2023.. عام مضى في ظل تحديات الجفاف وغلاء الأسعار والأمن الغذائي

هزت تنبيهات منظمة “كيرا” الدولية الوضع البيئي بالمغرب في بداية سنة 2023، بعد أن حذرت في تقرير لها من تصاعد فترات الجفاف في البلاد، وما يصاحبها من تداولات سلبية تؤثر بشكل متسارع على الاقتصاد، وتهدد بالتأثير الكبير على الزراعة والأمن الغذائي، وجاء هذا التحذير في ظل تغيرات المناخ العالمي التي تزداد تعقيداً، مما يجعل التحديات المائية في المغرب أكثر حدة.

الجفاف وتداعياته السلبية

تسارعت آثار الجفاف في المغرب، حيث يرتبط انحسار الأمطار بزيادة الطلب عليه، مما يضع البلاد في موقف حرج يقترب من حافة ندرة المياه، كما أن تصاعد هذا الضغط يؤدي إلى استنزاف الموارد المائية الجوفية بشكل مفرط، ويصعِّب الوضع أكثر بوضع المغرب ضمن الدول الـ25 الأعلى في معدلات الإجهاد المائي عالميًا.

ظهرت تداعيات الجفاف الأولى خلال بداية السنة بشكل واضح على شجرة المغرب النادرة شجرة الأركان، حيث تراجعت مساحاتها بسبب التغير المناخي وتفاقم حالات الجفاف، مما أثار مخاوف حقيقية بشأن استمرارية هذه الشجرة الفريدة وتأثيرها على التنوع البيئي.

تأثر قطاع الحوامض خلال الشهور الأولى لسنة 2023 أيضا بشكل ملحوظ بسبب التقلبات المناخية وقلة التساقطات المطرية، وأثار انخفاض الإنتاج إلى مستويات قياسية تحديات اقتصادية كبيرة للمنتجين، حيث سجل إنتاج الكليمونتين انخفاضا في الإنتاج ناهز 70 في المائة على الصعيد الوطني.

 

السلطات الأمريكية ترفع الحظر عن صادرات "الكليمونتين البركاني"

 

تفاقمت تداعيات الجفاف لتلامس قطاع الفلاحة، حيث تسبب ضعف الموسم الفلاحي في خسارة نحو 297 ألف وظيفة، هذا الانخفاض في فرص العمل أرجع العديد من الخبراء الاقتصاديين جزءًا كبيرًا منه إلى قلة الأمطار وتراجع إنتاج القطاع الزراعي، الذي يشكل حوالي 40 بالمئة من إجمالي اليد العاملة في المغرب.

وأثارت زراعة الأفوكادو في البلاد التي تحتل المرتبة التاسعة عالميًا في تصدير هذه الفاكهة، قلقًا واسعًا عند المغاربة، حيث ينذر استنزاف كميات هائلة من المياه بخطورة على الموارد المائية، وهو الأمر الذي أدى إلى دعوات إلى ضرورة تبني سياسات زراعية مستدامة للحفاظ على التوازن بين الاحتياجات المحلية والتصدير.

مجهودات في مواجهة الجفاف

بدأ الدكتور كمال أبركاني، حامل راية التغير المناخي رحلته العلمية في كندا، قبل أن يحاول إيجاد حلول مبتكرة لتحديات التغير المناخي وشح المياه، حيث يسعى إلى تحقيق ثورة في مجال الزراعة المغربية، وذلك من خلال تطوير مشاريع تعتمد على تكنولوجيا الفرز الجيني، بدلاً من التعديل الجيني.

 

AberkaniSans titre 2

 

ويقود أبركاني مبادراته ومشاريعه بالتعاون مع شركاء من إفريقيا ودول المتوسط، باستخدام هذه التكنولوجيا لتحسين مقاومة النباتات للجفاف والأمراض.

بالإضافة إلى الجهود الفردية، قامت الحكومة المغربية بتعزيز سلاسل الإنتاج من خلال دعم أسعار البذور والأسمدة لتقليل التكاليف، وتشجيع زراعة النباتات التي تتكيف بفعالية مع التغيرات المناخية، وهو الأمر الذي يعد جزءًا من استراتيجية الحكومة لمكافحة تأثيرات الجفاف.

تحاول الحكومة المغربية التغلب على نقص إنتاج الحبوب من خلال إنتاج بذور مطورة، تساهم في زيادة الإنتاج بنسبة 30 بالمئة مقارنة بالبذور التقليدية، ويأتي هذا الإجراء في إطار السعي لتعزيز استدامة الزراعة وتحسين إمكانيات التكيف مع ظروف الجفاف.

كما تصدرت خطة الحكومة المغربية لمكافحة آثار الجفاف الأولويات خلال هذه السنة، حيث تم تخصيص اعتمادات إضافية للبرنامج الوطني لرفع ميزانيته إلى 143 مليار درهم، تضمنت هذه الخطة بناء سدود جديدة، وتسريع مشاريع تعبئة المياه بشكل غير تقليدي، مع التشجيع على تحلية مياه البحر لزيادة مصادر المياه.

سد “خنك كرو”

أعلنت وزارة التجهيز والماء عن انطلاق أعمال بناء سد خنك كرو في جماعة بني تجيت، بإقليم فكيك الذي شهد تناثر قطرات السماء بشح واضح، ليكون بمثابة مصدر للأمل في المنطقة، والمحطة الرئيسية لتلبية احتياجات المياه.

ويضم السد، الذي بدأت أعمال بنائه تقريباً منذ أزيد من سنة، مليارًا و69 مليون متر مكعب، واتخذ من مليار و150 مليون درهم غلافاً مالياً له.

 

تقدم أشغال إنجاز خامس أكبر سد في المغرب لتصل إلى نسبة 28%

 

تمتد مساحة حوض السد المائي على مسافة تبلغ 5545 كيلومتر مربع، في حين يمتلك السد نفسه مساحة حقينة تقدر بـ84.02 كيلومتر مربع، ويتوقع أن يصل حجم وارداته المائية السنوية إلى 107 مليون متر مكعب.

هذه المبادرة المائية، التي تعتبر الخامسة على مستوى المملكة من حيث حجم الحقينة، والثانية من حيث المساحة، تهدف إلى تجديد الحياة الريفية في إقليم فجيج والمناطق المجاورة، وتأمين المياه النقية للشرب، وحماية الأراضي الزراعية.

السدود.. إشارات تنبيه لأزمة مائية متفاقمة

يعيش المغرب حالة من التحذير الجدي فيما يتعلق بموارده المائية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة ملء سدود البلاد قد تراجعت إلى 23.4 بالمئة، مقارنة بـ 31.1 بالمئة في نفس الفترة من العام الماضي، هذا النقص الحاد يكشف عن تحول خطير في الموارد المائية وينذر بأزمة مائية تتسارع.

انخفض إجمالي الاحتياطي المائي من 5041.3 مليون متر مكعب إلى 3777.9 مليون متر مكعب خلال نفس الفترة من السنة الماضية، كما تظهر الأحواض المائية نسب ملء مثيرة للقلق، فنسبة ملء حوض أم الربيع، وحوض سوس ماسة، وحوض أبي رقراق، وحوض درعة واد نون، وحوض ملوية تشير جميعها إلى تدهور حالة المياه.

وتظهر أرقام ثلاثة أحواض قربها من الجفاف، حيث يُقدر ملء حوض تانسيفت بنسبة 46.7 بالمئة، وحوض اللوكوس بنسبة 39.13 بالمئة، وسبو بنسبة 36.66 بالمئة. مما يشير إلى الضغط المتزايد على الموارد المائية في هذه الأحواض.

أسعار مرتفعة وتحد للمواطن المغربي

في مغربٍ زراعي يُعتبر متنفسًا لاقتصاده، عادت التحديات المناخية لتلقي بظلالها على الأراضي الخصبة، قلة الأمطار خلال الموسم الماضي والحالي أضرت بالمحاصيل وأثرت على توفر المياه اللازمة للزراعة، مما أدى إلى تراجع إنتاج الخضر والفواكه، ومعه ارتفاع حاد في أسعار هذه المواد الأساسية.

ترتبط أسعار المحروقات والأسمدة بشكل حيوي بإنتاج المواد الغذائية، فارتفاع تكاليف هذه العوامل يعني زيادة التكاليف في سلسلة التوريد الزراعي، حيث يعتبر الارتفاع الحالي في أسعار المحروقات والأسمدة تحديًا إضافيًا يعمق مشكلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

 

استمرار ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية وهذه المدن الأكثر تأثرا

 

ترجع الحكومة ارتفاع الأسعار إلى قلة التساقطات المطرية وأيضا إلى تداعيات جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، وتعتبر هذه الأزمات العالمية عوامل إضافية تسهم في تعقيد المشهد الاقتصادي المغربي، وتساهم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

من خضر إلى فواكه، ومن لحوم إلى أسماك، شهد المواطن المغربي ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية الأساسية، فمثلا الكيلوغرام الواحد من اللحوم الحمراء وصل إلى 115 درهمًا، ما يشكل تحديًا كبيرًا لقدرة الأسر على تحمل تكاليف المعيشة.

فيما بلغ سعر البصل 9 دراهم للكيلوغرام، والطماطم 10 دراهم، والخيار 7.50 درهم، والشيفلور 8 دراهم، والجزر 7.50 درهم، والموز 10 دراهم، والتفاح 12.50 درهم، كل هذه الأسعار تشكل عبئًا إضافيًا على المواطن المغربي الذي يجد نفسه يواجه تحديات متزايدة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.

وفي ختام ست سنوات متتالية من التحديات المائية، يواجه المغرب اليوم خطر سنة جافة سادسة، وهو ما يشكل تحديًا هائلًا يتطلب استجابة فورية، وأعلن وزير التجهيز والماء، نزار بركة، في مؤتمر صحفي أن “البلاد دخلت مرحلة حرجة”، وأكد أن هذه التحديات تتسارع بشكل لم يسبق له مثيل، حيث أن الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة وارتفاع معدل تبخر المياه في السدود يزيد من الإجهاد المائي، يعجل من ضرورة اتخاذ إجراءات فعّالة أكثر.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *