تقرير إخباري | الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم .. “أرقام ضخمة” دون إنجاز “يذكر”

نشر في: آخر تحديث:

في الوقت الذي يحاسب فيه المواطن البسيط على الزفرة والنظرة والقعدة، ويتجرع سموم عائدات سياسات تفتقر لأسس الحكمة والحنكة، تحيي المفارقات الكونية الضمائر على حين غرة، تظهر فوق العلة، علة أخرى أشد استعصاء، لتتحدث الأرقام كاشفة عن ودائع ضيف بوسني ستظل وشما على أجبنة أصحاب القرار، لتتكاثف الأصوات المرهقة وهي تخطو مسار المكابدة، وترسل مطالب مكتوبة لعلها توقظ ضمائر أصحاب السلطة، لصياغة سياسات يقظة ترقى وطول الانتظار .

وتزامنا مع خيبة الأمل الأخيرة، يكاد المشجع الخائب أن يفقد إدراكه حين يلقي نظرة على حجم المصاريف المالية للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بأرقامها المتسعة التي تثير الفضول، و التي تفجر من حين لآخر موجة سخط في صفوف مشجعي المنتخب الوطني المغربي، مما يثير جدلا شعبيا مرفقا بعبارات الاستنكار و الاستفسار، عن جدوى كل هذه التكاليف التي لا تزهر إلا سيلا من الهزائم المتتالية، والملازمة لسلسلة من الخيبات المكررة التي تفقد الثبات، والتي تدنو من أن تصبح صورة نمطية لصيقة بنتائج مباريات المنتخب الوطني لكرة القدم، الأمر الذي يدعو وبشدة إلى نقاش أبعاد هذه الإشكالية .

الميزانية و النتائج “غير متوافقتين”

وعلى ضوء مقارنة حجم التكاليف بالنتائج، قال المحلل الرياضي أسامة البراوي، في تصريحه ل”بلادنا”، “إن نتائج المنتخبات الوطنية بمختلف فئاتها تظل متواضعة ولا ترقى إلى تطلعات المتابع المغربي، ولا تتلاءم وميزانية الجامعة في علاقتها بنتائج المنتخب الوطني لكرة القدم، وخصوصا بعد الإقصاء من الدور الثاني لنسختي كأس افريقيا للأمم الإفريقية 2017 و2019، يليه الإقصاء الأخير في دور الربع النهائي لكاس افريقيا”، مضيفا أن سلسلة الإخفاقات تطال نتائج منتخبات الفئات العمرية كذلك، كمنتخب الفتيان، مثلا، الذي لم يتأهل لكأس العالم منذ سنة 2013، ولا لأي نسخة إفريقية، وكذلك منتخب الشباب الذي شارك في النسخة الاخيرة سنة 2021 مع غياب في جميع النسخ، وكذا المنتخب الأولمبي الذي بدوره لم يتأهل لدورتي ريو دي جانيرو 2016 و طوكيو 2020 .

وفي نفس السياق، أبرز أسامة البراوي أن هناك حاجة ملحة تدعو للاستفسار، حول ما إن كانت الإشكالية تكمن أساسا في مسألة تدبير هذه المبالغ التي تصرف، أو في غياب المحاسبة، أم أن السبب الرئيسي يتمثل في وضع الثقة في أشخاص لا يستحقونها، سواء تعلق الأمر بالمشرفين على المنتخبات الوطنية في الإدارة التقنية أو في المنتخب الوطني .

الحكامة و الشفافية

بدوره، أوضح الصحفي هشام رامرام في تصريحه ل”بلادنا24″، أن عمق الإشكال يكمن في كون المنتخب المغربي لا يحقق النتائج المفروض تحقيقها مقارنة بحجم المبالغ التي تصرف عليه، وهو ما يطرح سؤال الحكامة و الشفافية وجودة المنتوج الرياضي.

مضيفا أن المنتخب الوطني، وعلى مر التاريخ، كانت تخصص له تمويلات بميزانيات خاصة، واعتمادات مع مؤسسات عمومية و شبه عمومية، وتعطى له الأولوية، لأن دور المنتخب الوطني لا ينحصر في العمل الرياضي فحسب، بل يعتبر واجهة سياسية كذلك، كجميع المنتخبات الدولية لكرة القدم.

وأردف المتحدث نفسه قائلا : ” في الآونة الأخيرة، طبعا يمكن أن نلاحظ، نوعا ما، اهتماما أكبر بالمنتخب الوطني وكذا ارتفاعا في حجم المصاريف مقارنة بالسنة الماضية، ويتضح أن له أولوية على حساب كرة القدم الوطنية و على حساب التكوين كذلك “.

راتب مرتفع

وما يزيد الأمر سوءا، هو حين يتصدر الناخب الوطني بعثراته اللامتناهية قائمة المدربين الأعلى أجرا في إفريقيا، بغض النظر عن الرواتب المرتفعة التي يتلقاها الوفد المرافق للمنتخب الوطني، من مدرب منتخب المحليين ومساعدي المدربين، والمنسقين، وتكاليف الدعم المخصص لأندية الأقسام الوطنية، وتجهيز الملاعب، وأجور الموظفين وأعضاء اللجان، و حتى حاملي الأمتعة والماء والمشروبات .

و ارتباطا بالمستجد الكروي الأخير، فقد قامت الجامعة المغربية لكرة القدم ترتيبات استثنائية تشمل تكاليف المؤن والمواد الغذائية، والمياه المعدنية ومواد التعقيم ، بالإضافة إلى فريق من الطباخين، و طاقم خاص للخدمة سيسهر على تلبية حاجيات البعثة الكروية، فضلا عن الفندق الفخم الذي تم تجهيزه لأفراد البعثة المغربية، دون أن ننسى تكاليف المنح و التعويضات عن المهام .

و في تعليقه على مسألة تدبير الميزانية، قال أسامة البراوي : ” إن قمنا بمقارنة هذه الميزانية، بميزانية جميع المنتخبات المشاركة في الكان، فسنجدها تفوق العديد من المنتخبات بأرقام صادمة، في حين هناك منتخبات بميزانية ضعيفة، أقل بنسبة تقريبية تقدر ب ٪10 من ميزانية الجامعة المغربية لكرة القدم، إلا أنها حققت نتائج محترمة”.

طلب افتحاص مالي

واستفسارا منها عن إشكالية تدبير ميزانية الجامعة الملكية لكرة القدم، في ظل الإخفاق الأخير للمنتخب الوطني في المنافسات الإفريقية المنظمة بالكاميرون، التمست الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب، في طلب وجهته إلى رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، إجراء افتحاص مالي للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، كما جاء في نص الطلب : ” … رغم كل هذه الميزانيات المرصودة للجامعة، إلا أن مشاركة الفريق الوطني أبان عن سوء التدبير والتسيير و تجلى في المستوى الهزيل للمنتخب الوطني الذي لا يليق بتاريخ بلدنا الكروي، وبمكانة بلدنا داخل منظومة الدول الإفريقية، وعليه نلتمس منكم إجراء افتحاص دقيق لمالية الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وتبيان أسباب الضعف و الخلل ، وتحديد المسؤولين عن سوء التدبير “.

إجراء روتيني

وتعليقا منه على طلب الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب، أوضح المحلل الرياضي أسامة البراوي في تصريحه ل”بلادنا24“، أن الشكاية في حد ذاتها تعتبر أمرا روتينيا واعتياديا، قائلا في هذا الصدد :” لقد تعودنا دائما أنه وبعد كل إخفاق كروي، يتم طرح جملة من الأسئلة، تبرمج ضمن أسئلة البرلمان، و تطرح من طرف جمعية حقوقية مثلا، وطبعا من حقها مساءلة رئاسة الجامعة أو حتى وزارة الرياضة، بحيث أن هذا الإجراء بات متوقعا في كل مرة، في حين، لا يتم الحديث عن هذه الأمور المتعلقة بالميزانية حين يحصد المنتخب الوطني نتائج جيدة “.

واستطرد المتحدث قائلا، بأنه من الواجب أن يكون هناك افتحاص مالي في جميع الحالات، ومن حق الشعب المغربي أن يطلع على الأوراش، والمصاريف، والمداخيل التي يجهلها المتابع العادي للشأن الرياضي، فضلا عن الاطلاع على الإستراتيجية التي تتبناها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وكذا النتائج المرجوة التي تسطرها على المدى القصير، المتوسط، والطويل .

ومن جهته، أبرز الصحفي هشام رامرم في تصريحه، أنه لجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب كامل الحق في مساءلة المجلس الأعلى للحسابات حول تدبير الميزانية، متوقعا في هذا الصدد، أن جواب الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم سيتطرق إلى أن الدعم الذي تخصصه لها الدولة عن طريق وزارة الشباب هزيل جدا، مقارنة مع المداخيل الممنوحة من طرف القطاع الخاص .

إحصائيات

وتجدر الإشارة إلى أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تتلقى تمويلات من الوزارة الوصية على القطاع، و كذا دعما ممنوحا من طرف مجموعة من الشركات الممولة، كصندوق الإيداع و التدبير، والمكتب الشريف للفوسفاط، و غيرها، وحسب الإحصائيات المتعلقة بالميزانية التي خصصت للرياضة المغربية سنة 2020، فقد بلغت 250 مليار سنتيم، بنسبة ارتفاع بلغت ٪10 بالمقارنة مع سنة 2019 .

وحسب التقرير المالي للجمع العام السنوي الذي تنظمه الجامعة، فقد أعلن رئيس الجامعة فوزي لقجع أنه تم إنفاق أكثر من 800 مليون درهم بين فاتح يوليوز 2018 و30 يونيو 2019، شملت مصاريف تدبير الجامعة، والبطولة الاحترافية، وكذا دوري الهواة و المنتخبات الوطنية .

هذا الواقع يلح بضرورة السؤال عن الأولوية، وجدوى كل هذه الخسائر التي تتكبدها الجامعة الوطنية لكرة القدم، في حين هناك قطاعات أخرى تشكو من مشاكل هيكلية عميقة كالهدر المدرسي، والهشاشة، والتشرد، والفساد الإداري، وارتفاع معدلات الجريمة، والإدمان، والبطالة، وغيرها من الآفات المتجذرة، والتي لا يجوز ومن غير اللائق مقارنتها بقطاع كرة القدم على وجه الخصوص، وتماشيا مع استراتيجية التوازن المشار إليها بين السطور، تقتضي أهم مدارج الإصلاح إعادة ترتيب الأولويات ترتيبا منطقيا، يتماشى اطرادا مع ما تستوجبه أوضاع القطاعات الجوهرية من تقويم، من أجل التصدي لأوجه القصور وتحقيقا للتوازن المنشود .

اقرأ أيضاً: