التعاون الأمني بين الرباط وباريس.. مجال حيوي وأداة من أدوات “القوة الناعمة”

رغم الأزمة الأخيرة التي تخللها “برود دبلوماسي” معمق في علاقة المغرب بفرنسا، بسبب مواقفها السياسية “الضبابية” بخصوص مجموعة من القضايا والملفات ذات البعد الاستراتيجي والقومي بالنسبة للرباط، ظلت المملكة تعمل جاهدة على تحييد هذه المواقف، وعدم خلط الأوراق، كلما تعلق الأمر بالمشاكل الكبرى التي تهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين، على غرار ملف محاربة الإرهاب ،والجريمة المنظمة، وملف التعاون والتنسيق الأمني مع باريس، من أجل التصدي لهذه الظواهر الإجرامية، وعياً منها بخطر هذه التهديدات على منظومة الأمن العالمي.

مناسبة هذا القول، هو العملية الأمنية الأخيرة التي نجحت من خلالها عناصر مصلحة الأبحاث والتدخلات التابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، مساء الجمعة الماضي، في توقيف مواطن فرنسي، يبلغ من العمر 34 سنة، وذلك لكونه يشكل موضوع أمر دولي بإلقاء القبض، صادر عن السلطات الفرنسية، في قضايا مرتبطة بتكوين شبكات إجرامية تنشط في التهريب الدولي للمخدرات.

وتم وضع المشتبه به الموقوف، المعروف بلقب “القط”، وهو زعيم ما يسمى بـ”مافيا يودا مارسيليا”، أحد أكبر العصابات الإجرامية الخطيرة التي تنشط بفرنسا، تحت تدبير الحراسة النظرية، قبل تقديمه صباح أول أمس السبت، أمام أنظار النيابة العامة المختصة بالدار البيضاء، في إطار إجراءات تسليمه إلى السلطات الفرنسية، التي أشادت في هذا الصدد، بـ”التعاون الرائع” مع نظيرتها المغربية.

ومن أوجه الإشادة الكبيرة التي استقدمتها هذه العملية الأمنية الدقيقة، تغريدة لوزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، قال فيها إنه “تم في المغرب القبض على أحد أكبر تجار المخدرات في مرسيليا”. ونوّه وزير الداخلية الفرنسي بالمجهودات التي تبذلها السلطات الأمنية المغربية، قائلا في هذا الصدد: “برافو لضباط الشرطة الذين يواصلون بلا كلل مكافحة تهريب المخدرات”.

وفضلاً عن تغريدة جيرالد دارمانان، حول هذا “التوقيف الثمين”، لفت المدعي العام في مرسيليا، نيكولا بيسون، في بلاغ صادر عنه، إلى أن “هذا الاعتقال يأتي نتيجة تعاون ملحوظ من جانب السلطات المغربية (…)”.

هذه العملية الأمنية الدقيقة والمحكمة، لا تعكس إلا شيئاً واحدًا، ألا وهو انخراط المغرب، ومؤسساته الأمنية، في الدينامية الدولية التي يعرفها ملف محاربة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، التي تنشط في بقاع من العالم، في إطار تحالفات إقليمية أو دولية، وتعزيز التنسيق البيني في هذا الإطار، بعيدا عن أي اعتبارات سياسية، وهو ما جعل المملكة، بفضل مقارباتها الأمنية ذات البعد الاستراتيجي، ومنطقها العملياتي التشاركي في التعامل مع التهديدات والمخاطر الأمنية، نموذجا أمنيا فريدا يحتذى به، ويحظى بثقة كل الدول، حتى الرائدة منها في المجال. وقد أضحى هذا النموذج أداة من أدوات “القوة الناعمة” المغربية.

ومما لا شك فيه، أن هذه العملية الأمنية، التي ليست إلا واحدة من أوجه متانة التعاون الأمني المغربي الفرنسي، أو كما وصفتها المديرية العامة للأمن الوطني في بلاغها، بأنها “جاءت تتويجاً لعلاقات التعاون الأمني وتبادل المعلومات بين مصالح المديرية العامة للأمن الوطني، والشرطة الوطنية الفرنسية، وذلك في إطار آليات التعاون الدولي في المجال الأمني”، وهو ما يمهد الطريق أمام تجاوز “البرود الدبلوماسي”، الذي خيّم طويلا، قبل أن تبدأ بوادر انجلائه في الظهور، بالزيارات الأخيرة التي حملت مسؤولين فرنسيين إلى المملكة.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *