بوجلود أو بيلماون طقس عيد الأضحى.. بين الأسطورة والتقاليد المتوارثة

بوجلود بالدارجة أو بيلماون، طقس فريد ومتنوع يتميز به المغرب خلال مناسبة عيد الأضحى، وهو طقس يقوم على استخدام جلود الأضحية كلباس يغطي كامل الجسد مع استخدام مجسم أو قناع على الرأس شبيه برأس التيس. وذلك لتجسيد شخصية “بيلماون” التي تطوف أرجاء المدينة أو القرية، تتخللها طقوس مسرحية في بعض القرى.

تتعدد الروايات حول أصول هذا الطقس الذي دفع بالأنثروبولوجي عبد الله حمودي. إلى تخصيص فصول كاملة في كتابه ”الضحية وأقنعتها: بحث في الذبيحة والمسخرة بالمغرب”. لطقس ”بيلماون”. والذي كان حاضرا لدراسته ميدانيا داخل قبائل “آيت ميزان” القريبة من مراكش بداية ثمانينيات القرن الماضي.

وروى حمودي على لسان سكان القرية العشرات من المرويات حول أصول “بيلماون”. وتتنوع الشهادات بين التفسير الأسطوري وبين التفسير “المحرم” لهذه العادة باعتبارها ”ما قبل إسلامية” و”وثنية”.

بوجلود : الأصل والتفسير

بحسب ما أورده عبد الله حمودي في كتابه ”الضحية وأقنعتها”. نقلا عما جمعه من أقاويل قبيلة أيت ميزان وأيضا عن رواية الأنثروبولوجي إدموند دوتي الذي درس هذا الطقس. فإن قصة “بيلماون” كما ترويها الرواية الشفهية تعود إلى قيام بعض الرجال بالاعتداء على نسوة داخل ضريح مقدس، فينمسخان ويتخذان شكل هذه الكائنات المسماة ”بيلماون” ويجري الحدث إبان لحظة نضج الذرة، في إشارة إلى العلاقة الممكنة الأسطورة بالدورة الفلاحية، فيعيش الرجلان منفيان في الغابة خارج الجماعة، ويعودان للقرية بحث عن الطعام فقط.

يرى عبد الله حمودي في الفصل الثاني من كتابه المعنون بـ”الأقنعة وطوائفها” والذي خصصه لدراسة طقس بيلماون الذي يسميه أيضا بـ”المسخرة”. مذكرا بالتشابه الموجود بين طقس ”بيلماون” وبعض الطقوس “الكرنفالية” الموجودة في بعض البلدان خاصة المتوسطية والتي تعود لروما القديمة. ويذكر حمودي بالصراع الموجود بين الرأي الذي يريد الفصل بين طقس المسخرة وذبيحة العيد، وهو الرأي الذي تؤيده الأنثروبولوجيا الاستعمارية مثلا.

ويؤكد الأنثروبولوجي المغربي في دراسته أن هذا الطقس يطرح العديد من الأسئلة والإشكاليات. من ضمنها الارتباط الممكن بين المسخرة والدورة الفلاحية، وإن كان حمودي لا ينفي هذه العلاقة التي ذهب إليها دارسون من دوتي ولاوست اللذان قاما بالربط بين الطقس وانبعاث إله النباتات حسب الأسطورة، فإنه لا يؤكد أيضا هذه العلاقة مع الفلاحة نظرا لعدة بياضات في الرواية.

ومن بين الإشكاليات التي يطرحها حمودي أيضا، الشخصية الغامضة لـ”بلماون”، كشخصية تمزج بين الهيئة الحيوانية والهيئة الأسطورية، وبين انتظار أهل القرية لطقس بوجلود وطقوس التوجس منه. وهنا بحسب عبد الله حمودي تتجلى الأسطورة، وذلك في الظهور لنساء خفية. وإخافة الأطفال. وهنا بحسب دراسة حمودي يظهر وكأن الكل يؤدي طقس معين داخل هذه اللعبة أو المسخرة.

ويشدد الأنثروبولوجي أن طقس بوجلود وكما الذبيحة، تتخللها أدوار اجتماعية تقترب أيضا من الأدوار الاجتماعية الموجودة داخل عملية الذبح، من قبيل حضور النسوة في الإعداد وغيابهم عن الفعل. وأيضا في غياب الشيوخ والأباء عن هذا الطقس والانسحاب وترك المجال للشبان. و”بيلماون” الذي “ينتهك” فضاء القرية والمجال الخاص الذي هو البيت المتروك عادة لصالح النساء.

شخصيات عبرت شمال إفريقيا تؤثث موكب بوجلود

يرى عبد الحق مومن وهو فاعل جمعوي من سكان ”إيمنتانوت” التي تحيي طقس بوجلود، في تصريح  لـ”بلادنا24” أن ”آيت بيلماون هو موروث ثقافي قديم قدم الإنسان الأمازيغي”. وقد قام أوروبيون بدراسات حوله، وبحسب عبد الحق الذي شارك هذا الموسم في طقس ”بيلماون” ككل موسم. أن الأخير يضم شخصيات رمزية عاشت ولازالت تعيش في شمال إفريقيا. ويضيف أن الشخصية المركزية هي “بيلماون” يصاحبه ”اليهودي” وشخصيات تمثل رموز مسيحية يرمز لها بـ” ارومي”  و”تاروميت” بالأمازيغية. في إشارة للوجود الروماني في شمال القارة الإفريقية. كما تم إضافة شخصية “الصحراوي” في نهاية القرن العشرين، في إشارة إلى الوافد الجديد بعد اليهودي والمسيحي. وزاد عبد الحق أن العولمة فرضت شخصيات جديدة في ”الكرنفال”، كالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ومنافسته في سباق الرئاسة هيلاري كلينتون وغيرهما.

من طقس ”فولكلوري” إلى طقس منظم

يعتبر المحفوظ السكراتي وهو من سكان مدينة تيزنيت. أحد المدن التي تحرص على إحياء طقس بيلماون كل سنة، أن الطقس أضحى منظم اليوم، حيث تشرف عليه جمعيات تتكلف باللباس وتنظيم الاحتفالات والمهرجانات. من قبيل مهرجان “إمعرشان” بتزنيت الذي ينظم على شكل موكب جماعي يضم فقرات من التنكر والرقص. وصرح المتحدث لـ”بلادنا24” أن ”بيلماون” هو “تراث أمازيغي يرمز إلى الثقافة الأمازيغية”. مبرزا أنه “عادة تراثية منتشرة بمنطقة سوس بشكل خاص”.

لمسة مغربية وأمازيغية خاصة

قد يختلف المتابعون والدارسون والمشاركون حول أصل طقس بيلماون ورمزيته، لكن الجميع يجمع على أنه يشكل لمسة مغربية وأمازيغية خاصة. يستفرد بها المغرب خلال مناسبة عيد الأضحى عن باقي البلدان الممارسة لشريعة الذبيحة. الشيء الذي دفع بدارسين غربيين إلى تناول هذا الطقس الفريد بالتحليل والدراسة. وبات طقس ”بيلماون” يأخذ اليوم بعدا أكثر تنظيما ونظامية. وذلك في سبيل الحفاظ عليه كتراث أمازيغي ومغربي أصيل.

ياسر مكوار متدرب |

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *