مغاربة يتحولون إلى “قنابل موقوتة” في رمضان.. وسوسيولوجي: شكل جديد في التعامل

يحل شهر رمضان، شهر التضامن والتسامح بين الناس، وتحل معه الظواهر الإجرامية التي تشكل خطرا على المجتمع، حيث تجد أشخاصا في حالات عصبية غير متحكمين في أنفسهم، ينهالون بوابل من السب والشتم في وجوه كل من يختلفون معهم، لدرجة يتطور الأمر إلى الدخول في مشادة كلامية، وشجارات تستعمل فيها الأسلحة البيضاء، تصل حد التهديد بالقتل، وإسالة الدماء، وارتكاب جرائم قتل خطيرة حتى في حق الأصول.

هذه الحالات التي يصفها المغاربة بـ”الترمضينة”، تظهر خلال شهر رمضان فقط، حيث تجد سب هنا، وشتم هناك، ومشادات كلامية في مختلف الأحياء والأسواق. بينما ما يطلق عليهم بـ”المرمضنين”، غير قادرين على الصيام، يتحولون إلى قنابل موقوتة تنفجر في وجه المجتمع، كما حدث في أول أيام رمضان، حيث أنهى شاب في مدينة العرائش، حياة والدته البالغة من العمر نحو 60 عاما، بسكين، وذلك قبل آذان صلاة المغرب بنصف ساعة.

معارك اجتماعية

وفي هذا الصدد، قال فريد بوجيدة، أستاذ السوسيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة، إنه من الناحية الاجتماعية، “يجب التأكيد على أن هناك أمور إيجابية تتعلق برمضان، أولها ذلك التضامن بين الناس، والطابع العائلي لطقس رمضان. وإن كنا لانحكم على نوايا الناس، فما يظهر على السطح يبدو إيجابيا”.

وأضاف بوجيدة، في تصريحه لـ”بلادنا24“، أن “من المسائل السلبية، هو بروز ما يسمى بكثرة الجرائم”. مشيرا إلى أنه في غياب إحصائيات رسمية، ومسح ميداني لتصنيف كل الأحداث التي تقع في شهر رمضان، يمكن اعتبارها “معارك اجتماعية صغيرة”.

وتابع المتحدث، بقوله: “عندما نتحدث عن المشاجرات والصراعات الكثيرة في شهر رمضان، يجب أن نعرف في البداية، أن هذه الحوادث لا تتعلق برمضان في حد ذاته، وإنما هي مبررات معينة يحاول بعض الأفراد إيجادها، لإبراز شكل جديد في التعامل، قد يكون من بينها العنف في تجلياته المادية والمعنوية” .

ردود أفعال غير مسؤولة

وأوضح أستاذ علم الاجتماع، أنه من أجل فهم التغير الحاصل في السلوكيات الاجتماعية، هناك مستويين، “الأول موضوعي، يتعلق بتغير نمط العيش والاستهلاك المبالغ فيه، وما يستتبعه ذلك من تدافع والتحامات متكررة في الأسواق الضيقة، وتجمع في نقط معينة في المدينة. أما المستوى الثاني فينبع من تمثلات كل فئة اجتماعية عن هذا الشهر”.

وأشار إلى أن هناك “تقاليد محددة لكل فئة، تحاول من خلالها إبراز ما يجعلها تدخل دائرة الضوء، باعتبارها متضررة أكثر بصوم رمضان، وهي لا تقول ذلك مباشرة، إذ يبرز المدخنون، والحشاشون، ضمن أكثر الفئات اختلاقا للاحتكاكات المباشرة، وغير المباشرة”.

وأردف أستاذ السوسيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة، أن “الفئات الفقيرة، أكثر المتضررين من الناحية الموضوعية، نظرا لقلة ذات اليد، وعدم قدرتها على اقتناء ما يعرض أمامها من مأكولات ومشروبات”. مسترسلا بالقول: “نحن فهمنا ما تغير على المستوى الاجتماعي. ولهذا نجد أن كثرة المشاجرات والصراعات، مرتبطة أساسا بهذه الالتحامات، وما يفرضه هذا الشهر من التزامات اجتماعية تجعل بعض الفئات تعاني. لكن أكثر الالتحامات، لا علاقة لها بالفقر، بقدر ما تكون ناتجة عن ردود أفعال غير مسؤولة لبعض المدمنين”.

حالة انفصام

وأكد فريد بوجيدة، على أن تقييم ما يقع من الناحية السوسيولوجية، يدفع إلى القول “كوننا نعيش حالة انفصام بين ما يقع في الواقع ونعاينه، وبين ما ندعيه في شهر رمضان، على مستوى الاستهلاك، والتنظيم الصحي للأكل، وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية، بين نهار مليء بالفوضى والالتحمات العنيفة في الأسواق والطرقات، وليل يعمه السكون بعد آذان المغرب”.

وخلص الباحث، إلى أنه “يجب أن نفهم أننا لا نواجه مشكلات محددة يفرضها الواقع الاجتماعي، من زيادة في الأسعار، واستغلال توافد المواطنين على بعض المواد الاستهلاكية، بل استغلال إيمانهم كذلك. وفي هذا السياق، نفهم كيف يتحول الناس في النهار إلى كائنات اجتماعية واقعية، تلتحم وتصارع من أجل أن توفر شروطا اجتماعية لما تراه ضروريا في رمضان”. مستدركا بالقول: “لا يمكن أن نطمئن لخطاب يعلو على هذه الالتحامات في واضحة النهار، ويمتثل لقناعة تتصور أن الناس سواسية”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *