اليوم العالمي للقهوة.. رحلة الانتشار العالمي لمشروب يحمل تاريخًا عريقًا

من اكتشافها في إثيوبيا إلى تحولها إلى أشهر مشروب في العالم، استطاعت القهوة أن تتغلغل في مختلف الثقافات البشرية وفي عالم التجارة وأيضا في الطقوس الاجتماعية على مر القرون.

ففي كل فنجان قهوة، لا يكون فقط النكهة المميزة والعبير الساحر ما نستمتع به، بل يتراكم تاريخ طويل من الاكتشافات والمغامرات، وتروي حبوبها الصغيرة قصصًا عديدة عن الثقافات والتبادلات التجارية الدولية، ومن خلال متابعة تحولاتها عبر العصور، نجد أن القهوة ليست مجرد مشروب، بل هي عبارة عن جزء من تراث وتجربة ثقافية تمتد لآلاف السنين.

هدية إثيوبيا للعالم

بدأت قصة القهوة في تلال إثيوبيا الخضراء، حيث اكتشف هناك راعي الأغنام كالدي الخصائص المنبهة للقهوة من خلال أغنامه التي بدأت تظهر نشاطًا غير عادي وحيوية زائدة بشكل لافت بعد تناولها لثمار شجرة معينة.

تزايد فضول كالي الذي ارتبط اسمه باكتشاف القهوة، وقرر تذوق هذه الثمار بنفسه، وشعر بارتفاع في نشاطه وحيويته. قام بمشاركة هذا الاكتشاف مع الرهبان المحليين، الذين اكتشفوا بدورهم أن تحضير القهوة من هذه الحبوب يمنحهم طاقة مستدامة تساعدهم خلال ساعات الصلاة الطويلة.

سرعان ما لفت هذا المشروب انتباه المسافرين والتجار، ووصلت حبوبه إلى اليمن في القرن الخامس عشر، وهناك تمت زراعة البن وتحميصه وتحضيره كأول قهوة في العالم.

تألق هذا المشروب بسرعة وانتشر في جميع أنحاء المنطقة، مما جعله جزءًا مهمًا من ثقافات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتطورت عملية تحميص البن وتحضير القهوة على يد الخبراء، وأصبحت القهوة لاحقًا رمزًا للضيافة والجلسات الاجتماعية في هذه المناطق.

قهوة يمنية.. مهد ثقافة القهوة والمقاهي

أصبحت اليمن سريعًا مركزًا لثقافة القهوة، وظهرت دور المقهى، المعروف باسم “قهوة خانة”، كمراكز اجتماعية حيوية، اجتمع الناس هناك للمشاركة في المحادثات والاستماع إلى الموسيقى والاستمتاع بتحضير هذا المشروب العبق.

أصبحت دور المقاهي مراكزًا للتبادل الفكري، حيث يلتقي الشعراء والفلاسفة والعلماء لتبادل الأفكار أثناء تذوق فناجين القهوة.

وعلى الرغم من جهود اليمن، لم تكن رائحة القهوة الساحرة قادرة على البقاء سراً لفترة طويلة، ففي القرن السابع عشر، جلب تجار أوروبيين القهوة إلى بلدانهم، حيث تم تقديمها في المقاهي بفينيسيا وفيينا ولندن.

هذه المحلات أعادت إحياء التقليد اليمني، حيث كانت مراكز للمناقشات الفكرية وجمع المجتمع، وفي إنجلترا، أطلقت على دور القهوة لقب “جامعات بني” لأنه بثمن فنجان قهوة واحد، يمكن للأشخاص المشاركة في مناقشات مثقفة.

عصر الاستكشاف.. انتشار القهوة حول العالم

لم يتوقف الإعجاب بالقهوة عند هذا الحد، حيث انتقلت فيما بعد عبر المحيط الأطلسي إلى العالم الجديد، ووجدت البيئة المناسبة في الكاريبي وأمريكا الجنوبية، حيث ازدهرت مزارع القهوة، وأصبح البرازيل مركزا مهما لزاعتها حيث الأراضي الخصبة والمناخ المثالي لنمو أشجار القهوة.

وانتقلت رحلة القهوة شرقًا إلى جنوب شرق آسيا، حيث أصبحت إندونيسيا وفيتنام منتجين رئيسيين لها، في الوقت الحالي، تعتبر فيتنام ثاني أكبر دولة تصدّر القهوة في العالم، وهي مشهورة بحبوب القهوة الروبوستا.

وفي حين أن القهوة أصبحت منتجًا عالميًا، إلا أنها شهدت ثورة في العقود الأخيرة، من خلال ظهور حركة القهوة المتخصصة التي غيّرت طريقة استهلاكنا للقهوة، وتؤكد هذه الحركة على النكهات والملامح الفريدة لمناطق القهوة المختلفة والتشجيع على الممارسات المستدامة.

وعملت حركة التجارة العادلة على ضمان تلقي منتجي القهوة تعويضًا عادلًا عن جهدهم، مع معالجة الاختلافات الاقتصادية التي تعاني منها الصناعة غالبًا.

وفي الوقت الحالي، تستمر صناعة القهوة في التطور من خلال الإنجازات التكنولوجية في إنتاجها، من التحميص الدقيق إلى آلات الإسبريسو، ومع ذلك تأتي هذه الابتكارات إلى جانب التركيز المتزايد على الاستدامة حيث يعتمد منتجوها والمحامص والمقاهي على ممارسات صديقة للبيئة والاستدامة للمحافظة على مستقبل هذا المشروب العريق.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *