الولاية الشرعية على الأبناء.. إشكالية تتجدد مع اقتراب الدخول المدرسي

فور ما ينتهي فصل الصيف، تكتض المحاكم بالدعاوي القضائية الاستعجالية، ويطفو مجددا، الحديث حول معركة “الولاية الشرعية على الأبناء”، خاصة مع الدخول المدرسي. فلا زالت مطالب تعديل قانون الأسرة، مع كل سنة، ومع كل مناسبة، تلد إشكالا جديدا، كمعركة الطليقين بخصوص وصاية الأبناء، التي يمنحها القانون للأب، ما يضع الأم في حيرة من أمرها، وعدم قدرتها على تغيير مدرسة أبنائها إلى مؤسسة تعليمية أخرى، أو تسجيلهم في المدرسة، بالرغم من كونهم يعيشون تحت وصايتها، كمثال في هذه الحالة،

“لو كانت مدونة الأسرة عادلة بين الزوجين، لما واجهت النساء مواقف عدة مع إدارات المؤسسات التعليمية”، تروي، رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، الحقوقية، بشرى عبدو، مؤكدة أن “مشكل انتقال طفل من مدرسة إلى أخرى، ومشكل التطبيب، والسفر خارج أرض الوطن، كلها مشاكل تعاني منها المرأة إلى حدود الساعة، سواء المتزوجة التي لها مشاكل مع الزوج، أو المطلقة التي دائما في خصام مع الطليق، إذ نجد اليوم الولاية الشرعية، حسب قانون الأسرة، مقتصرة على الأب فقط، باعتباره المسؤول الوصي على أطفاله، وهنا يكمن الخلل”.

ملاءمة القوانين الوضعية مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية

واستنكرت الحقوقية، في حديثها لـ”بلادنا24“، هذا الوضع، مشيرة إلى أنه “حينما نقدم للأب هذا الحق المطلق على أطفاله، يصبح من الممكن أن يتستغل هذه السلطة، ما يضر بحياة الطفل. لهذا، اليوم، يجب على الوزارات المعنية أن تسهل المساطر على الزوجة للتخفيف من هذا العناء”.

وتابعت بشرى عبدو، قائلة: “نطلب دائما من المرأة المطلقة أو المتزوجة أن تقدم حكما قضائيا استعجاليا لكي تتمكن من تسجيل ابنها في المدرسة، ولكن غالبا ما تكون هذه الأم ليست على دراية بهذه الأمور، بسبب غياب التوعية القانوينة، كذلك وسائل الإعلام، والجهات المعنية، لا يقومون بالإشعاع على هذه المسطرة القانونية”.

ودعت عبدو، من الوزارات المعنية، وفي مقدمتها وزارة التعليم، أن “تسهل هذه المأمورية، من أجل إعطاء هذا الحق للمراة، إذ لايعقل أن نساهم في الرفع من نسب الهدر المدرسي، انطلاقا من هذه الولاية المطلقة التي يمتلكها الزوج، ورفضه المطلق لتسجيل أطفاله في المدارس، حيث نجد اليوم الدولة تدعي توقيف الهدر المدرسي، وعندما لا تساهم في الحد منه، هذا يسمى تناقدا”، على حد تعبيرها.

وشددت الحقوقية، على أهمية “أن تصبح الولاية الشرعية للأبوين، سواء للزوجين أو للطليقين، ولكن بشروط، في الوقت الذي يكون الزوج مهملا، غير منفق، لا يقوم بزيارة المحضون، هنا يجب أن تكون ولاية مقيدة للرجل، لأنه في آخر المطاف، ليس هو من يتحمل مسؤوليته. فإذا كان المغرب متفق حول الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الطفل، ويدعمها، إذن حان الوقت لملاءمة القوانين الوضعية مع هذه الاتفاقيات والمواثيق الدولية”.

المنظور القانوني لـ”معركة الولاية”

ومن جهة أخرى، يرى المحامي، والباحث في سوسيولوجيا القانون، عبد العالي الصافي، أن “المصلحة الفضلى للطفل، لا يجب الاقتصار عن مدى تحققها من عدمه في مدونة الأسرة فقط، رغم أهميتها القصوى، بل يجب البحث عن مدى تحققها في السياسات العمومية للدولة، سواء فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي والاجتماعي والسوسيوثقافي، وما إلى ذلك. وعلى المستوى القانوني، يتعين أن نقيس المقتضيات ذات الصلة في القوانين المصاحبة لمدونة الشغل، ونخص بالذكر، قانون الجنسية، وقانون الحالة المدنية، وكذا القانون الجنائي، ومدونة الشغل، وقانون الاتجار بالبشر، وما إلى ذلك”.

وأضاف الصافي، في تصريح لـ”بلادنا24“، أن “عمق إشكالية الوصاية، يحيلنا للحديث عن أهلية الزواج، التي تكتمل بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة، إلى هنا لا مشكلة، والأمر يبدو جيدا، إلى حين قراءة المادة الموالية، أي المادة 20 التي نصت على أن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي، مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن”.

وأضاف المتحدث، أن “هناك تناقضا بين المادة التي حرمت الأم غير الراشدة في النيابة عن أبنائها، وتحتوي على قدر كبير من التمييز بين الأم الراشدة، والأم غير الراشدة، الشيء الذي يشير إلى أن المشرع في الوقت الذي أجاز لها فيه بالزواج والأمومة، اعتبرها غير أهل لكي تكون ولي على أبنائها، أي أنها تصلح فقط للزواج والولادة، دون ممارسة حقها في الولاية، حيادا عن ما تثيره هذه المادة من نقاش في عموميتها”.

إشكالية تصل البرلمان

وبخصوص هذا الموضوع، وجه سعيد بعزيز، عضو الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، سؤالا كتابيا لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، حول “الإجراءات التي ستتخذها الوزارة من أجل التعجيل بتطبيق أحقية المرأة في تنقيل الأولاد من مؤسسة تعليمية إلى أخرى”.

وأوضح النائب البرلماني، أن “حضانة الأطفال مسؤولية مشتركة بين الوالدين، بما في ذلك تتبع مسارهم الدراسي، وحيث كما يتوجه الأب إلى المؤسسة التعليمية لتسجيل أو تنقيل الأبناء، يمكن للأم أن تقوم بذلك. وحيث أنه، حتى في حالة وقوع نزاع أسري، يبقى المشرف عن حضانة الأبناء من الناحية الواقعية والقانونية، هو من يوجدون برفقته، سواء كان الأب أم الأم”.

وأضاف بعزيز، أنه “من المؤسف أن تتوجه المرأة الحاضنة لأبناء، إلى إدارة المؤسسة التعليمية، وتواجه برفض الموافقة على تنقيل أبنائها، بدعوى إصدار تعليمات من النيابة العامة، والحال أنها أم، تعمل على حماية وصيانة فلذات أكبادها، مثلها مثل الأب، إذ يتعين إعمال مبدأ المساواة بين الأب والأم، مع استحضار أن كل شخص سيء النية سيتابع على ذمة ذلك”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *