الجنرال خالد نزار.. الرجل الذي لاحقته دماء “العشرية السوداء” حتى آخر يوم في حياته (بورتريه)

بعدما أعلن أمس الجمعة، عن وفاة الجنرال المتقاعد خالد نزار، وزير الدفاع الجزائري الأسبق، عن عمر يناهز 86 سنة، طفا الحديث مجددا عن حياته ومساره العسكري، وخصوصا واقعة “العشرية السوداء” الأليمة، التي أودت بحياة أعداد كبيرة من الجزائريين، والتي لاحقته حتى آخر يوم من حياته، بتحديد موعد محاكمته في سويسرا، شهر يونيو المقبل.

من الجيش الفرنسي إلى جيش التحرير

بقرية تدعى سريانة بولاية باتنة بالجزائر، رأى الجنرال خالد نزار النور يوم 27 دجنبر 1937، وسط عائلة كثيرة الأفراد، إذ بها أربعة عشر فردا. كان والده يعمل رقيبا في الجيش الفرنسي، ما جعله يسلك طريق والده.

ورغم أن الثورة الجزائرية كانت قد انطلقت ضد الاستعمار الفرنسي، التحق نزار سنة 1955 بالمدرسة الحربية الفرنسية سان مكسان (Saint-Maixent). ولكنه هرب في أواخر سنة 1958 من الجيش الفرنسي، ليلتحق بالناحية الأولى لجيش التحرير الجزائري، التي كان على رأسها الشاذلي بن جديد.

أصبح خالد نزار رابع رئيس أركان الجيش الجزائري، كما كان أحد مؤيدي الانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في دجنبر 1991.

وحسب تقارير إعلامية، فإن الراحل نزار، أصبح الرجل القوي في النظام الجزائري خلال الفترة بين 1990 و1993.

المسار العسكري لخالد نزار

أصبح خالد نزار قائدا للمنطقة العسكرية الخامسة بقسنطينة سنة 1982، ثم قائدًا للقوات البرية، ونائبا لرئيس أركان الجيش في 16 يونيو 1987. وفي أحداث أكتوبر 1988، تم تكليفه بإعادة النظام، وقد لقي في تلك الأحداث 600 شخص مصرعه.

وفي سنة 1990، قام الرئيس الشاذلي بن جديد بتعيينه وزيرا للدفاع، وبقي بهذا المنصب إلى غاية سنة 1993، حيث تمكن من موقعه أن يقود الانقلاب على الانتخابات التي فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالدورة الأولى منها، وأجبر بن جديد في يناير 1992 على الاستقالة، فيما تعرض نزار لمحاولة اغتيال فاشلة سنة 1993، وهو الشيء الذي جعله يبتعد شيئا فشيئا، إلى أن انسحب من الحياة السياسية، بعد تسلم السلطة من قبل اليامين زروال سنة 1994.

واقعة “العشرية السوداء”

اتهم خالد نزار بكونه كان سببا في استعمال التعذيب خلال الفترة التي تولى فيها وزارة الدفاع  (1991 – 1993)، حيث رفعت ضده شكاوى في هذا الصدد في العاصمة الفرنسية باريس سنتي 2001 و2002. كما أنه كان مطلوبا لدى القضاء السويسري، للاشتباه في تورطه في “ارتكاب جرائم تعذيب في حق المواطنين الجزائريين”، خلال ما بات يعرف بـ”العشرية السوداء”.

ويوصف الجنرال خالد نزار، بكونه من رسم سياسة التحرش العسكري بالمغرب، كما أن تاريخه العسكري حافل بالتورط في استراتيجيات مثيرة للجدل، والتي شكلت تحديا للأمن الإقليمي، كما أنه يعد مهندسا لـ”العشرية السوداء” التي أودت بحياة الملايين من الجزائريين.

اتهامات بالجاسوسية والتآمر

وكان قد اتهمه الشاذلي بن جديد، بكونه جاسوسا لفرنسا، وهو ما فنده نزار. كما لاحقته اتهامات عديدة باستعمال الرصاص الحي في مظاهرات سنة 1988، وصرح بأن قوات الفض التي أُرسلت لفض المظاهرات لم تكن تمتلك الرصاص المطاطي.

وأصدرت المحكمة العسكرية في البليدة عقوبة السجن لمدة 20 سنة، بحق نزار وابنه لطفي، بتهمة “المساس بسلطة الجيش والتآمر ضد سلطة الدولة”.

ويشار أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، نزار، أمس الجمعة، مشيدا بـ”مسيرته النضالية والمهنية”، كما وصفه في برقية تعزية بأنه “من أبرز الشخصيات العسكرية، كرس مشوار حياته الحافل بالتضحية والعطاء، خدمة للوطن من مختلف المناصب والمسؤوليات التي تقلدها”، على حد تعبيره.

القضاء السويسري يلاحقه

نهاية شهر غشت الماضي، وجه القضاء السويسري، إلى وزير الدفاع الجزائري الأسبق، لائحة اتّهام، تشمل خصوصاً تهماً “بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية بشبهة موافقته على عمليات تعذيب خلال الحرب الأهلية في التسعينيات”.

وقالت النيابة العامة الفدرالية، بيان لها، إنّ “نزار باعتباره شخصاً مؤثّراً في الجزائر بصفته وزيراً للدفاع وعضواً بالمجلس الأعلى للدولة، وضع أشخاصاً محل ثقة لديه في مناصب رئيسية، وأنشأ عن علم وتعمّد هياكل تهدف إلى القضاء على المعارضة الإسلامية”. وأضافت “تبع ذلك جرائم حرب واضطهاد معمّم ومنهجي لمدنيين اتُّهموا بالتعاطف مع المعارضين”.

وكان قد تم توقيف خالد نزار خلال زيارة له إلى جنيف في أكتوبر 2011، لاستجوابه من جانب النيابة العامة، بناء على شكوى قدّمتها ضدّه منظمة “ترايل إنترناشيونال” غير الحكومية، التي تحارب الإفلات من العقاب على جرائم الحرب، وأُطلق سراحه بعد ذلك وغادر سويسرا.

وخلال سنة 2017، طوت النيابة العامة السويسرية الملف على أساس أنّ الحرب الأهلية الجزائرية لا تشكّل “نزاعاً مسلّحاً داخلياً”، وأنّ سويسرا “لا تملك صلاحية إجراء محاكمات لمتّهمين بارتكاب جرائم حرب محتملة في هذا السياق”. إلا أن المحكمة الجنائية الفدرالية اعتبرت في الطور الاستئنافي سنة 2018، أنّ “الاشتباكات في الجزائر كانت كثيفة إلى درجة أنّها مشابهة لمفهوم النزاع المسلح على النحو المحدّد في اتفاقيات جنيف والسوابق القضائية الدولية”، في قرار ألزم النيابة العامة بإعادة النظر في القضية.

وقد أورد البيان، أنّه “بعد الاستماع إلى 24 شخصاً، قدّمت النيابة العامة لائحة الاتّهام في 28 غشت 2023، حيث أحيلت قضية نزّار إلى المحكمة الجنائية الفدرالية على خلفية انتهاكات للقانون الإنساني الدولي بالمعنى المقصود في اتفاقيات جنيف بين سنتي 1992 و1994 في سياق الحرب الأهلية في الجزائر، وعلى خلفية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *