عيد العرش.. قصة احتفال صاحب فترة الحماية والاستقلال وعاصر ثلاثة ملوك

ظل عيد العرش بالمغرب، العيد الوطني الذي عاصر فترة الحماية والاستقلال وصاحب ثلاث ملوك بالمغرب، على اختلاف تواريخ تسلمهم لمقاليد الحكم، ومما لاشك فيه، هو اختلاف مظاهر الاحتفال به من فترة لأخرى، فمن فترة الاستعمار وصولا إلى الاستقلال، لم يكن العيد مجرد احتفال. فإلى جانب الصيغة الوطنية لهذا العيد، كان عيد الجلوس على العرش بمثابة أداة ووظيفة. وكذلك استخدم من طرف الحركة الوطنية ضد المستعمر، واستعان بها ملوك المغرب لحشد “الهمم الوطنية”، وتقوية الشرعية المؤسساتية للملكية.

المؤرخ مصطفى بوعزيز صاحب العديد من المؤلفات الخاصة بالحركة الوطنية وتشعباتها، يقدم لـبلادنا24 سردا تاريخيا لتبلور عيد العرش وتطوره من الحماية إلى الاستقلال. مرورا بفترة الملك محمد الخامس. بالإضافة إلى الاحتفالات ”الصاخبة” في فترة الحسن الثاني. ثم الفترة الحالية للملك محمد السادس، والتي تتميز بمركزية الخطاب والتقليص من الاحتفالات.

فترة الحماية.. العيد المحظور

مصطفى بوعزيز أكد أنه “منذ توقيع معاهدة الحماية سنة 1912، ورغم تنصيص المعاهدة على احترام السلطان. إلا أنه في الواقع كانت الشرعية الفرنسية تسمو على الشرعية المغربية. بمعنى أن فرنسا متطورة، وأن المغرب متخلف يحتاج إلى أن يتقدم وبحاجة إلى إصلاحات، وفرنسا لها رسالة حضارية للمغرب”.

ويضيف بوعزيز، أن “هذه الممارسة السياسية التقليدية والإيديولوجية لفرنسا، هي التي ستتحكم في الأعياد الموجودة، فالعيد الوطني الوحيد الذي كان يحتفى به هو العيد الوطني الفرنسي الذي يصادف 14 يوليوز، فيما كانت باقي الاحتفالات احتفالات دينية فقط”.

“وكرد فعل على هذا الوضع الذي سيستمر لعقدين من الزمن، سيقوم الوطنيون المغاربة الشباب في بداية الثلاثينات بالاحتفال بالعيد المجيد على اعتبار أنه الأصل. وكنوع من التحدي للإقامة العامة الفرنسية ومن أجل رفع الشرعية المغربية. هذه الأعمال سيقوم بها الوطنيون بفاس مثلا عبر جريدة يصدرها محمد بالحسن الوزاني، وهكذا سيفرض الوطنيون الاحتفال على الإقامة الفرنسية”، يضيف المؤرخ مصطفى بوعزيز.

وفي هذا الصدد يروي نفس المتحدث، الحادثة الشهير والمتمثلة في رفع السلطان محمد بن يوسف على الأكتاف بمدينة فاس، “وهو العمل الذي سيخلق ضجة كبيرة. وسيتحول إلى مظاهرات سرعان ما ستحاول الإقامة العامة احتوائها عبر إقرار العيد. وسيستمر هذا الوضع إلى حين نفي محمد الخامس. وبداية إغلاق الحقل السياسي واحتدام المواجهات بين الوطنيين والإقامة الفرنسية، مما سيخلق الاصطدام بين الشرعية الفرنسية والشرعية المغربية”.يؤكد مصطفى بوعزيز.

محمد الخامس والثلاثة أيام الخالدة

بعد فترة الحماية والاستعمار، سيأتي الاستقلال، وفي هذا الصدد، يؤكد مصطفى بوعزيز، “بداية من سنة 1955، سينطلق الاحتفال بالثلاثة أيام الخالدة. وهي على التوالي أيام 16 و18 و17 نونبر. وستسمر هذه الأيام طيلة فترة حكم الملك محمد الخامس، فـ16 نونبر هو عيد العودة و17 من نفس الشهر هو عيد الانبعاث، و18 نونبر بمثابة عيد للعرش”.

ويؤكد الباحث في المجال التاريخي، أن “هذه الثلاثة أيام كانت خلال بداية الاستقلال أعياد شعبية تضاهي احتفالات 14 يوليوز في فرنسا، فالمغاربة كانوا يحتفلون عبر جميع القرى والمدن، وبمختلف انتماءاتهم”.

WhatsApp Image 2023 07 29 at 20.12.01
عيد العرش في فترة محمد الخامس

عيد العرش.. الحسن الثاني والاحتفالات ”المتحكم فيها”

وحول احتفالات العرش خلال فترة حكم الحسن الثاني، أجاب المؤرخ مصطفى بوعزيز، “احتفالات العرش الخاصة بالملك الحسن الثاني، والتي كانت بمثابة ثلاثة أيام خالدة خاصة بفترة الحسن الثاني وهي 2 و3 و4 مارس، فالثاني من مارس كان عيد تقديم وثيقة الاستقلال، والذي أصبح ضمن احتفالات العرش، والثالث من مارس يشكل عيد العرش، والرابع عيد الولاء”.

وفي حديثه، أكد مصطفى بوعزيز أن ”الاحتفالات في فترة الحسن الثاني لم تكن بنفس التلقائية والشعبية كما السابق، بل كانت بقوة الضبط والمراقبة، فجميع المتاجر مطالبة بالإغلاق ووضع الأعلام، وخلال هذه الفترة كانت الاحتفالات موجهة، فكان يتم نظم قصائد في مدح الحسن الثاني، وعلى المغنين أن يقدموا أغاني خاصة بعيد العرش تدوم أسبوع كامل على مستوى الإذاعة والتلفزة”.

WhatsApp Image 2023 07 29 at 20.12.01 1
صورة للاحتفالات الخاصة بالبيعة خلال فترة الحسن الثاني

محمد السادس.. مركزية الخطاب والتخفيف من احتفالات عيد العرش

وفيما يخص الاحتفالات بعيد العرش في فترة الملك محمد السادس، يرى المؤرخ مصطفى بوعزيز أن “فترة حكم الملك محمد السادس. تميزت بالتخفيف من مظاهر الاحتفال والتبجيل المبالغ فيها”.

ويضيف الباحث والمؤرخ، أنه ”مع محمد السادس، أصبح عيد العرش نوع من الاستمرار المؤسساتي، بالإضافة لذلك فهذه لحظة من اللحظات الجوهرية بالنسبة لمؤسسات البلاد، لذا فالخطاب يختلف عن باقي الخطب. وهو بمثابة جرد لحصيلة الدولة واستشراف للمستقبل. وأيضا حتى في فترة الحسن الثاني لم يكن خطاب العرش خطاب مرتجل. لذلك فهو يكتسي الأهمية الكبرى اليوم في فترة الملك محمد السادس”.

WhatsApp Image 2023 07 29 at 20.12.01 2
محمد السادس خلال أحد خطب عيد العرش
تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *