ابراهيم تراوري.. هل يختلف قائد الانقلاب في بوركينا فاسو عن سابقيه؟

في الآونة الأخيرة، تمكن الزعيم الشاب إبراهيم تراوري، البالغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا، والذي يقود دولة بوركينا فاسو وهي من بين أفقر تسع دول في العالم، من جلب الأضواء إليه على الساحة الدولية. اشتهر إبراهيم تراوري بشكل خاص بعد خطابه “التاريخي” في القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبرغ، الذي نال إعجاب واهتمام وسائل الإعلام. ولفت الأنظار إليه أكثر بعد تصاعد شعبيته بعد أن قام بطرد فرنسا من بلاده.

ونجد اهتمام كبير من جانب العديد من المتابعين في أفريقيا والعالم الثالث، حيث يرى البعض أخبار إبراهيم تراوري ومقاطعه بتفاؤل، إذ يُمثّل جيلًا جديدًا من الشباب الأفارقة الذين يناضلون ضد “الاستعمارية الجديدة”، ويرغبون بجرأة في تحقيق مستقبل مختلف لبلادهم بعيدًا عن الماضي المؤلم.
وعلى الجانب الآخر، عبّر آخرون عن تحفظهم، معتبرين الزعيم الشاب عسكريًا يقود انقلابًا، على غرار القادة الذين نفذوا انقلابات في القارة خلال القرن الماضي، ولوّحوا بالتغيير والإصلاح ولكنهم ثبت أنهم فرضوا الاستبداد والفساد.

من هنا، نتساءل عن خلفية وقصة إبراهيم تراوري، وما هو مشروعه السياسي؟ هل يمكن أن يكون له تأثير إيجابي حقيقي على الحكم في أفريقيا؟ أم أنه سيسلك نهجًا مشابهًا لسابقيه الذين وصلوا إلى السلطة بوسائل عسكرية وبقوة الدبابات، ولم يتركوها إلا بعدما تم تجاوزهم بوسائل مماثلة؟

في يوم 30 سبتمبر/أيلول 2022، حدث تغيير استثنائي في تاريخ بوركينا فاسو، حين قاد إبراهيم تراوري، الذي كان يحمل رتبة “نقيب” فقط، انقلابًا ناجحًا – هذا هو الثامن في تاريخ البلاد والثاني خلال أقل من 9 أشهر. ورغم التحديات وعدم الاستقرار، توجهت معظم وسائل الإعلام العالمية نحو التفاؤل والتأييد الذي طغى على الشارع البوركينابي تجاه هذا القائد الجديد. ووصفت وسائل الإعلام الفرنسية إبراهيم بأنه “الرجل القوي” منذ الأيام الأولى لانقلابه.

تتسم شخصية إبراهيم تراوري بكاريزما واضحة، وبدأت شعبيته تنمو منذ ظهوره الأول. لكن الكاريزما ليست العامل الوحيد الذي يميز انقلاب إبراهيم تراوري عن الانقلابات العسكرية المعتادة في أفريقيا. هناك جوانب أخرى عميقة في قصته لا يمكن تلخيصها في خطاب شجاع أو صورة بملامح حادة.

بوركينا فاسو كانت واحدة من أكثر دول الساحل الأفريقي تأثرًا بالأزمة الروسية في أوكرانيا. تفاقمت الأزمة الاقتصادية في هذه البلد الفقيرة، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة وصلت إلى 30%. وجاء ذلك في ظل حكم “بول هنري داميبا” الذي نفذ انقلابًا ناجحًا ضد السلطات المنتخبة في يناير/كانون الثاني 2022. ربط داميبا انقلابه بفشل السلطة السابقة في مواجهة “الجماعات المسلحة الإسلامية”، على الرغم من خسارة أكثر من أراضٍ لصالح هذه الجماعات. وبناءً على ذلك، لم تعد القوات النظامية تسيطر إلا على 60% من أراضي البلاد، بعد سلسلة من الهزائم التي مني بها جيش “داميبا”.

على الجانب المقابل، تمرّ القوات الفرنسية بتحديات في البلاد، حيث لم تنجح على مر السنوات الخمس الماضية في القضاء على الجماعات المسلحة التي تسببت في نزوح مليوني شخص من بوركينا فاسو. هذا الفشل العسكري أدى إلى زيادة مشاعر الكراهية نحو فرنسا، حيث يعتبر الشعب البوركينابي أنها دولة استعمارية استنزفت القارة الأفريقية لعقود طويلة، ولا تزال تحاول الحفاظ على نفوذها حتى بعد انسحابها العسكري منها بعد فترة الاستعمار. بالإضافة إلى ذلك، انتشرت نظريات تشير إلى أن فرنسا تلعب دورًا في دعم وتصنيع الإرهاب في المنطقة للحفاظ على نفوذها.

وفي الوقت نفسه، نجحت روسيا في تنفيذ حملة إعلامية ناجحة ضد فرنسا في بوركينا فاسو، حيث زادت عروضها الدعائية باللغة الفرنسية في البلاد، واستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لتأجيج الكراهية ضد الاستعمار الفرنسي. هذه الجهود ساهمت في تعزيز تصوُّر روسيا بأنها “القوة المناهضة للإمبريالية الغربية” وحلم للبوركينابيين بالتحرر من الاستغلال الفرنسي.

في ظل هذا السياق، شهدت بوركينا فاسو تدهورًا أمنيًا سريعًا خلال العام الذي أدى إلى انقلاب تراوري، حيث سُجّلت أعداد كبيرة من الوفيات وصلت إلى 3252 حالة، وزيادة نسبة النازحين في البلاد، نازح من كل 10 سكان. وجميع هذه العوامل خلقت مناخًا مناسبًا لحدوث الانقلاب، خاصةً بعدما وجد البوركينابيون أنفسهم معلقين بين الفشل الفرنسي والدعاية الروسية.

فعليًا، يظهر أن لدى إبراهيم تراوري قدرة ملحوظة على التأثير في الآخرين. شارك في نجاح انقلاب داميبا، وعاد بعد فترة من القتال ليصبح قائدًا لفوج المدفعية في كايا ببوركينا فاسو. طلب لقاء الرئيس لمناقشة مظالم الضباط والجنود، ولكن عندما تجاهله الرئيس، أطاح به إبراهيم بمساعدة جنود ذوي رتب صغيرة.

إبراهيم تراوري ليس الصورة المعتادة للضابط المنقلب. حصل على شهادة بتقدير من جامعة واغادوغو قبل الانضمام للجيش. يُعرف بشجاعته وانضباطه خلال مواجهاته مع الجماعات المسلحة والمتمردين، واستطاع جلب إعجاب قادته في الجيش. يحافظ أيضًا على علاقات وثيقة مع الجنود تحت قيادته.

مع ذلك، هناك آراء سلبية حول شخصية إبراهيم. تشير بعضها إلى أنه متلاعب، وقد أظهر ذلك خلال تعامله مع فرنسا بعد الانقلاب. انتشرت شائعة من خلال معاون له بأن الرئيس السابق داميبا يختبئ في السفارة الفرنسية، مما أدى إلى هجوم على السفارة.

استغل إبراهيم هذه الشائعة لتحويل الانتقادات باريس إلى دفاع عن نفسها، بدلاً من الضغط الدولي على انقلابه. بعد ضغوط واحتجاجات قوية، نفت فرنسا علاقتها بمحاولة عودة داميبا. استمر إبراهيم في السلطة وأعرب عن أسفه للهجمات على السفارة الفرنسية.

شهدت شعبية إبراهيم تراوري نجاحًا بسبب وحدة الشارع وتأييد الأحزاب السياسية. ارتبط اسمه بفكرة الوحدة الأفريقية، وحظي بتأييد الأحزاب بموافقة صريحة أو سكوت على تحركاته. يُعزى جزء من شعبيته أيضًا إلى كونه أول رئيس مسلم لبوركينا فاسو منذ عقود طويلة.

بشكل عام، استطاع إبراهيم تراوري بفضل عوامل شخصية وموضوعية كسب دعم الشارع والأحزاب بشكل فعّال منذ اليوم الأول لانقلابه.

شيماء القوري الجبلي – صحفية متدربة

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *