“المغاربة وفيروس كورونا” | تذكرة ذهاب بلا عودة

بلادنا 24- صفاء بورزيق –

أرغم العالم على الانضباط لقانون مشترك هو قانون عدالة السماء، وأثبت أنه عدو البشرية والحياة ، حيث استطاع فيروس صغير لا يمكن رؤيته بالعين المجردة تغيير مجرى العالم بأسره، وذلك في أسابيع معدودة، إذ سوى بين الغني والفقير، الحاكم والمحكوم، المرأة والرجل، المهمش و المشهور.

الداء الجديد في طور أن يخلق قانونا ثالثا، تصبح فيه الأشياء أعدل قسمة، ويأخذ من ديكارت قانونه في العدل بين الناس، والحال أن وباء كورونا سيكون بدون شك قانونا لبناء نظام عالمي جديد.

-استهزاء وتنكيت ،فلامبالاة واستهتار، فخوف وبوهيوف

بعد انتشار حالات الإصابة بوباء كورونا، المغاربة تلقو الخبر بردود أفعال متفاوتة حسب طبقاتهم الاجتماعية و خلفياتهم الثقافية والتاريخية، وقدراتهم النفسية والنقدية.

– سخرية اجتماعية

كانت اللحظات الأولى فرصة لسخرية المغاربة، حيث ضجت وسائط التواصل الإجتماعي وأحاديث المقاهي بموجة من التنكيت على المرض، وتعددت عروض العشابة ومحترفي البوز ومبحري الأنترنيت بنشر مجموعة من التدوينات و الفيديوهات تبين ردود فعل الناس من هذا الوباء  کأنهم في انتظاره من أجل التفريغ عن همومهم و “التفويج” عن أنفسهم.
ويعكس هذا الفعل نوعا من العدمية  واللامبالاة الذي يضر بالنفس، ويهدد مصير مجتمع بأكمله.
في اعتقاد الناس ، أنهم محصنين ضد  الفيروسات مستدلين بطقوس المغاربة في العلاج والتشافي عن طريق الأعشاب و الزيوت وأوراق الشجر وغيرها، وذلك راجع للخلفية الثقافية والدينية للمغاربة.

– بداية الخوف وتبدد السخرية واللامبالاة

بمجرد إعلان وزارة الصحة المغربية عن أول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد، في 2 مارس 2020، لمواطن مغربي قاطن بالديار الإيطالة، دب القلق في النفوس واتسعت دائرة الخوف بالتدريج، وبتأكيد إصابات أخرى تحول إيقاع ومنسوب الخوف والانتظار والترقب عند الناس وبدأت تمثلاتهم لآثار الأوبئة على المغاربة والمخزنة في ذاكرة الكثيرين كالطاعون والتوفيس والكوليرا وغيرها خصوصا وهم متأكدون من ضعف البنيات الصحية وعدم قدرة المستشفيات على تحمل عدد المصابين إذا كان كبيرا.

 

– اللهطة و ضغط ذاكرة، بوهيوف والجوع

ما إن تأكدت أولى الإصابات بوباء كورونا في المغرب ومع بداية أولى قرارات السلطات المغربية ( إغلاق المقاهي، والمساجد، والمحلات التجارية الكبرى ،والمدارس وصالات السينما)، وإعلان الحجر الصحي، حتى هرول المغاربة بكثافة إلى مراكز ومنصات بيع المواد الاستهلاكية في تمثل حرفي لما حدث في سنوات الجفاف و الجوع بالمغرب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مما شجع الإحتكار والغش و المضاربة في الأسعار، بهدف مضاعفة  الأرباح رغم  أن وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة أكدت وفرة المنتوجات في السوق ، محددة أسعارها ،ولا بد أن نسجل هنا أن المواطنين أبانوا على مستوى آخر من وعي يقضي بالتبليغ عن الزيادة في الأسعار من طرف عدد من التجار.
ومن جهة أخرى ورغم تأكيد السلطات الحكومية على حرصها على توفير السلع والمواد الاستهلاكية وتتبعها اليومي من خلال لجنة لليقظة والتتبع، أحدثت على مستوى وزارة الداخلية ووزارة التجارة والصناعة، بضغط من المخزونات الذهنية والثقافية والتاريخية، فإن الناس لم يثقوا في إجراءات السلطات، واستمر الإقبال العشوائي على شراء  المنتوجات الغذائية من الأسواق و المحلات التجارية  وتخزينها من طرف عدد هام من المواطنين والمواطنات، وغلبت الأنانية و “راسي يا راسي” و “اللامعايرة” واختفت قيم التضامن والتعاون  والإيثار  والتلاحم والتآزر، وسادت حالة من الشك والخوف من المستقبل و التوجس من الموت .
و حسب ارتسامات استقيناها من أفراد متقدمين في السن، فهذا الخوف و التهافت لدى المغاربة شبيه بما حدث من فوضى سنة 1945، حيث أن الجفاف وما نتج عنه من مجاعة فرض على المغاربة تغيير نمط عيشهم و الدخول في تجربة مريرة من الاقتصاد وتخزين الشعير والقمح والقطاني.

– محاربة جنود كورونا بالتهليل والتكبير

في سلوك استفز المواطنين والمواطنات واستصدر ردود فعل قوية منهم تلاه تدخل السلطات القضائية لردع المخالفين لضوابط الحجر الصحي خرج عدد كبير من الناس في مناطق مختلفة لطرد كورونا عن طريق التكبير والتهليل، وقراءة دعاء اللطيف، مما شكل ضربا لكل المجهودات التي يبذلها العاملون في وزارة الصحة خلال الأيام الأولى من الحجر الصحي. هو سلوك لتصريف ثقافية دينية لمواجهة المصائب و الشدائد ودفع الوباء،
لجأ لها المغاربة على مر الأزمنة و السنين في مواجهتهم للأمراض والأوبئة الفتاكة التي حصدت العديد من الأرواح كالطاعون والجدام وغيرها، حيث تم اللجوء لقراءة دعاء اللطيف في  المساجد  والإكثار من الصلاة بغية الحد من الأوبئة.
لكن الأمر مختلف تماما هذه المرة، كما تبين ذلك من خلال استدعاء السلطات القضائية بالمحكمة الإبتدائية بطنجة لعدد من الرموز الدينية بالمدينة بتهمة خرق مقتضيات الحجر الصحي وتحريض الناس للخروج للشارع، بخلفية إيديولوجية دينية.

– تضامن أغنياء المغرب في معاكسة لتمثلات المغاربة

كبار أغنياء المملكة الذين استهدفت المقاطعة شركاتهم قبل مدة من الجائحة قدموا مساهمات مالية مهمة لصندوق مكافحة جائحة كورونا الذي أمر ملك البلاد بإحداثه، فأظهروا وجها آخر للارتباط بالوطن، وعلى غرار ذلك ، ساهمت شركة “افريقيا” بهبة قدرها مليار درهم، وفي سياق ذي صلة، أعلنت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تقديمها مساهمات قدرها 3 مليارات درهم، في حين ساهم بنك افريقيا بغلاف مالي قدره مليار درهم، وجدير بالذكر أن رصيد الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا المستجد أقل من مليار درهم (971 مليون درهم) في نهاية شهر يونيو من العام الماضي.

-ارتباك السلطات و عدم انتظام المواطنين والمواطنات

تنفيذ قرار وزارة الداخلية بتوزيع الورقة الإستثنائية، ترخص الخروج للضرورة القصوى نتج عنه فوضى عارمة، حيث تلهف المواطنون والمواطنات في مقرات المقاطعات والجماعات والقيادات حول أعوان السلطة من شيوخ ومقدمين ، الكل يريد ورقة ترخيص الخروج ولن يهتموا لمخاطر انتشار وباء كورونا.

– هل الجميع كان على نفس المستوى من اصدار الإجراءات وتطبيقها في حوض المتوسط؟

استعدادات الدول والسلطات تختلف في طبيعتها وسرعتها واستباقيتها وتأخرها، لكن من المؤكد أن الجميع متحد من أجل التصدي لتداعيات الوباء.
تقول فاطمة، قاطنة بالديار الاسبانية، تبلغ من العمر ثلاثة وعشرين سنة، أن المواطنين استسهلوا خطورة الوباء واستمروا في التجول في شوارع مدريد ويقبلون بعضهم البعض ويجلسون في المقاهي دون خوف من الوباء.

-بشرى للمغاربة.. لقاح كورونا بالمغرب

كان المغرب من بين الدول الأولى التي سارعت إلى إبرام عقود مع الدول المصنعة للقاح كورونا، بعد اطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كوفيد-19 ، تباينت آراء المغاربة بين مؤيد للقرار و معارض له.

-جدل واسع حول جواز التلقيح

مع بدأ تنفيذ السلطات قرار “جواز التلقيح”، وذلك بتاريخ 25 أكتوبر من العام المنصرم، تعالت أصوات حقوقية و شعبية رافضة لهذا القرار، داعية إلى ضرورة تراجع السلطات عنه، بحجة المساس بالحقوق الأساسية للمواطنين، وكان أكثر من 20 ألفا من الحقوقيين والسياسيين في المغرب وقعوا، عقب القرار، على عريضة إلكترونية تطالب بإلغائه.
وتظاهر مئات الأشخاص في مختلف المدن، منددين بفرض “جواز التلقيح”، وسط انتشار أمني مكثف، بينما تم منع وقفتين احتجاجيتين.
وعقب هذا الجدل، وفي تعليق على القرار، قال خالد آيت الطالب، وزير الصحة ، فى تصريح سابق إلى وسائل الإعلام ” إن جواز التلقيح لا يُعَد تقييدا، وإنما جاء من أجل تسهيل رجوع متلقي اللقاح إلى الحياة العامة. ”

– التعايش مع الوباء.. ضرورة حتمية

عادت العجلة للدوران، وعمّ التفاؤل في النفوس بقرب زوال هذا الوباء، وكشف غمته، دفع ضريبتها كثيرون من أرواحهم التي قضى عليها، فضلاً عن البعض ممن أنهكتهم أوجاع الإصابة به، وعادت الحياة لتهزم التشاؤم الذي سكن البعض لضبابية المشهد المعيشي على مستوى جميع الدول، مع تصاعد أعداد الوفيات، وتوالي الإصابات بالفيروس الخبيث، دون موعد واضح لرحيله، أو توقع قريب أو بعيد بانجلائه.
مروة بخات ، إعلامية، اعتبرت أن التعايش مع الوباء ضرورة لا مفر منها خصوصا إن كان الوضع الحالي لازال مطولا، والأفضل تقبل الأمر بإيجابية، وزادت قائلة، ” ففي نهاية المطاف نحن مسيرون تحت حكم القدر” .

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *