كيف يحمي القانون ضحايا التنمر في المجتمع المغربي؟ أخصائيون يُجيبون

يعرف المجتمع المغربي كغيره من المجتمعات الأخرى، حتى المتقدمة منها، تفشي ظاهرة التنمر بمختلف أشكاله، خاصة مع ظهور الوسائط الرقمية والتطور التكنولوجي، لتصبح ظاهرة مستفحلة بشكل كبير ، متجاوزة بذلك الفضاء العام، لتمتد إلى الفضاء الخاص، ليرافق هذا السلوك الضحية حتى وهي في مساحتها الخاصة (أي المنزل) من خلال وسائل التواصل، ما يقض مضجع الضحية ويجعلها في قلق وتوتر دائمين لما لهذا من آثار وخيمة قد تصل إلى حد الانتحار.. فما هي أسباب استفحال هذه الظاهرة؟ وكيف تكون نفسية المتنمر ونفسية ضحيته؟ وكيف يحمي القانون ضحايا التنمر؟ كلها أسئلة سنرد عليها من خلال هذا التقرير.

أكدت الدكتورة بشرى المرابطي، أخصائية نفسية وباحثة في علم النفس الإجتماعي، لموقع “بلادنا24″ بأن المتنمر غالبا لا يقصد الإساءة إلى غيره، إنما يلجأ إلى هذا الأسلوب باعتباره الأسلوب المعتمد في مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يعي بطبيعة الأضرار التي قد تلحق بضحاياه، وأن السبب وراء لجوئه إلى هذا الأسلوب هو الانتشاء بعدد المشاهدات والإعجابات كنوع من أنواع حب الظهور في بعض الأحيان، إلا أن هذا لا ينفي وجود بعض الشخصيات المضطربة والفاقدة لتوازنها، والتي تلجأ إلى التنمر الإلكتروني لإرضاء ذاتها، منها الشخصية السيكوباتية والتي تتميز بغياب تأنيب الضمير وتبلد الإحساس تجاه الآخرين، والذين يعمدون إلى ابتزاز ضحاياهم والتشهير بهم.

وأوضحت المرابطي بأن من سمات الشخصية السيكوباتية أيضا عدم تقدير عواقب الفعل، لذلك، فمهما كان التنمر بشعا وسيئا، ومهما كان حجم الضرر كبيرا بالنظر لما قد يُخلفه لدى ضحاياهم من أضرار نفسية وخيمة، يكون غرضها الوحيد هو إشباع رغباتها.

وأضافت الأخصائية النفسية بأن:” هنالك أيضا الشخصية النرجسية أو الهستيرية، وهي الشخصية التي تتسم بتضخم الأنا مما يدفعها للتراشق مع الغير بالسب اللاذع المقرون بنوع من أنواع الاستعراض، وبالتالي فكلما زاد عدد الإعجابات والمشاهدات كلما شعروا ب”إشباع” لأناهم “المريضة”، ما يدفعهم للاستمرار في ممارسة مثل هذه السلوكيات”.

وبخصوص الآثار النفسية التي يخلفها التنمر لدى ضحايا هذا الفعل، قالت الباحثة في علم النفس الإجتماعي بأنها كثيرة وفي مقدمتها الإنطواء والقيام ببعض ردود الأفعال التي قد تجنبهم الوقوع كضحايا للتنمر مرة أخرى، فمثلا حينما يتم التنمر على جسد شخص ما نجده يعمد إلى ارتداء ملابس تخفي عيوب جسده الذي كان موضوع سخرية وانتقاص على الأنترنت، ما يرفع من احتمالية إصابته باضطراب الرهاب الإجتماعي. كما قد يعمد البعض الآخر إلى التواري عن الأنظار وعن الحياة العامة لأن حياته الخاصة كانت موضوع تنمر، هذا بالإضافة إلى إصابة ضحايا التنمر بالقلق الشديد والاكتئاب مما قد يدفعهم إلى الإنتحار في بعض الأحيان، وهنالك حالات عديدة على مستوى العالم وضعت حدا لحياتها نتيجة للتنمر الذي تعرضت له.

وأشارت المرابطي إلى “أنه في الحالات التي يكون فيها الضحايا مصابون بنوع من أنواع الإضطرابات النفسية، فقد يفاقم التنمر وضعهم ويزيد من حدة اضطراباتهم، وأنه كلما قلّ عمر الشخص الذي يتعرض للتنمر كلما تضاءلت وتقلصت قدرته على مواجهته خاصة إذا لم يشرك محيطه في التصدي لهذا السلوك، ما يدفع المتنمر لمواصلة أذيته وممارسة ساديته عليه”.

ومن الناحية القانونية، عرّف بوستاني الغوتي، محامي بهيئة الدارالبيضاء، في تصريح لـ”بلادنا24“،  التنمر شكلا من أشكال الإساءة والإيذاء الذي تتم ممارسته من طرف فرد أو مجموعة أفراد ضد فرد أو مجموعة أخرى، وذلك من خلال السخرية من عمله، لباسه، حالته الإجتماعية، أو مستواه التعليمي أو ما إلى غير ذلك.

وذكر الغوتي أشكال التنمر المتعددة، والتي قد تكون لفظية أو جسدية أو حتى بالإيماءات، كما يمكن أن يتم التنمر عن طريق التحرش الفعلي والاعتداء البدني على الطرف الآخر أو غيرها من الأساليب.

وأضاف الغوتي بأن ظاهرة التنمر ليست ظاهرة حديثة، إلا أنها شهدت تطورا في العصر الراهن بسبب استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الرقمية بصفة عامة وتوظيفها في ممارسة هذه الأفعال، وأضاف:” نحن لم نعد أمام التنمر التقليدي الذي كان يمارس بشكل مباشر من طرف المتنمر بحضور ضحيته وينتهي بمجرد الإبتعاد عن مصدره، بل أصبح يُلاحق الضحية أينما حلت بسبب التقنية الرقمية ووسائل التواصل، وهو ما أصبح يصطلح عليه بالتنمر الإلكتروني، والذي تظل آثاره مستمرة ولا يحده المكان أو الزمان، كما أنه ينتشر بسرعة زمنية هائلة وإلى أبعد مكان في العالم.

وفيما يخص الشق القانوني، أكد الغوتي بأن ظاهرة التنمر ما تزال بعيدة عن طائلة القانون نتيجة التطبيع المجتمعي معها، ذلك باعتبارها مجرد سلوك عابر ومسل، ولا يتم الإنتباه إلى الضرر الذي يطال ضحية التنمر الإلكتروني وإعطائه الأهمية اللازمة باعتباره سلوكا مؤذيا يؤثر بشكل كبير على الضحية وينعكس سلبا على نفسيتها، مما قد يؤدي بها إلى العزلة والإحباط أو الإنقطاع عن التمدرس وفقدان الثقة بالنفس، وفي بعض الأحيان قد يؤدي بها إلى الانتحار.

وأضاف المتحدث نفسه أن:”في التشريع الجنائي المغربي مثلا لا نجد أي مقتضى قانوني يقضي بتجريم ظاهرة التنمر الإلكتروني المجرد، ونتحدث عن التجريم فقط حينما يقترن هذا السلوك بجرائم أخرى كالعنف المادي أو المعنوي أو النفسي الذي تتم ممارسته ضد المرأة بسبب جنسها، والذي تؤطره المادة 1 من القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، والفصول 1-447 و2-447 و3-447 من القانون الجنائي المغربي.

وردا على سؤالنا المتعلق بالتدابير القانونية والإجراءات الوقائية الرامية للحد من هذه الظاهرة، قال الغوتي: “لا أعتقد بأن هنالك إجراءات قبلية وتدابير قانونية قد تحول دون تعرض الأشخاص للتنمر، ومن الممكن لأي فرد من أفراد المجتمع أن يجد نفسه في يوم من الأيام ضحية للتنمر الإلكتروني، إلا أنه يمكننا الحديث عن بعض الإجراءات والتدابير التي يتم اتخاذها بعد التعرض للتنمر المرفق بالعنف المادي أو المعنوي، ومن بين هذه الإجراءات منع اتصال أو تواصل الجاني مع الضحية بأي وسيلة من الوسائل بما في ذلك الإلكترونية منها إلى حين بث المحكمة في القضية أو منع التواصل بصفة دائمة بقرار معلل للمحكمة. ويتم هذا المنع من قبل النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو حتى من المحكمة المعروض عليها الملف لتفادي استمرار إلحاق الضرر بالضحية وكذا الحد من تفشي هذه الظاهرة”.

 

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *