مدينة الداخلة.. وجهة جديدة للاستثمار العالمي

مكنت الجهود الإستباقية التي نهجها المغرب في ظل النموذج التنموي الجديد الخاص بتنمية الأقاليم الجنوبية من كسب رهان تحقيق التنمية المستدامة لكافة جهات المملكة، والرامي إلى تنزيل مبادرات تشاركية وإدماج دينامية متطورة، قوامها دبلوماسية ملكية جديدة قائمة على الإستباقية وعلى التعاون والتضامن الإقتصادي مع دول القارة السمراء، إذ أن مشروع ميناء الداخلة الأطلسي يكتسي أهمية كبرى في إطار العلاقات المغربية الإفريقية الداعية إلى التكامل في جميع الميادين.

وأضحت الأقاليم الجنوبية مركزاً تجارياً مهماً، ووجهة حيوية للاستثمار، وقطباً اقتصادياً ليس فقط على الصعيد الوطني والقاري، بل أيضا على الصعيد الدولي من خلال التسابق الأجنبي للاستثمار في هذه المناطق،خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

في هذا الصدد صرح أستاذ القانون الدولي العام والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بآيت ملول جامعة ابن زهر بأكادير حكيم التوزاني لـ”بلادنا24، قائلا:” أن من بين الآثار المترتبة عن المرسوم الأمريكي حول الإقرار بمغربية الصحراء، أنه مكن من أجرأة واقعية لمنطوق المرسوم من خلال إنشاء قنصلية عامة بمدينة الداخلة المغربية، استناداً على المادتين 4 و5 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1963، في سياق فتح 19 دولة لقنصلياتها العامة بالمنطقة، وهنا وجب التذكير بالاستغلال الاستراتيجي الذكي للمغرب لبعض مشاريعه الاقتصادية، مثل ميناء طنجة المتوسطي، وميناء الناظور غرب المتوسط وميناء الداخلة الأطلسي، مما دفع بالإدارة الأمريكية إلى أن ترفع من مستوى اهتمامها الاستراتيجي بالمغرب وجغرافية السياسية.

وأضاف المتحدث نفسه قائلاً: ” باستحضارنا لمجموعة من المعطيات الأساسية يمكن القول أن المرسوم يهدف لإعادة رسم الخريطة الإقتصادية في المنطقة ككل، مما سيدفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الإنخراط في تنمية المنطقة وجلب الإستثمارات إليها، بما سيعم من خير على أبناء المنطقة، من خلال تشجيع الإستثمارات الأمريكية، والنهوض بالتنمية الإقتصادية والإجتماعية، لاسيما لفائدة ساكنة أقاليمنا الجنوبية.

واعتبر التوزاني أن هناك آفاقاً واعدة للمنطقة ولأبنائها وللقارة على حد سواء، فعلى سبيل المثال تعتزم مؤخرا الشركة الأمريكية “سولونا تكنولوجي” بناء مزرعة ريحية بقدرة إنتاجية تبلغ 900 ميغاواط في الداخلة، تمتد على مساحة 11 ألف و313 هكتارا باستثمار مبدئي يقدر بـ 15 مليار درهم، الذي سيرى النور في الست سنوات المقبلة، وهو ما سيخصص بمقتضاه الشركة 1 في المائة من عائذات المشروع لفائدة ساكنة الجهة عن طريق دعم مجالات التعليم والتكوين المهني والصحة.

ودشن المغرب ما يمكن وصفه “بدبلوماسية القنصليات” بحسب أستاذ القانون الدولي العام، وذلك عبر افتتاح قنصليات بالأقاليم الجنوبية نهاية 2019، وشكل الإقرار الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء واعتزامه بتدشين قنصلية بالداخلة نقطة تحول محورية في هذا السياق، لتصل إلى 24 قنصلية مع متم شهر يوليوز من سنة 2021 موزعة على القارات الثلاث “إفريقيا، آسيا، وأمريكا”.

واستطرد، قائلاً: “هذا وتستمد البعثات القنصلية أهميتها من خلال الوظائف المنوطة بها المبينة ضمن المادة الخامسة من اتفاقية فيينا للعلاقات فهدف البعثة القنصلية ذات التمثيل المتبادل الدائم تكمن في تحقيق أهداف الدولة الاستراتيجية وتعزيز علاقاتها وتدعيمها مع الدولة المستضيفة في شتى المجالات سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم ثقافية أم علمية”.

واعتبر التوزاني أنه بالرغم من الظرفية الصحية الصعبة أبت المملكة المغربية إلا أن تستمر في ورشها الإنمائي على مختلف الأصعدة، قائلاً: ” على المستوى القانوني تم سد الفراغ التشريعي لترسيم الحدود البحرية تماشياً مع اتفاقيات الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982، ومع تحيين المنظومة القانونية للمجال البحري التي تعود لسنة 1975 بما يتوافق والاحترام التام لحسن الجوار والشركات القائمة بين المغرب وإسبانيا، إذ أن هذا التحديد القانوني للمجالات البحرية هي ما ستمكن الأقاليم الجنوبية من تعزيز ديناميتها الإقتصادية والإجتماعية، ليس بضخ الأموال في المنطقة فقط وإنما استثمارا لمؤهلاتها الخاصة خاصة البحرية منها”.

مما سيجعل من ميناء الداخلة الأطلسي يضيف التوزاني رافعة للتنمية القارية، الذي يفوق تكلفة إنجازه الأولية 10 مليار درهم، وفي هذا الصدد التنموي خصص مشروع قانون المالية لسنة 2021 ميزانية قدرها 105 مليون درهم من أجل توسيع ميناء أمهيريز الذي يبعد عن معبر الكركرات بحوالي 80 كيلومتر.

هذا المخطط التنموي بجسب أستاذ العلوم السياسية ذاته الذي يعتبر ورشا استكماليا للنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية جرى إنجاز 158 منه لحد الساعة من أصل 450، وذلك في أفق تحقيق ثلاث أهداف أساسية؛ أولا ضمان أمن واستقرار المنطقة، ثانياً ضمان الاندماج الاجتماعي، ثالثاً ضمان تحقيق التزامات المملكة اتجاه أقاليمها الجنوبية.

وأورد التوزاني أنه جرى رصد للأوراش التنموية للأقاليم الجنوبية ما يفوق 85 مليار درهم لتعزيز البنيات التحتية وتجهيز الاستثمار ودعم مشاريع التنمية وتثمين الثروات الطبيعية.

وتابع، قائلاً: “في هذا الإطار جدّد جلالة الملك ضرورة الاستثمار في الموارد المتجددة، إذ على المستوى البحري، يمكن تصور عمليات الاستثمار في هذا المجال الأزرق عبر عدة مستويات، قد تتعلق بتحلية ماء البحر، أو بالطاقات المتجددة، عبر استغلال مولدات الطاقة الريحية، وطاقة التيارات البحرية إذ أن المحيط الأطلسي يعتبر مصدرا واسعا للطاقة والتي لا يتم استغلالها بشكل جيد، وربما يستطيع أن يمدنا بإمكانيات توليد الطاقة من موجات المحيط أو من ظاهرة المد والجزر أو من ملوحة المياه أو من اختلاف درجات حرارة المياه.

هذا علاوة على إمكانية استثمار الطاقة الحرارية موردا التوزاني إذ حازت مؤخرا شركة برتغالية، متخصصة في الاستشارة في مجال الطاقة المتجددة، مشروعا مغربيا، يروم تقييم إمكانيات الأقاليم الجنوبية في مجال الطاقة الحرارية الأرضية، التي تعتبر أحد مصادر الطاقة البديلة والنظيفة والمتجددة، بحيث تعتبر الطاقة الحرارية الأرضية من مصادر الطاقة المتجددة القليلة القادرة على إنتاج الكهرباء على نحو مطرد على مدى 24 ساعة يوميا.

وتابع حديثه، قائلاً:” تحتضن مدينة طرفاية، الواقعة شمال العيون، أول محطة لإنتاج الطاقة الريحية في إفريقيا التي تطلب إنجازها استثمارا بقيمة 5 ملايير درهم، وعلى بعد 100 كلم شمال طرفاية توجد محطة أخفنير للطاقة الريحية التي شيدت على مساحة تقدر بـ 2000 هكتار، هذا بالإضافة إلى محطة “فم الواد” التي انطلق العمل بها منذ سنة 2013.

وختم حديثه بالقول: “من هنا يمكن الجزم بأن المملكة المغربية انتقلت من ظرفية الدفاع عن وحدتها الترابية إلى مرحلة تثمين مجهوداتها بترسيخ سيادتها على أرض الواقع سياسياً بفتح القنصليات، وواقعياً بممارسة اختصاصاتها السيادية في حماية أمنها الإقليمي، وتنموياً بتهييئ البنيان والإنسان الصحراوي معاً، وإن كانت ستكون هناك تحديات قانونية ولوجستيكية وأمنية فإن رفع التحديات لكسب رهانات المستقبل تبقى أكبر من أي عقبة مفترضة”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *