“البيجيدي”: مجلس بوعياش لم يعتمد التوجيهات الملكية لتعديل مدونة الأسرة

وجه حزب العدالة والتنمية انتقادات وصفت بـ”اللاذعة” للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص المذكرة التي تقدم بها إلى الهيئة المكلفة بإعداد تعديل مدونة الأسرة، معتبرا توصيات المجلس الذي ترأسه، أمينة بوعياش، لا تلتزم إطلاقا بالإطار والمرجعية والثوابت الوطنية والدستورية والملكية والمجتمعية لورش إصلاح مدونة الأسرة.

وقال حزب العدالة والتنمية في مذكرته حول المقترحات والتوصيات التي تضمنتها مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تتوفر “بلادنا24” على نسخة منها، إن المجلس “تجاهل كونه مؤسسة تعددية ومستقلة يفترض فيها أن تسهر على حماية حقوق الإنسان ومن ضمنها حقوق أعضائها، حيث تم تمرير التوصيات والمقترحات والمصادقة عليها بشكل لا يراعي التعددية ولا يتقيد بقواعد الديمقراطية والشفافية الذي يفترض أن تؤطر عمل مؤسسة دستورية وطنية”.

وأشار أن مذكرة المجلس اكتفت بالإشارة إلى “النقـاش التفاعلـي للجمعيـة العامـة المنعقدة بتاريـخ 16 يونيـو 2023″، و”مصادقـة الجمعيـة العموميــة للمجلــس علــى مشــروع المذكــرة بعــد مناقشــتها والتــداول بشــأنها وإغنائهــا خــلال دورتهــا المنعقدة يــوم 20 دجنبــر 2023″؛ وهو نفس اليوم الذي قدم فيه المجلس المذكرة إلى الهيئة، وهو ما يطرح سؤال مدى احترام المجلس لحق أعضاء الجمعية العمومية في الاطلاع المسبق والوافي عليها، وحقهم في مناقشتها مناقشة حقيقية، وفي تعديلها قبل المصادقة عليها، حيث عرضت المذكرة على الجمعية العمومية في نفس اليوم الذي قدمت فيه إلى الهيئة.

وأكد أن مرجعية المجلس يجب أن تكون مرجعية وطنية، وأن ينفتح على المرجعية الكونية في احترام تام للثوابت والمرجعية الوطنية، إلا أن المذكرة في بابها المتعلق بالإطار المرجعي، والذي تضمن 20 مرجعية قانونية وطنية ودولية، لم تنص إلا على مرجعيتن وطنيتن اثنتين وردا كما يلي: “الدستور المغربي لسنة 2011″؛ و”مقاصد الشريعة الإسلامية المستندة إلى مبادئ المساواة والعدل والإنصاف”.

ولفت إلى أن المذكرة لم تعتمد الخطابات والتوجيهات الملكية بصفة جلالة الملك أميرا للمؤمنين، ضمن الإطار المرجعي للمذكرة، ولم تأت على الإشارة لهذه الخطابات والتوجيهات إلا مرة واحدة في “الفقرة 8 من الباب المتعلق بالاعتبارات”، والتي وردت كما يلي: “الرســالة الملكية الســامية إلــى الســيد رئيــس الحكومــة المتعلقــة بمراجعــة مدونــة الأســرة بتاريــخ 26 ســبتمبر 2023”.

كما أكد حزب العدالة والتنمية أن مقترحات وتوصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان محكومة بما وصفه بـ”هاجس واحد وهدف واحد وتتبع خيطا ناظما واحد وهو المساواة الميكانيكية الكاملة بين الرجل والمرأة، وفق ما يسميه المجلس الملائمة مع المرجعية الكونية.

أحكام متحللة

وقال حزب العدالة والتنمية، إن المجلس جعل أحكام مدونة الأسرة متحللة من أي قيد أو ضابط ينتسب للمرجعية الإسلامية، من خلال التجاهل التام من طرف المجلس لطبيعة مدونة الأسرة باعتبارها نصا قانونيا قائما بمقتضى مرجعية الدولة وأحكام الدستور على الشريعة الإسلامية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على المبادئ الموجهة للمذكرة وعلى تشخيصها للاختلالات التي كشف عنها تطبيقها، وبالتالي على المقترحات والتوصيات التي قدمها المجلس، والتي لا تحترم خصوصية المجتمع المغربي المسلم، ولا تلامس الإشكالات الحقيقية التي تعاني منها المرأة المغربية، وتسقط في فخ ترديد بعض الحلول المستوردة من سياقات ثقافية وحضارية لا علاقة لها بحقيقة المجتمع المغربي، وتتعارض مع النصوص الشرعية القطعية بشكل صريح، وتسعى إلى جعل الحرام حلالا والحلال حراما.

وأضاف، أن تعديل مدونة الأسرة في إطار المرجعية الإسلامية، ليس اختيارا اجتهاديا، وإنما هو الإطار المرجعي الإلزامي الذي تنطلق منه مدونة الأسرة في حد ذاتها، فمقتضيات المدونة تغطي أحكام الزواج والطلاق والولاية والنفقة والحضانة والإرث والوصية وغيرها كما هي مقررة في الشريعة الإسلامية، ولذلك فلا حاجة للتذكير بأن أي تعديل أو تغيير يتعلق بنصوص المدونة ينبغي أن يتم في إطار المرجعية الإسلامية، ولا يقبل نهائيا من مؤسسة دستورية أن تسمح لنفسها باقتراح بعض الأمور التي لا تراعي الأحكام القطعية للشريعة الإسلامية وتتعامل مع مقتضيات الدستور وفق هواها، ولا تلتزم بالتوجيهات الملكية.

تعارض مدونة الأسرة مع الدستور

وأكد أن المجلس الوطني لحقوق الانسان، جعل أحكام مدونة الأسرة في حالة تعارض صريح مع مقتضيات الدستور والتي عرفت في الفصل 32 منه الأسرة بشكل دقيق كما يلي: “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع.”؛ وحددت الغاية الدستورية من القانون المنظم لها حيث نص على أن: ” تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها”.

وأشار “البيجيدي” إلى أن أي تشريع يعني الأسرة “يجب أن ينضبط للتعريف الدستوري للأسرة وأن يسعى إلى تحقيق الغاية التي حددها الدستور للقانون المنظم لها، مشيرا إلى أن مذكرة المجلس تجاهلت الدستور في التعاطي مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والتي تبقى مقيدة بثوابت المملكة وبأحكام الدستور، حيث نص الفصل 19 منه على أنه “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.”، والتزام المغرب في ديباجة الدستور ب”جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة.”؛ هذه الهوية الوطنية التي “تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها”، وفقا لديباجة الدستور”.

مدونة الأسرة ونظام الإرث

وقال حزب “المصباح” إن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقترح “تخويـل صاحـب المال سـلطة اختيـار النظـام المطبـق على أموالـه، إمـا الوصيـة أو الميراث”؛ وجعل نظام الإرث الإسلامي اختياريا، إلى جانب نظام الوصية ورفع كل قيد أو ضابط شرعي عن الوصية ينضبط لحدود الله عز وجل، من قبيل كون الوصية تبقى في حدود الثلث، وأن لا وصية لوارث، لتكون بذلك قد اقترحت إلغاء منظومة شرعية جوهرية تهم التصرف في المال باعتباره مال الله، ينتقل لأصحابه وفق قواعد محددة على سبيل التفصيل بالنص القرآني، وبناء على فلسفة ربانية قوامها العدل والإنصاف، وجعل الإنسان يتحدى حدود الله وقواعده التي سنها لتسري على عباده المسلمين.

وأضاف، إن المذكرة وحتى وهي تقترح اختيار الشخص العمل بنظام الإرث الإسلامي، فإنها تضيف عليه التعديلات الجوهرية التالية والتي تفرغ نظام الإرث وفق النظام الإسلامي من محتواه، إذ يتعلق الأمر بـ”تدقيـق مفهـوم التركـة باسـتخراج نصيـب الزوجـة أو الـزوج البـاقي على قيـد الحيـاة مـن الأمـوال المكتسبة بعـد الـزواج، وذلـك قبـل توزيـع التركـة؛ اسـتثناء بيـت الزوجيـة والأمـوال المخصصة لفائـدة الأسرة مـن نطـاق التركـة، واعتبارهـا حقـا  للزوجـة أو الـزوج البـاقي على قيـد الحيـاة؛ توسـيع نطـاق الـرد لفائـدة البنـات في حالـة عـدم وجـود أخ لهـم، بـأن تسـتحق البنـت في حالـة انفرادهـا نصـف التركـة، وفي حالـة تعددهـا ثـلثي التركـة، وذلـك بالفـرض، وبـاقي التركـة بالـرد، بعـد أخـذ أصحـاب الفـروض نصيبهـم”.

هذا، بالإضافة إلى “توسـيع نطـاق الورثـة ليشـمل ذوي الأرحام إسـوة بعـدد مـن التشـريعات المقارنة، وذلـك في حالـة عـدم وجـود الورثـة بالفـرض والورثـة بالتعصيـب؛ تجريـم الحرمـان مـن الإرث، واعتبـار الحرمـان من الإرث في حـق امـرأة بسبـب جنسـها ظـرف تشـديد؛ حذف اختلاف الدين من موانع الميراث؛ إلغاء ما سمته المذكرة تمـييزا بين الأطفـال بحسـب الوضعيـة العائليـة للأبويـن؛ وإقرار التوارث بين الطفل وبين أبيـه البيولـوجي، في حالة البنـوة غير الشـرعية.

وأشار إلى أنه من أغرب الإشكاليات التي أثيرت من طرف المذكرة ومن أعجب التبريرات التي قدمتها لتغيير نظام الإرث كما هو مقرر الآن في مدونة الأسرة هي كون “المقتضيـات المتعلقة بكتـاب الميراث تعـتبر مخالفـة للقانون العـام بالنسـبة لعـدد مـن بلـدان الإقامـة لمغاربـة العالـم، حيـث يتـم استبعـاد تطبيـق مدونـة الأسـرة لكونهـا تـميز بين الجنـسين، وبين الأطفـال بحسـب الوضعيـة العائليـة للأبويـن، وبحسـب الأنصبـة، وبسبـب الديـن.”

وشدد على أن هذا الأمر يؤكد طبيعة الخلفية التي حكمت مذكرة ومرجعيتها وولائها وكيفية تعاملها ودفاعها عن السيادة القانونية للمغرب، حيث اقترحت تغيير نظام الإرث في مدونة الأسرة كي يصبح منسجما مع التشريعات الغربية ومع النظام العام في الدول الغربية، وتتجاهل أن مدونة الأسرة ونظام الإرث في الإسلام هو من النظام العام في المغرب والمطلوب من مؤسسة دستورية وطنية أن تحافظ عليه وتدافع عنه، لا أن تطلب تغييره وإخضاع أسس وثوابت النظام العام في المغرب لتكون منسجمة مع النظام العام في الدول الغربية، وكأن المغرب ليس بلدا مستقلا وذو سيادة كاملة.

نظام الوصية

وأشار إلى أنه بخصوص نظام الوصية، والذي اقترحه المجلس، ذكر أنه يكون نظاما اختياريا مخولا لصاحب المال إلى جانب نظام الإرث، فإنه يقترح بالإضافة إلى ذلك حذف كل القيود الشرعية المفروضة على نظام الوصية من خلال رفـع القيـود المفروضة على الوصيـة بأن تصح لفائـدة الورثـة، وبـأن تتجـاوز حـدود الثلـث، دون الحاجـة الى موافقـة الورثـة؛ تمديـد نطـاق الاستفادة مـن الوصيـة الواجبـة لتشـمل أولا البنـت مـن الذكـور والإناث مهمـا نزلـوا؛ التنصيـص على اسـتفادة المتكفل بهـم مـن مقتضيـات الوصيـة الواجبـة في حالـة عـدم اسـتفادتهم مـن الوصيـة الإرادية أو التنزيـل.

وأكد أن ما يسجل على مقترح المجلس هو جعل الوصية تحل محل الإرث، واعتبار ذلك يندرج ضمن مجال الاختيار الذي يملك كل إنسان خلال حياته أن يحدد النظام المطبق على أمواله بعد وفاته، وهو الإعلان الصريح في التحلل من الأحكام الشرعية والنصوص القرآنية القطعية الدلالة، وهو حرب على منظومة شرعية متكاملة، هذه الحرب التي تنطلق من فهم قاصر لِلْمِلْكِيَّة في المرجعية الإسلامية القائمة على حق التصرف لا على التملك الدائم، وأن المال هو مال الله عز وجل وهو الذي حدد قواعد توزيعه بناء على منظومة متكاملة تنبني على العدل والإنصاف. كما أن المذكرة تتجاوز  كل ذلك باقتراحها أن تتجاوز الوصية حدود الثلث وتكون كذلك للوارث، وجعلها تشمل الورثة كذلك، ضدا على النصوص الشرعية المؤطرة للوصية.

ويعد هذا المقترح الذي يتعارض مع المرجعية الإسلامية بشكل صريح ويدعو إلى عدم التقيد بالأحكام الشرعية القطعية الدلالة، ويخالف الدستور الذي حسم في المرجعية الحاكمة والمؤطرة، وكذا المحددات التي جاءت في الخطابات الملكية، ولا يحترم المجتمع المغربي ومنظومة قيمه، ـ يعدـ دليلا كافيا وواضحا على سعي المذكرة لاستبعاد جميع الأحكام الشرعية والنصوص القرآنية، وجعل مدونة الأسرة مؤطرة بالمنظومة الغربية التي تسعى إلى تفكيك الأسرة وتحطيمها وجعلها مجرد علاقات التزام بين أطراف كما سمتها المذكرة منذ بدايتها، وتحتكم في أحسن الأحوال لقواعد قانون الالتزام والعقود ويُملك فيها الإنسان حق الاختيار المطلق ويتحلل من أي التزام أو إلزام شرعي. حسب العدالة والتنمية.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *