استقالة برلمانيين متابعين من مجلس النواب.. تحايل على المحكمة الدستورية أم وعي بالمسؤولية؟

شهدت الساحة السياسية المغربية مطلع السنة الجارية، اعتقال عدد من السياسيين، بينهم أعضاء في مجلس النواب ومنتخبون في الجماعات المحلية، بتهم تتعلق بتبديد المال العمومي والفساد السياسي وغيرها، مافرض على الأحزاب التي ينتمي لها هؤلاء المهتمين، ضرورة التحرك إزاء هذا الموضوع لإنقاذ سمعتها وصورتها من الدرك السحيق، الذي أوقعت نفسها فيه بما كسبت أيدي المنتخبين، من خلال اتخاذ إجراءات صارمة بحقهم ومنعهم من تصدر الواجهة وتمثيل الحزب حتى يقول القضاء كلمته النهائية في حقهم.

وعلى الرغم من استحسان الرأي العام، هذه التوقيفات، كونها تسهم في تطهير المؤسسات المنتخبة من الفاسدين وإعادة الثقة بالعمل السياسي، إلا أن لجوء بعض البرلمانيين المتابعين لتقديم استقالتهم من عضوية مجلس النواب، من أجل عدم فقدان المقعد البرلماني للحزب الذي ينتمي إليه، يطرح مخاوف استمرار رقعة الفساد داخل البرلمان.

محمد كريمين، البرلماني الاستقلالي والرئيس السابق لجماعة بوزنيقة، وكذا محمد مبديع النائب البرلماني للفريق الحركي، هي أسماء من بين عشرات المنتخبين والسياسيين المتابعين، أمام محاكم جرائم الأموال بمختلف جهات المملكة، يمثلون كل الألوان السياسية، لجأ عدد منهم لتقديم استقالتهم، إما تحايلا على المحكمة الدستورية ضمانا لعدم إجراء انتخابات جزئية، أو وعيا منهم بالمسؤولية كل حسب حالته.

تنقية المشهد السياسي

ولتفسير هذه الخطوة التي يقدم عليها أغلب البرلمانيين المتابعين، والإجراءات القانونية المترتبة عنها، أكد المحلل السياسي محمد شقير، أن لجوء البرلماني إلى تقديم استقالته، ليست عملية فردية، وإنما تتداخل فيها عدد من الجهات المعنية، بداية من رئيس مجلس النواب، وكذا المحكمة الدستورية التي تبث في الطلب، مشددا على أن “السياق العام لهذه العملية حاليا تركز على ضرورة تنقية المشهد السياسي، من خلال متابعة بعض السياسيين والمنتخبين الذين تورطو في قضايا تتعلق بتبديد أموال عمومية وغيرها”.

وأكد محمد شقير في تصريح ل”بلادنا24“، أن تورط هؤلاء المنتخبين في هذه التهم تحتم عليهم تقديم استقالتهم، لتفعيل إجراءات تنظيم انتخابات جزئية طبقا لأحكام البند 5 من المادة 91 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، مؤكدا أن “صدور الحكم في حقه، يؤدي مباشرة إلى إقالته وليس استقالته”.

وأشار المتحدث ذاته في معرض حديثه، “هناك حالات تقوم بهذه الخطوة وعيا منها بالمسؤولية، لضمان الشفافية والنزاهة داخل المؤسسة البرلمانية، في حين هناك حالات أخرى، تدخل في إطار حسابات سياسية، من خلال ترك المجال لشخصية تنتمي لنفس الحزب”، موضحا أن “قبول الاستقالة يفضي إلى المناداة على المرشح الثاني في لائحة الحزب بدل تنظيم انتخابات جزئية”.

التحايل على المحكمة الدستورية

وتدخل هذه العملية الأخيرة في إطار التحايل على المحكمة الدستورية، حيت يقبل بعض البرلمانيين المتابعين على هذه الخطوة، مباشرة بعد علمهم بقرار مكتب مجلس النواب مراسلة المحكمة بشأن وضعيته، لتقوم بدورها بالتصريح بشغور المقعد الذي كان يشغله، مع إجراء انتخابات جزئية، لشغل المقعد الشاغر، إلا أن تقديم الاستقالة يحول دون اتمام هذه الإجراءات وبالتالي تعويضه بالمترشح الذي يليه في اللائحة.

وعن أمثلة لبعض هذه الحالات، سبق للمحكمة الدستورية أن رفضت استقالة محمد كريمين، البرلماني الاستقلالي والرئيس السابق لجماعة بوزنيقة من مجلس النواب، وقضت بتجريده من عضوية مجلس النواب على خلفية عزله من رئاسة جماعة بوزنيقة وفقدانه أهلية الترشح.

وفي التفاصيل، أوضحت المحكمة أنها توصلت بمراسلة من رئيس مجلس النواب يطلب من خلالها تجريد كريمين من عضوية المجلس، لكن هذا الأخير قدم استقالته حينما علم بقرار مكتب مجلس النواب مراسلة المحكمة، وهو ما كان سيحول في حالة قبولها إلى المناداة على المرشح الثاني في لائحة حزب الاستقلال بدائرة بنسليمان بدل تنظيم انتخابات جزئية.

وفي هذه الحالة، يتعين تطبيق أحكام المادة 11 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، الذي ينص على تجريد البرلمان، بحكم القانون من العضوية بمجلس النواب والتصريح بشغور المقعد الذي كان يشغله، مع إجراء انتخابات جزئية طبقا لأحكام البند 5 من المادة 91 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.

وفي حالة أخرى، قدم النائب البرلماني محمد مبديع استقالته من مجلس النواب، وذلك من أجل عدم فقدان المقعد البرلماني بالنسبة للفريق الحركي، المتعلق بدائرة الفقيه بن صالح.

وبعد الاستقالة، سيتم تفعيل المادة 90 من القانون التنظيمي 1127 المتعلق بمجلس النواب، التي تنص على اللجوء للمرشح الذي يليه في اللائحة من أجل تعويضه، دون اجراء اي انتخابات حزئية.

وللإشارة، تعيش جل الأحزاب السياسية نقاشات داخلية بخصوص موضوع الملفات والمتابعات القضائية التي تطال المنتخبين سواء كانوا نوابا برلمانيين أو رؤساء جماعات وكيفية التعامل مع ملفاتهم، بما يضمن الحفاظ على صورة الحزب داخل الأوساط السياسية.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *