مغاربة يدمنون المخدرات خلال رمضان.. وأخصائي نفساني يستعرض العلاج

يزداد الإقبال على تناول المخدرات خلال شهر رمضان بشكل كبير جدا، نتيجة إغلاق الحانات والعلب الليلية، حيث يلجأ الشباب إلى تعاطي المخدرات بمختلف أصنافها، بدعوى تلطيف ما يصفونه بـ”إحساسهم النفسي” رغم الوعي بأخطارها المدمرة وانعكاساتها المهدمة لحياتهم، فيما آخرون يتعاطون للمخدرات هروبا مما يصفونه بـ”الضغط النفسي” الذي يمارسه الفقر وبؤس الوضعية السوسيومهنية وانعدام الشغل، بل وقلة عائدات بعض الأنشطة الاجتماعية، مما يجعلهم عاجزين عن تلبية حاجيات أسرهم في رمضان.

فإذا كان شهر رمضان شهر العبادات، فإن فئة عريضة من الشباب يتخذون منه شهرا للتعاطي للمخدرات، حيث يقضون جل وقتهم في النوم، وهو ما يفسره أخصائي نفساني بأسباب سيكولوجية واجتماعية مرتبطة أساسا بتغير نمط الحياة خلال هاته الفترة، فيما يستحضر سبل العلاج للتخلص من إدمان المخدرات.

ويرى الأخصائي النفساني، الدكتور، المهدي بوشيخي، أنه من أجل إجراء مقاربة متكاملة  للموضوع، يجب التمييز مبدئيا بين 3 مستويات من الإدمان، إذ أنه حسب النسخة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية فإننا نتحدث عن 4 تصنيفات لمجموع الأعراض الاثنا عشر المحددة لتشخيص الاضطرابات الإدمانية.

أعراض متعددة

وقال الأخصائي النفساني، مهدي بوشيخي، إن الأعراض المتعلقة بالتحكم في الاستعمال والدافع، فإنها تتعلق بمثل الرغبة الجامحة للتعاطي والمحاولات غير الناجحة للإقلاع، بينما الأعراض المتعلقة بالآثار الاجتماعية والمهنية: فتتعلق بمثل المشاكل والصعوبات في الأنشطة المهنية والاجتماعية والمترتبة أساسا عن التعاطي، والاستمرار في الاستعمال رغم التأثيرات السلبية.

وأضاف بوشيخي في تصريحه لـ”بلادنا24“، أن الأعراض المتعلقة بالاستعمال الخطر والإدمان الفيزيولوجي، فتتعلق بمثل الاستعمال في الحالات الخطرة جسديا وظهور أعراض الانسحاب عند التوقف عن الاستعمال، فيما الأعراض المتعلقة بالانشغال والإهمال، فتتعلق بمثل قضاء فترات زمنية مهمة في الحصول على المواد المخدرة أو استخدامها أو التعافي من آثارها، واهمال الأنشطة الاجتماعية أو المهنية أو الترفيهية.

وأشار الأخصائي إلى أنه حسب هاته الأعراض فان التصنيفات حسب شدة الاضطراب عادة ما تكون اضطرابات إدمانيه ذات شدة خفيفة: وجود عرضين – ثلاثة أعراض؛ اضطرابات إدمانيه ذات شدة متوسطة: وجود من أربعة الى خمسة أعراض؛ اضطرابات إدمانية ذات شدة حادة: وجود ستة أعراض أو أكثر.

أعراض الانقطاع

وأوضح الأخصائي النفساني، أن حدة هاته الاضطرابات الإدمانية تختلف من فرد لآخر، كل حسب تكوينه النفسي ونوع الإدمان الذي يعاني منه، مشيرا إلى أن ما يوحد جميع المتعاطين خلال فترات الصيام هو ما يسمى بـ”أعراض الانقطاع” أو “أعراض الانسحاب”. ويمكن تعريفها على أنها مجموع التمظهرات السيكولوجية والفيزيولوجية الناتجة عن التوقف الفجائي لاستعمال المواد المخدرة، وهي نتيجة لاختلالات في التوازن الكيميائي للدماغ وبالتحديد الجهاز العصبي المركزي.

وأشار المهدي بوشيخي، إلى أنه يمكن ملاحظة تغيرات مهمة في مستويات النواقل العصبية في الدماغ مثل الدوبامين والسيروتونين، وهي نواقل عصبية تشمل تأثيراتها مجالات نفسية عديدة مثل تقلبات المزاج واضطرابات النوم والقلق واختلالات في التركيز تكون عادة مرفقة برغبة أكبر في التعاطي واستعمال المواد المخدرة.

وأكد على أن العديد من الشباب الذين يعانون من اضطرابات الإدمان يحاولون تركيز جهودهم خلال هذا الشهر نحو تقليل تعاطيهم أو التخلص منه. إلا أنه من وجهة نظر إكلينيكية فإن ذلك قد يؤتي أحيانا بنتائج عكسية خاصة بعد فترة الإفطار، حيث يتم التعاطي لتلك المواد المخدرة بشكل أكبر وبنمط أكثر شراهة.

ولفت إلى أن تغير النمط الحيوي للحياة خلال هذا الشهر الكريم قد يكون واحدا من أسباب الخطر بالنسبة لهاته الفئة، خاصة مع تغير مواعيد الأكل والنوم الاعتيادية، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستجابة لتأثيرات المواد المخدرة. هذا إلى جانب الضغوط الاجتماعية والاحتكاكات المباشرة مع أفراد العائلة أو زملاء العمل، فتزايد الالتزامات الدينية والمسؤوليات الاجتماعية خلال رمضان قد تكون عوامل من بيد عدة تؤدي إلى زيادة التوتر والضغط النفسي على هاته الفئة – وقد يكون تعاطي المخدرات في هذا السياق وسيلة للتخفيف المؤقت من هذا التوتر.

اضطرابات الإدمان

وقال الأخصائي النفساني، المهدي بوشيخي، إن اضطرابات الإدمان هي واحدة من أكثر أنواع الاضطرابات النفسية شيوعا، وآثارها لا تتوقف على الفرد فقط، بل على المجتمع كذلك والمنظومة الصحية بصفة عامة، مشيرا إلى أن تقرير منظمة الصحة العالمية لسنة 2020، أعلن عنه قد بلغ عدد الأفراد المتعاطين أو الذين يعانون من اضطرابات إدمانية حوالي 35 مليون شخص حول العالم، وأن هاته المشاكل المرتبطة باضطرابات الإدمان تؤدي إلى زيادة الأعباء على أنظمة الرعاية الصحية في مختلف الدول، حيث يتطلب علاج الاضطرابات النفسية والإصابات المتعلقة بالمخدرات استهلاك موارد طبية ومالية مهمة.

وتابع في هذا السياق وهو يقول: “على المستوى الفردي، فالحديث قد يطول هنا نظرا لحجم التأثير الكاسح للإدمان سواء على المستوى السيكولوجي أو النورو-بيولوجي، لكن للاختصار فمن المهم أن نشير بأن تعاطي المواد المخدرة لفترات مطولة في الغالب ما يؤدي الى تغيرات هيكلية ووظيفية مستديمة في الدماغ. ويكون ذلك نتيجة تأثير المواد المخدرة – بصيغها المختلفة – على طبيعة وجودة التواصل بين الخلايا العصبية على أقسام مختلفة بالدماغ، خاصة ما يعرف في علم النفس العصبي ب “نظام -المكافئة” وهو نفس النظام العصبي المسؤول عن وظائف البقاء مثل الأكل والنوم مثلا.. فالدماغ يستجيب للمواد المخدرة بنفس الكيفية مما يؤدي لإفرازات هرمونية مختلفة تسبب شعورا بالراحة و “المكافأة”، وهو ما يحفز الفرد على تكرار التعاطي وبالتالي المرور نحو مرحلة الإدمان الوظيفي على تلك المواد”.

ولفت إلى أن الأثر السلبي الملحق على الوظائف المعرفية المختلفة مثل التركيز والتعلم والذاكرة واتخاد القرار.. كلها وظائف وآليات معرفية مركزية للاشتغال النورولوجي للفرد، وأي اضطراب فيها يترجم تلقائيا (وعلى نطاق أوسع) على مستوى الاشتغال السيكولوجي، وتكون بالتالي مدخلا نحو بوابة الاضطرابات النفسية والسلوكية التي تبلغ تأثيراتها كل جوانب الحياة الوظيفية والاجتماعية للفرد.

مقاربات علاجية

وأكد الأخصائي النفساني، أنه فيما يخص التدخلات العلاجية، فالمقاربات تختلف حسب طبيعة المواد المستهلكة وشدة الاضطراب، ويمكن تلخيصها في 4 نقط، مشيرا إلى أنه على مستوى العلاج النفسي، يتم التركيز على تغيير الأنماط السلوكية المرتبطة بالإدمان ومحاولة فهم أسبابه وسياقه وتموقعه في التاريخ المرضي للفرد.

وأوضح المصدر ذاته، أن العلاج النفسي بمختلف مقارباته (العلاج السلوكي المعرفي، السيكو-دينامي، العلاج الأسري..) هو من أهم أنواع التدخلات العلاجية إذ أن له نتائجه وآثاره المباشرة على الفرد خاصة عندما يتم تكييف نمط العلاج لاحتياجات الفرد وخصوصياته.

وأفاد بوشيخي، أنه بالنسبة للعلاج الدوائي، فإنه يتضمن تدخلات طبية نفسية لاستعمال العقاقير والأدوية للمساعدة على تخفيف أعراض الانقطاع والسيطرة على وتيرة التعاطي، ويتم في الغالب الجمع بينه وبين العلاج النفسي وأساليب الدعم الاجتماعي-النفسي من أجل تحقيق نتائج أكثر فعالية.

وبخصوص العلاج الوقائي، يقول المصدر، إنه من أبرز المقاربات الحديثة في هذا المجال حيث يتم التركيز على أساليب التوعية والتحسيس من أجل استباق وتفادي وقوع الإدمان، مشيرا إلى أن العديد من الدول في أوروبا وأمريكا بدأت بالفعل في نهج هذا الأسلوب خلال السنوات الأخيرة لما يتضمن من أساليب احترازية واستباقية تخفض من تكاليف العلاج على أنظمة الرعاية الصحية وذلك على المدى البعيد.

وأشار إلى أن العلاج المجتمعي، يشمل برامج التأهيل وإعادة التأهيل في مراكز علاجية تشتغل ضمن فرق متعددة التخصصات بهدف تعزيز المهارات الحياتية للفرد والعمل على إعادة تأقلمه مع المجتمع خاصة بالنسبة للأفراد الذين عانوا من الإدمان لفترات طويلة من حياتهم.

معالجة الإدمان

وأكد الأخصائي النفساني، المهدي بوشيخي، على أن المغرب قد بدأ بالفعل في توجيه جهوده في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، وذلك بتدشين مراكز ومؤسسات علاج الإدمان بمختلف بقاع المملكة، غير أن فئة كبيرة من الشباب مازالت تعاني من هاته الاضطرابات المتعلقة بتعاطي المواد المخدرة، مما يستدعي تكثيف الجهود ولربما إعادة النظر في السياسات المتعلقة بمواجهة هذا النوع من المشاكل خاصة على المدى البعيد.

وقال، إن الإدمان شأنه شأن باقي الاضطرابات النفسية له أثره السلبي على الفرد والذي في الغالب ما يكون خارجا عن حدود إرادته – خاصة في مراحل متقدمة من الإدمان.

وخلص الأخصائي النفساني قوله إلى أن “الوصم المجتمعي والنظرة التي يحملها المجتمع نحو الفرد الذي يعاني من الإدمان تساهم بكل تأكيد في تعقيد عملية العلاج وإعادة التأهيل، شأنها شأن باقي الاضطرابات النفسية الأخرى التي مازال أثر الحكم المجتمعي والثقافي يقوقعها من كل جهة.. إن إشكالية الإدمان هي واحدة من أعقد الإشكاليات الحالية سواء في العلوم النفسية بمختلف توجهاتها أو حتى في سياق السياسات المجتمعية، فالدراسات العلمية في هذا المجال مازالت تحاول الكشف عن النهج الأكثر ملائمة لمقاربة الإدمان بالطرق الأكثر مشروعية وفعالية”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *