بلفقير: إعلامنا الرياضي يعاني قصورا حادا.. ومشكلة “الرياضية” كانت في مرحلة التأسيس (حوار)

بعد ملحمة قطر، وبعد الإنجاز التاريخي للمنتخب الوطني، وبلوغه المربع الذهبي في المونديال، زف الملك محمد السادس بشرى احتضان المملكة المغربية لمونديال 2030، ما جعل البلاد تتصدر المشهد مجددا، وتصبح قبلة للإعلام الرياضي العالمي، ومحط اهتمام بالغ من لدن المتتبعين في مختلف المجالات.

غير أنه، وبالمقابل، كان لابد هذه المرة من مواجهة بعض الحقائق فيما يتعلق بإمكانية المغرب الإعلامية في تغطية حدث رياضي كوني بهذا الثقل، خصوصا وأننا لا نملك إلا قناة رياضية واحدة، يجدها البعض غير جديرة بتحمل مسؤولية ثقيلة بهذا الحجم، فيما نادى البعض الآخر بضرورة خلق قنوات رياضية جديدة، وبكفاءات شابة، مدعومة بأطر إعلامية قديرة، حتى تكون عند مستوى الحدث، وتكتمل الصورة من جميع جوانبها.

في هذا الحوار، يجيبنا الصحفي والإعلامي المغربي سعيد بلفقير، الذي يعمل صحفيا ومنتجا للبرامج بقنوات “الكأس” القطرية، عن كثير من الأسئلة الحارقة.

 

بداية، كيف تقرأ فوز المغرب إلى جانب إسبانيا والبرتغال بملف احتضان كأس العالم؟ ولماذا لم يتقدم المغرب بشكل منفرد لاحتضان المونديال؟

ما حققه المنتخب الوطني لكرة القدم في مونديال قطر يعد إنجازا تاريخيا، ليس على المستوى الرياضي فقط، بل على مستويات عدة. ففي تلك الفترة، أصبح المغرب “ترند” والكلمة المفتاح في محرك البحث “غوغل”، كما أن المغرب آنذاك تمكن من خلق مصالحة إنسانية بين مختلف دول العالمين العربي والإسلامي، وإن كانت مصالحة بين الشعوب، ولم ترق لتكون مصالحة سياسية.

أضيفي على ذلك، الصورة التي عكستها الجماهير المغربية خلال المونديال، حيث قدمت نفسها بشكل يليق بتاريخ وحضارة وتقدم المملكة. ما جعل البعيد قبل القريب ينظر للمغرب كمحطة تالية في برنامجه السياحي، وحتى الاستثماري.

كل هذه المكتسبات كان على المغرب استثمارها بشكل أو بآخر. وعندما عرضت فكرة الالتحاق بالجارتين الشماليتين، إسبانيا والبرتغال، لم يتردد، وفي ذلك ذكاء كبير، ورؤية عميقة، لأن المونديال يعد منصة كونية لتحقيق الكثير من الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية والتنموية. زرغم أنه جاء بشكل ثلاثي، فذلك لا ينقص لا من قيمته كبطولة عالمية، ولا من شأن منظميه كدول وأمم لها وزنها إقليميا ودوليا عبر التاريخ.

فالمغرب تقدم في أكثر من مناسبة بطلب احتضان المونديال، لكنه فشل لاعتبارات كثيرة، فجاء الوقت ليتعلم من دروس الماضي، وينضم للملف الوحيد المطروح للتصويت.

بالحديث عن فوز المغرب بملف مونديال 2030، هناك من يقول إننا غير مستعدين من الناحية الإعلامية لتغطية حدث كبير وعالمي مثل كأس العالم، ولا نتوفر على ماكينة إعلامية حقيقية تواكب هذا العرس، وكل ما لدينا قناة واحدة تظهر عاجزة حتى عن مواكبة البطولة الوطنية بصورة تليق بالمغرب الذي سينظم المونديال، ما مدى حقيقة هذا الاعتقاد لدى الكثيرين؟

الإعلام هو محور كل الأحداث الرياضية منها أو السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فما قيمة الحدث إذا لم يتم تسويقه إعلاميا وتغطية تفاصيله؟ بلا إعلام لا مجال للحديث عن النجاح التنظيمي، والإعلام الرياضي تطور بشكل مهول في السنوات القليلة الأخيرة، وواجه تحديات جمة، تناسلت من رحم الإعلام البديل “المنصات الرقمية”.

لكن للأسف الشديد، يمكن القول إن إعلامنا الرياضي يعاني قصورا حادا وتراجعا مخزيا، وأنا هنا أتحدث عن الإعلام الرياضي كمنظومة، أما كإعلاميين فلدينا ثلة من الكفاءات، وكثير من القامات الإعلامية، والمواهب، والطاقات، بعضها انتقل لمنابر عربية وعالمية، وبعضها الآخر مازال يمارس المهنة في وسط يطبعه غياب الرؤية، وفساد في بعض مفاصل المنظومة الإعلامية ككل، والرياضية على وجه الخصوص.

الماكينة الإعلامية قطعها الأساسية موجودة وجاهزة وبجودة عالية، لكن توظيفها يطرح علامات استفهام كثيرة.

ما الذي يجعل المشهد الإعلامي الرياضي ببلادنا يعمل بهذا الشكل؟ وهل الأمر يتعلق بهجرة الكفاءات أم بقلتها على الساحة أم بضعف تكوينها؟

المواهب في مجال الإعلام لم ينقطع سيلها، ولكن عندما يكون المجال غير محصن ضد الدخلاء، فإن الموازين تختل، فتنسحب المواهب الحقيقية من المشهد، إما بهجرتها إلى بلدان أخرى، أو بهجرة نهائية للمجال.

برأيك، هل هناك من يقف حاجزا أمام إعطاء الفرصة لكثير من الشباب، وإيقاف نزيف هجرة الكفاءات الإعلامية الوطنية اتجاه بلدان أخرى؟

المنطق هنا هو أن أرض الله واسعة وسماءه أرحب، والإعلام كما الرياضة سوق تضم كل شيء، وحتى الصحافيون يتوصلون بعروض عمل مثل اللاعبين تماما. أما إعطاء الفرص للصحافيين الشباب، فهذا معطى بمثابة سنة التداول بين الأجيال، ومن يرى خلاف ذلك فهو إنسان يعاني عقدة النقص.

ومع ذلك، فالمجال مفتوح أمام الشباب، شريطة الحرص على المثابرة وعدم الاستسلام، فالفرص قد تمر بك متنكرة بزي معاناة.

شخصيا، أذكر بداياتي بالقسم الرياضي بالقناة الثانية، وممتن لكل ما قُدم لي من فرص ومساحات من طرف زملاء ذلك الزمن الجميل، حسن بوطبسيل، حسن فاتح، مصطفى طلال، مراد المتوكل، وادريس أوهاب رحمة الله عليه، وماجد الشجعي.

مؤخرا، طفى على السطح حديث أثار الكثير من الجدل، وهو استنساخ تجربة قناة الرياضية، وإطلاق بث قنوات أخرى على منوالها بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، كيف تقرؤون هذه الفكرة؟

نحن مع فكرة تحرير القطاع وخلق قنوات تلفزيونية حقيقية، لا نسخا باهتة من تجارب لم نحصد منها إلا هجرة نحو القنوات الأجنبية.

قناة الرياضية المغربية مشكلتها الأساسية كانت في مرحلة التأسيس، بمعنى أن المشكل كان في الرؤية، وليس في الإعلاميين الذين أسسوا للتجربة مهنيا. والدليل أن كثيرا من الزملاء انتقلوا من القناة إلى منابر أخرى وطنية وأجنبية ونجحوا بامتياز.

كأس العالم على بعد سبعة أعوام فقط، وإعلامنا الرياضي يحتاج وقفة تأمل، وفتح نقاش حقيقي، بعيدا عن المزايدات، لما فيه مصلحة البلاد، ومصلحة الإعلام المغربي، ومصلحتنا كإعلاميين.

أميمة حدري – صحفية متدربة

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *