متى يفتح قضاة المجلس الأعلى للحسابات ملف التوظيفات المشبوهة بمجلسي البرلمان؟

بلادنا24 – جمال بورفيسي |

لماذا لا يفتح المجلس الأعلى للحسابات ملف التوظيفات المشبوهة بمجلسي البرلمان؟ سؤال يتردد على لسان كل المتتبعين للشأن البرلماني الوطني، على خلفية تعاظم ملف التوظيفات المشبوهة بمجلسي البرلمان على مدار عقود من الزمن، رغم أن هذه التوظيفات المشبوهة تعتبر سببا مباشرا في استفحال ظاهرة الموظفين الأشباح، لأنها (التوظيفات) تتم خارج الضوابط القانونية، وتتجاوز حاجيات البرلمان من الموظفين.

لماذا لا تفتح المؤسسات القضائية المختصة هذا الملف الشائك، لاسيما أن له صلة بخرق القانون وإهدار المال العام؟ فهذه المؤسسة التي تتولى في أحد اختصاصاتها مهام مراقبة الحكومة، في حاجة إلى من يراقب تدبيرها المالي والإداري… هذه مفارقة غريبة ولكنه الواقع.

فالقوانين المالية تخصص سنويا 20 منصبا لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، غير أن رئاسة وإدارة المؤسستين تتهربان من إجراء مباريات نزيهة وشفافة، وتكتفيان بالإعلان عن مباريات تُجرى بصفة شكلية، من جهة، ولإن إدارة المجلسين تقوم، إضافة إلى المناصب المالية المخصصة للبرلمان في القوانين المالية، بتوظيفات مشبوهة خلال كل ولاية تشريعية، حيث يتم توظيف وإلحاق أبناء البرلمانيين والمسؤولين في الإدارة والمقربين، مما يؤدي إلى تضخم في أعداد الموظفين، وهو ما يضرب في الصميم مبدأ الحكامة في التدبير.

إن كان مكتب مجلس النواب وضع، أخيرا، أصبعه على جرح غائر لا يندمل تعانيه المؤسسة التشريعية (الموظفين الأشباح)، فإن إثارة هذا الموضوع ليس جديدا، بحيث تثار قضية “الأشباح” بين الفينة والأخرى، دون أن تتحرك المؤسسات المعنية بممارسة المراقبة على المال العام، لافتحاص التدبير الإداري والمالي لمجلسي البرلمان.

لقد “هللت” بعض الصحف والمواقع الإخبارية للقرار الذي تبناه مكتب مجلس النواب، أخيرا، بتوجيه إشعار إلى موظفين اثنين (فقط!!!)، من أجل الالتحاق بالعمل في ظرف أسبوع واحد، وإلا سيكون مضطرا إلى إصدار عقوبة العزل طبقا للمادة 57 من النظام الأساسي الخاص بموظفات وموظفي المجلس. لكن، هل عدد الموظفين الأشباح بهذا المجلس يقتصر على موظفين اثنين فقط؟ لماذا لا تقال الحقيقة كلها، وهي أن عدد الموظفين الأشباح بمجلسي البرلمان يتجاوز ثلث الموظفين المسجلين بالمجلسين، إذا ما احتسبنا الموظفين الذين يحضرون فقط ولا يقومون بأي عمل.

كم هو العدد الفعلي للموظفين الأشباح المسجلين كموظفين في مجلسي البرلمان، لكنهم لا يحضرون ولا يعملون ولا يقومون بأية مهام داخل المجلسين، رغم أنهم يتقاضون أجورا “سمينة”؟ إنهم يشكلون كتلة حقيقية، يتوزعون بين موظفين لا تطأ أقدامهم مجلسي البرلمان إلا لقضاء غرض إداري أو مصلحة، وبين موظفين يحضرون في أوقات متفرقة دون أن يقوموا بأية مهام محددة.

إن القرار الأخير لمجلس النواب، هو الشجرة التي تُخفي الغابة، غابة أعداد متزايدة من الأشباح الذين يتوصلون شهريا بمرتبات سمينة زائد تعويضات كل ثلاثة أشهر، زائد التعويضات عن أضاحي العيد وتسجيل الأبناء في المؤسسات التعليمية… لقد تحول البرلمان إلى مؤسسة ريعية بامتياز، يتنافس البرلمانيون والموظفون ومن لهم قرابة مع البرلمانيين والإدارة والرئاسة، على  توظيف أبنائهم هناك للاستفادة من الأجر مقابل “الراحة”. لقد تحول البرلمان إلى حاضنة لتفريخ وتوالد الأشباح.

وفي المحصلة، رغم الاستنكار الواسع من طرف المجتمع لتنامي هذه الظاهرة، لما ينتج عنها من بعثرة المال العام بدون حسيب ولا رقيب، ووضع أشباه “موظفين” في المكان غير  المناسب، فقط من أجل الترضيات وإدماج الأبناء والأصهار والأقارب في سوق العمل بالمؤسسة التشريعية، إلا أن الأمور لا تتغير، ولا يُتخذ أي قرار فعلي من طرف الرئاسة والإدارة، يروم محاربة الموظفين الأشباح.

لذلك، فإن القرار الذي اتخذ ضد موظفين، هو قرار يستهدف التغطية وإخفاء الحقيقة المرة: وجود جمع من الموظفين ولجوا البرلمان في ظروف مشبوهة، بالتعيين عن طريق الهواتف والوساطات والزبونية والعلاقات العائلية والحزبية.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *