كيف يهدد نقص المساحات الخضراء رئة المجتمع؟

في فصل الصيف، ومع ارتفاع درجات الحرارة يزداد الإقبال على المساحات الخضراء، لما لها من أهمية صحية على المجتمع، فهي متنفس يلجأ إليه الجميع هروبا من حرارة الصيف، وتعد أيضا ملاذا أمن للتجار والباعة المتجولين، إلا أن عدة مدن مغربية تعرف نقصا حادا في هذه المساحات، ما يجعل المطالب تتجدد كل سنة.

علاقة الأسر المغربية والمساحات الخضراء

تتميز المساحات الخضراء بأهميتها على صحة المواطنين، إذ تعد رئة المدينة كما يصفها البعض، لما لها من خصائص بيئية وصحية ونفسية كذلك، وهذه الأهمية لايظهر أثرها في مجموعة من المناطق، التي يعاني سكانها من قلة المتنزهات والمساحات الطبيعية، في وقت أصبح الهواء ملوثا بسبب انبعاثات الغازات من وسائل النقل والمصانع التي تفاقم التلوث.

“هي مساحات قد تبدو بسيطة لكنها المتنفس الوحيد لدى فئة كبيرة من المجتمع المغربي”، تروي فاطمة، أم لطفلين تقطن بمدينة الدار البيضاء، مؤكدة أنه “بين الفينة والأخرى خاصة في فصل الصيف تلتقي بمجموعة من جاراتها ويرافقن أطفالهن ويذهبن إلى بعض الحدائق لاستنشاق هواء نظيف والاستمتاع بقسط من الراحة رفقة أطفالهن”.

وأكدت فاطمة في حديثها لـ”بلادنا24“، أن “مدينة الدار البيضاء تعاني من نقص كبير في المساحات الخضراء، مشيرة إلى مقر سكنها الأول حيث كانت تذهب مسافة بعيدة إذا أرادت أن ترافق أبناءها للعب في الحدائق، والتي تعد متنفسا وحيدا لهم ومكانا يفرغون فيه الطاقة التي يسجنها البيت أحيانا، وتظهر أهميتها خلال فصل الصيف حيث تصل لها الساكنة للانتعاش مساء بجوها النظيف”.

وظائف المساحات الخضراء

وفي هذا الصدد، كشف محمد فتوحي، رئيس النادي المغربي للبيئة والتنمية، أن “المساحات الخضراء، خاصة المتواجدة في الوسط الحضري، الوظيفة الأولى لها هي أنها تشكل نوع من الغابة بالنسبة للمناطق الكبيرة، بمعنى أنها رئة لهذا الوسط، لما تفرزه من أوكسجين، وما تمتصه من ثاني أكسيد الكاربون وهذه تعد أهمية بيئية بالغة”.

وتابع فتوحي في تصريح لـ”بلادنا24“، أن “هناك أيضا أهمية بيئية أخرى، وهي الأشجار التي تحافظ على الرطوبة وتوفر الظل، من الناحية البيئية، كما أنها تساهم في المحافظة على التنوع البيولوجي خاصة النوع البيولوجي النباتي وبعض الحيوانات التي تعيش في هذه الفضاءات”.

وبخصوص الأهمية الاجتماعية للمساحات الخضراء، أكد المتحدث، أن “المساحات الخضراء تعتبر فضاء مهما يلجأ له المواطن للراحة، وعادة ما يمارس فيه بعض أنواع الرياضات، ويعد مجالا للمشي ولتخفيف التوتر ومجالا للاستجمام، إذ نلاحظ بأن الأطفال الصغار تعني لهم هذه المساحات الشيئ المهم، لأنها تشكل لهم الفضاء الذي من خلاله يطلقون العنان لحريتهم”.

وأشار فتوحي، إلى أن “هناك نوع من التراجع على مستوى المساحات الخضراء على مستوى المدن المغربية، خاصة تلك التاريخية كفاس مراكش الرباط سلا، والتي كانت المساحات الخضراء تعتبر جزء مهما من المشهد الحضري فيها، وكانت تحيط بالمدن وتشكل مجالا للنزهة وللراحة، وتلعب أدوارا غير بيئية، ولكن كانت تساهم أيضا في توفير بعض المواد الغذائية لساكنة المدن خاصة الأشجار المثمرة”.

خطر تراجع المساحات الخضراء

“نلاحظ للأسف أن هذه الأمور أصبحت تتراجع أمام المساحات التي خصصت للتعمير”، يروي الخبير، مؤكدا أنه “أمام التوسع والدينامية الديموغرافية، هناك بعض المؤشرات التابعة لمنظمة الصحة العالمية، تقول بأنه يجب أن يتوفر لكل فرد على الأقل حسب المنظمة العالمية للصحة 10 أمتار مربعة من هذه المساحات”.

وأعطى مثالا بمدينة الرباط، مؤكدا أنها “تشكل نوع من النموذج الذي تعدى هذه المعايير، فالمدن الأخرى كالدار البيضاء هي أقل من مترين مربعين بالنسبة للفرد، وطبعا بقية المدن الأخرى تكون في هذه المستويات، لأن للأسف الشديد مخططات التهيئة الحضرية والمخططات التنموية التي تقوم بها الجماعات الترابية بالإضافة إلى وثائق التعمير خاصة ما يسمى بمخططات التهيئة، فأحيانا تفرض مساحات خضراء ولكن قلما يتم الالتزام بها، كما يتم تحويل العديد من هذه المساحات إلى مجالات للبناء وللتوسع الاسمنتي”.

آليات جديدة لسقي المساحات الخضراء

ودعا فتوحي الوكالات الحضرية إلى “الالتزام والحرص على أن تكون المساحات الطبيعية حاضرة من طرف المنعشين العقاريين، كما أن الجماعات الترابية مطالبة في مخططاتها التنموية خاصة الجانب الذي يتعلق بالتعمير وبالسكنة، إذ يجب توسيع هذه المساحات  والتفكير في آليات جديدة لسقيها كالمياه المعاد استعمالها، أو المعالجة بطرق تخفف الضغط على الموارد المائية، مع تأمين مصدر لسقي هذه المساحات، بطريقة تقتصد في المياه والتفكير في ما أصبح يعرف بالاقتصاد الدائري”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *