فقط فهو مفهوم يرتبط بالواقع، أي أن الأب والأم يتقاسمون في ما بينهم التعاون الاجتماعي والاقتصادي ولكن مع تغير البنية الأسرية باتت مجموعة من القيم تنعدم، إلا لدى نسبة قليلة وهي من تعيش في المدن القديمة والتي لازال تأثير الجماعة فعال لديها”.

عائلة نووية

وفي سياق متصل أكد رجوان، أن مفهوم الأسرة النووية والتي تتكون من الأب والأم والأطفال، مرتبط  بالعائلة النووية اقتصاديا واجتماعيا والتي تغيرت من العائلة الممتدة الى عائلة تسعى إلى اقتصاد ذاتي إذ لايمكن العيش مع باقي العائلة، الشيئ الذي له علاقة بالارهاصات المادية الجديدة التي جعلت منهم يتخلون على مجموعة من القيم الاجتماعية”.

وأوضح الباحث، أن “بنية الأسرة كمؤسسة تحضى بمجموعة من القيم التي تنتقل من جيل لجيل، انتقلت من الأسرة الممتدة والمشتملة على الجد والجدة والأبناء والأحفاد إلى أسرة نووية أي الأسرة الصغيرة”.

ويرى رجوان، أن “الأسباب التي أدت إلى كبح صلة الرحم لدى المجتمعات المعاصرة، بدأت مند التحرر من الاستعمار، وتفشي العقلية الرأس مالية، وما يتبع ذلك من تحولات أخرى أملتها الظروف، من قبيل خروج الأبوين معا إلى العمل، وظهور ظروف أخرى فصلت الإنسان عن علاقاته البيولوجية”.

وشدد الباحث رجوان، أن “طبيعة المجتمع الرأسمالي أرخت بظلالها على المجتمع المغربي بشكل كبير، حيث تعرض الفرد للاغتراب والهجرة وتأثير العالم الرقمي والسعي المتواصل وراء الماديات، ما اثر سلبا على تفكك مجموعة من القيم والتي من أهمها صلة الرحم”.

دور الأعياد والمناسبات

ومن جانب دور الأعياد والمناسبات في إحياء بعض القيم الاجتماعية والدينية، أكد المتحدث، أن “العادات التقليدية التي تعرف بها هذه المناسبات، تعيد القيم القديمة وتعيد مفهوم الجماعة بعدما طغى مفهوم الفرد”.

وأورد الباحث، أن “في يوم العيد يعود الفرد إلى منطق الأسرة الممتدة ودور هذه المناسبات يتمثل في إحياء هذا الجانب الاجتماعي في ظل التصادم مع الأثر السلبي للجانب المادي أمام القيم، إذ أصبح الفرد يعطي قيمة للطقوس على أساس أنها تعيد له ما افتقده لمدة سنة من تفكك أسري وغياب لقيم حميمية تعيده إلى أصله”.

وأضاف قائلا: “الأعياد تعيد المياه لمجاريها، حيث نشاهد تصالح المتخاصمين وزيارة بعض الأقارب فالعيد له طابع رمزي يعيد ما هو طبيعي أي علاقة الانسان مع محيطه ويعيد الاتزان الاجتماعي، إلا أن صلة الرحم تختلف بين المجتمع التقليدي الذي يقوم بها طبيعيا لأنها جزء منه، وبين العائلة المعاصرة التي تعيش تحت ظل المصلحة والعلاقات النفعية”.

فولكرول إجباري 

في الفترة الأخيرة، بعد التفكك الأسري الخطير الذي ساهم فيه المجتمع الرأس مالي، أصبحت مجموعة من المظاهر الاجتماعية عبارة عن فولكرول فقط، يؤكد رجوان، مشيرا إلى أنه “في ظل غياب الاستقرار النفسي والعائلي باتت فئة كبيرة داخل المجتمع تقوم ببعض التقاليد كأنها إجبارية سنويا بمناسبة العيد أو بعض المناسبات الدينية في حين في باطنها لاترغب في تلك الأجواء ويفضل الفرد الإكتفاء بأجواء إعتاد عليها”.

وأضاف الباحث، أن “الأفراد داخل المجتمع أصبحوا يرون مفهوم صلة الرحم  فعل فولكرولي نفعي كأن المجتمع والدين يأمر به فقط وغير نابع من إحساس طبيعي كما كان في الأسر الممتدة التي تعيش داخل هذه القيم”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *