لقمة العيش، منصات التواصل، قطع الأرحام.. هكذا تغير طعم عيد الفطر بين الأجيال

أصبحت العادات والتقاليد المغربية عند بعض الأسر، بمثابة حكايات قديمة، وأساطير شعبية، عرفت في فترة زمنية معينة. حيث ساهمت التكنولوجيا الحديثة، واللهاث وراء تأمين لقمة العيش، بسبب غلاء المعيشة، في إندثار صلة قطع الأرحام عند بعض الأسر، وأفقدت الأعياد الدينية حمولتها الروحية التي اعتادت عليها الأجيال السابقة.

ومع مرور الزمان، تغيرت الأجواء في طريقة استقبال الأعياد الدينية، لعل أبرزها عيد الفطر، الذي يسميه المغاربة “العيد الصغير”. إذ افتقد الكثيرون، العيد، بكل مسراته وإشراقاته. فقد كان عند أطفال الأمس، فرصة ذهبية لا تتكرر مرتين، ومن فرط تشبعهم بالفرح، كانوا يجسدون العيد، ويتخيلونه شخصا يتجول مع الآخرين، ويعتقد أنه زائر يحل لأيام ثم يرحل، يأتي بالبهجة التي تجعلهم سعداء، ثم يتركهم يعيشون ذكرياته بانتظار عيد آخر.

مواقع التواصل: رسائل سريعة بمشاعر ميتة

مع ظهور التكنولوجيا الحديثة، أصبحت التهنئة عبر تطبيق الرسائل النصية القصيرة، أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، أفضل وسيلة لدى غالبية الناس، خاصة الشباب منهم، برسائل ميتة خالية من المشاعر.

ولتفسير هذه الظاهرة، يقول محسن بنزاكور، المحلل الإجتماعي، إن “إقبال الأسر على إحياء صلة الرحم من خلال زيارة الأحباب، يساهم في الخروج من سياق الجفاف الروحي الذي تشكله وسائل التواصل الاجتماعي، التي يتم عن طريقها تبادل كلمات التهنئة، لا تعبر عن صدق المشاعر”. موضحا أن وسائل التواصل، “ربت عنصر آخر في العلاقات الإنسانية، ليس فقط بقطع صلة الرحم، وإنما زرعت في نفوس مرتديها ما يسمى بالكسل، وعدم القدرة على بدل مجهود في قطع المسافات لزيارة الأحباب”.

وبناء على هذا، أشار بنزاكور، في تصريح لـ”بلادنا24“، أن هذه العوامل “ترسخ فكرة التخلي عن الواجب، بداعي البحث عن كل ما هو سهل”. مشيراً إلى أنه “على الرغم من التقدم التكنولوحي في هذا الجانب، إلا أنه يخلق إشكالات اجتماعية خطيرة جدا، لعل أبرزها انعدام الحب في قلوب الأطفال فيما يتعلق بزيارة الأقارب، وهو ما يطرح السؤال، حول إمكانية الحفاظ على هذا التقليد عند الأجيال القادمة”.

لقمة العيش: فقدان الحاضر وخوف المستقبل

وإلى جانب هذا، أدت صعوبة الحصول على لقمة العيش، في فقدان نكهة عيد الفطر، فأصبح الناس يفكرون في كيفية تأمين غذاء المستقبل عوض عيش حاضرهم الذي يذهب ولا يعود، حتى أصبحت مسألة إحياء صلة الأرحام، بمثابة مضيعة للوقت والمال.

وفي هذا الصدد، يقول محمد، وهو رب أسرة مكونة من 6 أفراد، إن “الركض وراء لقمة العيش، والصراعات اليومية التي أخوضها من أجل الحصول على (طرف دالخبز)، لم تترك للعيد طعم، بل جعلته حمل ثقيل على كاهلي، وما عاد في قلوبنا متسع لتصدير المشاعر واستقبالها بعد القيام بهذه الزيارات”.

ويضف محمد مردفا: “الغلاء المعيشي الذي بثنا نعيشه في السنوات الأخيرة، أرهق جيوبها، ومنعنا من إدخال البهجة والسرور في قلوب أطفالنا، إذ لم أستطع، ولمدة طويلة، من شراء ملابس جديدة لأطفالي الصغار بسبب الغلاء، وعدت أحرج بأسئلتهم البريئة التي تتردد على مسامعي مع اقتراب كل مناسبة”.

هذه المشاغل الحياتية، التي تفقد طعم عيد الفطر، يراها الباحث في علم الإجتماع، أنها “حجج دخيلة”، مشيراً إلى أن “صعوبة الحصول على لقمة العيش، والغلاء، أشياء كانت منذ القدم، ومازالت، وستظل”. مؤكدا في ذات الوقت، على أن “هذه الأعذار، لا أن تخفي الحقيقة المرة التي بات يعيشها المجتمع المغربي، فيما يتعلق بمسألة تراجع صلة الرحم”.

صلة الأرحام: تقليد ديني يكافح الاندثار

وعلى الرغم من اختفاء بعض العادات، والتي أصبحت منسية مع مرور الزمان، إلا أن هناك عادات أخرى ما زالت تواجه البقاء بين سندان الخفوت ومطرقة الاندثار، إذ تعمل الأعياد على تقويتها وتجديدها، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها، حاليا ومستقبلا.

وحول هذا الموضوع، شدد محسن بنزاكور، على “أهمية إحياء صلة الرحم في مثل هذه المناسبات الدينية، لما لها من دلالات تعبدية إيمانية وإجتماعية”. موضحا أن “انتقال الإنسان عند أسرته أو استقبال أسرة، فهو بذلك يوطد التنشئة الإجتماعية، ويقتل الصراع بين الأجيال الذي عرفه الغرب، وبالتالي، التعرف على الأعمام والأخوال، وأبنائهم وبناتهم، يقوي صلة الأرحام بشكل مثين”.

وأشار المتحدث ذاته، إلى أنه في الوقت الحالي “ما نفعله هو فقط تأدية واجب، لا أقل ولا أكثر”، مستطردا: “أجواء عيد الفطر في السابق كان لها طعم خاص، يستحيل على الأجيال القادمة استراجاعها، بدءا بطقوس التزيين، وتحضير الموائد، واستقبال الضيوف، إلى قطع الأميال للحصول على حضن من فرقتنا عنهم المسافات”.

وبخصوص الحلول المقترحة، دعا بنزاكور، إلى ضرورة الحفاظ على إحياء صلة الأرحام، “لإبقاء العلاقة مستمرة، كونها تنقص من الظغينة والغضب الذي يكون بين العائلات، وتكسر حاجز الصمت، وتزرع التسامح في نفوس الأقارب”. مؤكداً على أن هذه الأمور، “تدخل ضمن القيم الاجتماعية التي يجب الحفاظ عليها، والتي لا يمكن إنكارها عبر الزمن، أو تعويضها بمراسلات مستنسخة على مواقع التواصل الإجتماعي”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *