قصبة تلوات.. زارها الملوك وتحكمت في مسار القوافل التجارية

لعبت منطقة تلوات دورا مهما في تيسير عملية عبور القوافل التجارية من ورزازات والصحراء صوب مراكش، دور اقتصادي وعسكري تميزت به القصبة الواقعة في تل قرية، قصبة تضم عددا من الأبنية شيدت بهندسة عسكرية.

لم تشتهر تلوات بموقعها الاستراتيجي أو بقصبتها المشيدة، لكن اشتهرت بأهل الديار،”آل لكلاوي” أو الباشا الكلاوي، أحد أبرز من اعتمدت عليهم فرنسا لبسط سياستها التوسعية، دار الباشا أو إقامة لكلاوي بمراكش قرب ساحة جامع الفناء، لازالت توثق لعدد من المحطات التاريخية خلال حقبة الاستعمار الفرنسي، الكلاوي جمع بين الجشع والدهاء والمكر، قدرت ثروته خلال القرن الماضي بملايين الدولارات.

KASBAH TALOUAT

ملوك بقصبة تلوات

شهدت القصبة زيارتان ملكيتان، الأولى كانت سنة 1682 م، عندما كان السلطان مولاي اسماعيل بن الشريف (1645-1727 م) عائدا إلى مراكش على إثر دورته في تافيلالت، فباغتته عاصفة ثلجية أثناء عبوره الأطلس الكبير، مما قضى على جزء من جيشه. ثم استقبله على إثرها القايد عبد الصادق الكلاوي، وفي سنة 1893 م، توقف السلطان العلوي الحسن الأول (1836-1894 م) بتلوات، كذلك بسبب عاصفة ثلجية مباغتة، ليرحب به بكل فخامة الكلاوي وأخوه الأصغر التهامي، هذان الحدثان كانا حاسمين فيما بعد في رسم تاريخ المغرب عموما وجهة درعة تافيلالت خصوصا، بعد المكانة التي أصبح عليها آل لكلاوي وتقربهم من العرش العلوي، فأصبحوا الأمرين والناهين الأطلس بنفوذهم وسلطتهم، فماكان من المستعمر الفرنسي إلا استعان بسطوتهم وجبروتهم لإخضاع عدد من المناطق، وتأديب المتمردين ضد المستعمر الفرنسي.

KASBA TALOUAT

آل الكلاوي من السلطة والمجد إلى التقهقر

بسط آل الكلاوي سيطرتهم على عدد من المناطق بالمغرب، نفوذ جعل ثقة الفرنسيس ترتفع لدى الكلاويين لمنصب الذراع الأول للمستعمر الفرنسي، فظل الصراع قائما بين الكلاوي والقصر (محمد الخامس) لكن روابط الصراع ستظهر في الأفق، عندما استقبل الراحل محمد الخامس سنة 1951 وفدا من حزب الاستقلال، الشيء الذي لم يستصغه باشا مراكش وثار في وجه السلطان، فما كان من الملك الراحل محمد بن يوسف إلا أن أخبر مقربيه أن الكلاوي غير مرحب به بقصر الرباط.

هذه الأزمة ستعجل بالمطالبة برحيل محمد الخامس ونفيه، وهو القرار الذي اقترحه الكلاوي على المقيم العام الفرنسي مخاطبا (إما أن يرحل بن يوسف أو ترحلون أنتم)، في إشارة منه إلى فرنسا، دهاء الكلاوي لم يصمد أمام قوة العرش، ليجد نفسه ضمن لائحة المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي رفقة ابنيه ابراهيم واحماد، وحكم عليهم بعدم الأهلية الوطنية لـ15 سنة ومصادرة ثرواثهم، التي قدرت بعشرات الآلاف من هكتارات الأراضي وأزيد من نصف مليون شجرة زيتون.

ورغم جفاء الكلاوي، إلا أنه وجد نفسه أمام ملك متسامح، حيث أمر الملك محمد الخامس بحضور وفد حكومي لجنازة باشا مراكش، إذ مثل الحكومة الوزير الأسبق لحسن اليوسي بمقبرة ضريح سيدي سليمان الجزولي بمراكش.

TALOUAT

تلوات بين الماضي والحاضر

تقول الروايات التاريخية أن بمكان القرية كانت بحيرة محاطة بغابة كثيفة، وبعد سقوط الممالك الإسلامية بالأندلس، حل بها عدد من المسلمين والعلماء واستقروا ببعض الدواوير وشرعوا في تعليم ساكنتها القرآن، فيما أطلق عليها اسم تلوات (إقرأوا القرآن).

إضافة الى القصبة، تضم تلوات مؤهلات طبيعية ساحرة ووديان وبحيرات وثلوج، هذه المؤهلات التي يجب تستثمر في تأهيل المنطقة سياحيا لتعود بالنفع الاقتصادي والاجتماعي على منطقة تعاني الأمرين خلال كل شتاء، بين العزلة و مسالك طرقية تغلق، تلوات بحاجة لنهضة تنموية للاستفادة من مؤهلاتها التاريخية والسياحية، وفك عزلتها المجالية وترميم ما أفسده الدهر بقصبتها التي ستظل شاهدة على حقبة مهمة من تاريخ المغرب الحديث.

أيوب الهداجي – صحفي متدرب

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *