اغتصاب القاصرات.. ونجاعة القانون الجنائي في التصدي للجناة

تغرير.. استغلال جنسي.. ثم اغتصاب وحمل. تلك هي الحالة التي سقطت ضحيتها “طفلة تيفلت”، وفتحت الباب أمام الحركات النسائية والحقوقية والسياسية، للمطالبة بإعادة النظر في القانون الجنائي الموصوف بـ”المتقاعد”، وتشديد العقوبات في حق مرتكبي جرائم الاغتصاب في حق الطفلات والأطفال، وإماطة اللثام عن ظاهرة الاغتصاب التي تخضع لمنطق “الطابو”، والمس بسمعة العائلة، وكسر جدار الصمت، سيما وأن هذه الظاهرة تنتج عنها مشاكل نفسية، وتدفع بالضحايا إلى الانتحار، وهو ما يتطلب حلولا وإجراءات للتصدي لهذه الآفة التي باتت تشكل خطرا على المجتمع، وتدق ناقوس الخطر.

ما هي الإجراءات التي يتخذها المجتمع لمكافحة ظاهرة الاستغلال الجنسي للطفلات والأطفال والتصدي لحالات الاغتصاب في حق القاصرات؟ وما هو دور وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في التعاطي مع القاصرات ضحايا الاغتصاب؟ وأي نجاعة للقانون الجنائي في التصدي لجرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال؟ وما هي المشاكل النفسية التي يعاني منها الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية؟.

بلادنا24” طرحت هذه الأسئلة بحثا عن الإجابات من قبل مهتمين، بغية تشخيص الظاهرة، وإيجاد الحلول لهذه “الآفة الخطيرة” التي تؤرق بال الرأي العام.

كسر جدار الصمت

قامت منظمة “ماتقيش ولدي” سنة 2004، بتكسير جدار الصمت عن ظاهرة اغتصاب الأطفال، وجابهت إيديولوجية “الطابو”، سيما وأن هذه الظاهرة كانت من الظواهر التي تخضع لمنطق “الطابو”، والمس بسمعة عائلة الضحية، وهو منطق غير سوي، تقول، نجاة أنور، رئيسة المنظمة، قبل أن تضيف، “بفضل مجهودات الجمعيات والمنظمات، بمعية المؤسسات الحكومية، تم تحقيق العديد من المكتسبات في هذا النطاق”.

وتقول نجاة أنور في تصريحها لـ”بلادنا24“، إن الإجراءات الوقائية للتصدي لظاهرة الاغتصاب، فهي “التوعية والتحسيس المستمر للأطفال وعائلاتهم، وتحميل مؤسسات الدولة مسؤولياتها تجاه الطفل، من خلال مساهمته الأساسية والمباشرة في محاربة هذه الظاهرة، بمعية المجتمع المدني، الذي هو قوة اقتراحية وشريك أساسي في مجابهة مثل هذه الظواهر الشاذة التي تمس أطفالنا وتهدد مستقبل الوطن”.

وأضافت، أن “خير إجراء علاجي، هو تشديد العقوبات، وعدم التساهل مع مرتكبي هذه الجرائم، حتى يكونوا عبرة لمن يخططون في خفاء للمس بعفة وبراءة الطفولة المغربية”.

الأطفال.. والأشخاص المشبوهين

وأفادت رئيسة منظمة “ماتقيش ولدي”، أن الأخيرة “تتوفر على وسيلة تعليمية وتحسيسية، وهي عبارة عن حقيبة بيداغوجية تتوفر على جميع الآليات السهلة التي يمكن أن تساعد على تأطير وتكوين الأطفال على التعامل مع الأشخاص المشبوهين، إذ أطلقت مجموعة من التوصيات للأطفال وعائلاتهم، لتجنب الاختطاف والاستغلال”.

وبخصوص الخطوات التي يمكن للآباء والأمهات اتخاذها لحماية أطفالهم من الاستغلال الجنسي والاغتصاب، والتعرف على علامات التحذير، تقول نجاة أنور، إن “الخطوات التي يغفلها الآباء والأمهات وأولياء الأمور، هي التواصل المستمر مع أطفالهم والاستماع إليهم كيفما كان حديثهم، وتشجيعهم على التعبير، سواء عبر الحوار المباشر، أو عبر الرسم”.

وأشارت المتحدثة، إلى أنه “يجب دائما الانتباه على سلوكيات الأطفال وتغيرها مهما كانت نسبة التغيير قليلة، لان هناك من يقول هو أمر مبالغ فيه، ولكن هو أمر عادي وجب علينا الاعتياد عليه كأمهات وأباء، لأن الأمر جدي”.

وأبرزت، أن المؤسسة التعليمية، هي “النواة الأساسية لمحاربة هذه الظاهرة، والكشف المبكر عن حالات استغلال الأطفال واغتصابهم، عبر التأكيد على التربية الجنسية والتوعية  والتحسيس، وتعزيز قدرات الأطر التعليمية على تحليل سلوكيات الأطفال والتدخل، وكيفية التعامل مع الأطفال المعتدى عليهم بدون تمييز، حتى يتم إعادة إدماجهم داخل المجتمع عبر المؤسسة التعليمية”.

وبشأن التحديات التي تواجه المجتمع المدني في مواجهة ظاهرة الاستغلال الجنسي للطفلات، والتصدي لحالات الاغتصاب، كشفت رئيسة منظمة “ماتقيش ولدي”، أن المجتمع المدني “يواجه صعوبات في التصدي لهذه الظاهرة، حيث الأعراف لازالت في بعض المناطق تفرض سلطتها على عائلات الضحايا في التنازل عن حقوق الضحايا، وطول الإجراءات القانونية والإدارية والطبية، وحاجز الفصول القانونية التي تصعب على الضحية نيل حقوقها، وتضرب عرض الحائط مضامين الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، والمكتسبات التي ضمنتها الطفولة تحت قيادة الملك محمد السادس، والأميرة لالة مريم”.

تشديد العقوبات

“ما هو دور وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في التعاطي مع قضية القاصرات ضحايا الاغتصاب؟”. تجيب ليلي إميلي، رئيسة جمعية “أيادي حرة”، أنها “طرف أساسي في توفير الحماية للقاصرات ضحايا الاغتصاب، وكذلك وزارة العدل فيما يخص إصدار قوانين تحمي الضحايا وتتضمن تشديد العقوبات على الجناة المغتصبين”.

وتقول ليلي إميلي، في تصريحها لـ”بلادنا24“، إن “القانون الجنائي الذي نطالب بتعديله، والذي مرت عليه 60 سنة، يتطلب عرضه على البرلمان بغرفتيه للمناقشة والمصادقة، وكذا مراجعة قانون الأسرة في شموليته، وحذف المادة 20 و21 من مدونة الأسرة التي تعطي للقاضي حق تزويج الطفلات، لأن هذا الاستثناء أصبح قاعدة”.

وتضيف إميلي، “نلاحظ ارتفاع عدد الزيجات فيما يخص زواج الطفلات، وكذا عدم تمكنهن من حضانة الأطفال أثناء معاودة الزواج، وهذه عوامل تؤثر على نفسية الطفولة”، لتتابع، “تزويج الطفلات يبقى من بين الإشكالات الحقيقية التي طرحتها المدونة فيما يخص الحضانة والتعدد والممتلكات بين الأزواج، وهو ما يجعلنا نطالب بالعدل في الولاية على الأطفال”.

تزويج المغتصبة بمغتصبها

ولفتت الناشطة الحقوقية، إلى أنه “بخصوص تزويج المغتصبات بمغتصبيهم، كانت هناك ضجة أحدثتها وفاة الطفلة أمينة الفيلالي، التي فرض عليها الزواج بمغتصبها، إذ أقدمت على الانتحار، وهو ما دفع بالمجتمع المدني والسياسي إلى التضامن معها والترافع على قضيتها، الأمر الذي توج بإلغاء الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي الذي يبيح للمغتصب الزواج بالمغتصبة”.

وأضافت أنه “يبقى الآن إذا أرادت المغتصبة عدم الزواج، فإن الفاعل مآله السجن، وهو ما يتطلب تشديد العقوبات في هذا الجانب”، لتستطرد، “نحن نرفض هذا الأمر، إذ كيف يعقل للضحية التي تعرضت للاغتصاب والإهانة في كرامتها أن تتزوج بمغتصبها”.

واستحضرت ليلى إميلي، الحكم الصادر في قضية “طفلت تيفلت“، معتبرة سنتين من الحبس “غير كافية، كون المعنية بالأمر، مورس عليها العنف والاغتصاب والتغرير والاستغلال الجنسي نتج عنه حمل وولادة طفلة”، لتسترسل، “نطالب بتشديد العقوبات في حق الجناة، كون الطفلة سناء ليست الضحية الوحيدة فحسب، بل هناك أخريات، ونريد أن يكونوا عبرة لكل من سولت له نفسه التلاعب والتغرير بالطفلات”.

وتابعت في السياق ذاته، قائلة: “المطالب الأساسية، هي أنه خلال مرحلة الاستئناف، يجب أن يكون إعادة النظر في الحكم، لأننا نعتبره حكما جائرا ونشجبه، لأنه لا يستجيب للعدل والكرامة والمساواة وحقوق الطفل التي نطالب بها دائما، سيما وأن المغرب موقع على اتفاقية حقوق الطفل، في حين أن حق الطفلة مسلوب”، لتضيف متسائلة، “أين هي الحماية والرعاية والإنصاف؟”، لتتابع، “نتمنى أن تكون متابعة لهذه الطفلة نفسيا واجتماعيا، حتى يتسنى لها أن تعيش حياتها بطريقة سليمة”.

ضحايا الاغتصاب والتحطم النفسي

ويرى الأخصائي النفساني، الدكتور محمد كحلاوي، أن الاغتصاب لديه مجموعة من التداعيات النفسية الكبيرة، سواء على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد، قائلا: “كانت آخر حالة لـ”طفلة تيفلت”، والتي تعتبر حالة من بين الحالات التي تتعرض للاغتصاب، إذ هناك من يقر بذلك، وهناك من يجعل الموضوع بينه وبين نفسه، حيث تسود في المجتمع المغربي ثقافة الوسم والعار، حيث مجموعة من النساء في المناطق القروية لا يصرحن بتعرضهن للاغتصاب، خوفا من نظرة العائلة والمجتمع”.

ويقول الأخصائي النفساني، في تصريحه لـ”بلادنا24“، وهو يشخص وضعية الأطفال ضحايا الاغتصاب، “هذا الأمر لديه مجموعة من التداعيات، سيما وأن الأطفال حين يتعرضون للاغتصاب، يتم انتهاك حرمتهم وخصوصيتهم، وهو ما يؤدي إلى اضطرابات نفسية على المدى القريب والبعيد، ويتسبب لهم في عدم الثقة في النفس، وهو ما ينتج عنه القلق والتوتر ومشاكل في النوم، والتي ترتبط بالاكتئاب الذي يمكن له أن يتطور في حال عدم العلاج، سواء بالأدوية أو العلاج النفسي، ويصل إلى مرحلة السلوكيات الانتحارية”.

إدمان المخدرات

وأفاد محمد كحلاوي، أنه “في بعض الأحيان، يصبح المغتصب أو المغتصبة يتعاطى لمجموعة من المخدرات، سواء المشروبات الكحولية، أو مخدر الشيرا، وغيرها من المواد المخدرة، وذلك من أجل محاولة نسيان آثار الصدمة، وبالتالي يصبح مشكل الاغتصاب صدمة كبيرة وتعقبه اضطرابات نفسية”.

وأكد على أن الضحايا، “يتعرضون للقلق الاجتماعي والهلع والخوف وعدم الثقة في النفس وفي الأخر، بالإضافة إلى الاضطراب ما بعد الصدمة، حيث تتولد لديهم مجموعة من الأفكار التي تكون دخيلة، إذ يتم التفكير في الصدمة التي تعرضوا لها، وهو ما ينتج عنه مشاكل في النوم وغياب التركيز، خصوصا أثناء التفكير في وقت تعرضهم للاغتصاب، إذ تترفع نبضات القلب والشعور بالرجفة”.

ولفت الأخصائي النفساني، أن هناك احتمال الدخول في اضطرابات نفسية وعقلية، “بمعنى أن التأثير يكون على الشخصية ونفسية المغتصب، والتأثير على المحيط العائلي، بحكم أن هؤلاء يشير إليهم المجتمع بالأصابع، وهو ما يشكل وصمة عار، حيث أن المعنيين يكونون في حالة عدم الرضا على النفس، وهو ينتج عنه عنف لفظي وجسدي”.

“طفلة تيفلت” والعلاج النفسي

واستحضر الدكتور كحلاوي، في تصريحه لـ”بلادنا24“، حالة “طفلة تيفلت”، التي وصفها بـ”الصعبة”، قائلا: “كيف يمكن لطفلة في عمر 12 سنة أن ترعى طفلا، وهي في حاجة إلى الحب والحنان والرعاية، وكيف يمكن لها أن تمنح ما تفتقده لمولودها”.

واقترح الأخصائي النفسي، حلولا في قضية الاغتصاب، مؤكدا أنه “ينبغي أن تخضع المغتصبة لمواكبة نفسية ودعم نفسي واجتماعي، والأساس هو أن تؤمن المغتصبة بأنها ليست هي السبب فيما وصلت إليه، وأن تنزع من ذاكرتها الأفكار النمطية، وتتقبل الأمر الواقع”، مشيرا إلى أن “هناك علاج آخر، سواء عن طريق الأدوية أو المواكبة النفسية للمغتصبة ومحيطها لمواكبة الحالة النفسية للمغتصبة”.

القانون الجنائي والاعتداء الجنسي

ومن جانبها، أكدت المحامية بهيئة وجدة، والنائبة البرلمانية، حوري ديدي، أن “المادة 484 من القانون الجنائي، تنص على أنه يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات كل من هتك عرض بدون عنف، أو حاول عرض قاصر يقل عن 18سنة، أو عاجز  أو معاق أو شخص معروف بضعف قواه العقلية، سواء كان ذكرا أو أنثى. فيما شدد المشرع في حالة استعمال العنف باعتبارها جناية”.

وأوضحت حورية ديدي، في تصريحها لـ”بلادنا24“، أنه “من خلال مقتضيات الفصل 485 من القانون الجنائي، في حالة إذا كان هتك أو محاولة هتك عرض شخص قاصر دون 18 سنة، ذكر أو أنثى، مقرونة باستعمال العنف”، حيث جعل العقوبة بالسجن من 10 إلى 20 سنة.

وأشارت، إلى أن الفصل 486 من القانون الجنائي، “ينص على واقعة الاغتصاب بتعريفه بأنه مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها، ويعاقب عليه بالسجن من 5 إلى 10 سنوات، ليرفع العقوبة من خلال الفقرة الثانية من نفس المادة من 10 سنوات إلى 20 سنة”.

وأفادت ديدي، أنه “إذا كان المجني عليها تقل عن 18سنة  أو كانت عاجزة أو معاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية أو حاملا، تصل إلى ثلاثون سنة، من خلال مقتضيات الفصل 487 من القانون الجنائي، في حالة ما إذا كان الفاعل من أصول الضحية، أو ممن لهم سلطة عليها، أو وصي عليها، أو خادما بالأجرة عندها، أو عند أحد الأشخاص السالف ذكرهم، أو كان موظفا دينيا أو رئيسا دينيا، وكذلك أي شخص استعان في اعتدائه بشخص أو عدة أشخاص”.

كما أكدت أن الفصل 488 من نفس القانون، “ينص في الحالات المشار إليها أعلاه، في الفصول 484 و487، إذا نتج عن الجريمة افتضاض المجني عليها، فإن العقوبة قد تصل إلى ثلاثين سنة”.

مراجعة المسطرة الجنائية

ولفتت النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة، إلى أنه “رغم النصوص المذكورة، فإن الصعوبة تكمن في صعوبة التبليغ أو إثبات الجريمة، والتي يتحمل أولياء الضحية، وكذا المجني عليها التي تواجه كأنها شخص كامل الأهلية، وغير مسلوب للإدارة”.

وأكدت في تصريحها لـ”بلادنا24“، أن “إثبات الاعتداء يتطلب تعميق البحث ومواجهة الجاني بالأدلة أمام تشبثه بالإنكار، فيما يتطلب البحث حماية الشهود من أي تأثير، وتفعيل نصوص حمايتهم”، في حين لفتت إلى أن “تمتيع المتهمين بظروف التخفيف، يصدم الضحايا بعقوبة خفيفة، وأعمال سلطة القضاء في الحكم بالحد الأدنى للعقوبة حسب سلطته التقديرية، لا يعتبر رادعا لمرتكبي هذه الأفعال”.

وتابعت المتحدثة، قائلة: “لذا يتعين مراجعة بعض نصوص قانون المسطرة الجنائية، فيما يتعلق بالبحث التمهيدي، وأمام قاضي التحقيق كوسائل الإثبات العلمية والخبرة الجينية، ونصوص القانون الجنائي بأفراد نصوص أكثر حماية للقاصرين، وتشديدها في حالة ارتكاب الاعتداءات الجنسية ضد القاصرين، سواء بعنف أو بدون عنف”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *