أجواء العيد في المغرب.. خصوصية ثقافية

للعيد طقوس خاصة متعارف عليها بين الناس وتبدأ هذه الطقوس ما قبل العيد بأيام، إذ يبدأ مشوار البحث عن الأضحية في زحمة الأسواق وتواجد الباعة وإشكالية الحوار بين البائع والمشتري ثم ينتهي الأمر بشراء الأضحية.

وحينما تصل الأضحية إلى الدار تدخل البهجة والفرحة في نفوس الأطفال خاصة، ويبدأ التساؤل والمباركة بين الجيران، وكثرة الأسئلة حول الثمن الذي يدور على الألسنة تبريكا وتهنئة.

نفحات إيمانية

يبدأ صباح العيد بالتكبير والتهليل، والذهاب إلى المصلى أو الجوامع بحسب الظرف المناسب مما يضفي جوا إيمانيا يعكس أهمية العيد لدى المغاربة باعتباره عيدا أكبر أو عيد الأضحية، وتتردد أصداء الجوامع بالتكبير والتهليل والتحميد.

تبدأ صلاة العيد بتكبيراتها المعروفة، ثم تنتهي عند السلام عند اليمين واليسار، وبعد ذلك يعتلي الخطيب ويلقي خطبة العيد حاضا المسلمين على التسامح والمحبة والعناية بالفقراء وتقديم العون لهم، ثم تبدأ التهاني بين المصلين قصد الوصول إلى البيت حيث الأضحية جاهزة للذبح.

والملاحظ أن ما يميز المغرب عن بقية الشعوب العربية أنه أكثر التزاما بذبح الأضحية وسط طقوس خاصة على مستوى اللباس والعادات والتقاليد التي توحي بجو له خصوصية في استقبال العيد.

وفي البيت تفضل بعض الأسر “الجزار” لنحر الأضحية، ويتقدم رب المنزل لذبحها وسط التهليل والتكبير ثم يترك الأمر بعد ذلك إلى الجزار حتى تتم عملية السلخ، وهذا الغالب لدى الناس.

مهن جديدة.. وتآخي اجتماعي

بمناسبة العيد تظهر مهن جديدة سواء في الأسواق من خلال حمل الخروف على الأكتاف أو نقله عبر عربة لإيصاله للدار، بعد شراء “الكوردة” التي تباع من طرف كثير من الأطفال أو الشباب مما يدر عليهم بعض المال.

كما يظهر بائع “الفاخر” وبائع التبن على قارعة الطريق يبيع هذه الأشياء لمن يريد، وبجواره من يقوم بشحذ السكاكين عبر آلة ميكانيكية أو آلة تقليدية، ولا تظهر هذه المهن إلا في عيد الأضحى، فهي مهن موسمية مرتبطة بهذه المناسبة.

والملاحظ من خلال هذا العيد أن هناك نوع من التآخي الاجتماعي، لاسيما عند الموسرين الذين يتبرعون بطريقة سرية وأحيانا علنية لمد الفقراء بأضحية العيد، أو عبر مبالغ مالية تساعدهم على شراء الأضحية، وهو شكل من أشكال التكافل الاجتماعي الذي يظهر في هذه المناسبة.

مائدة العيد الصباحية

لاشك أن المطبخ المغربي غني بمواده الغذائية وأشكاله المتنوعة من الحلويات والمأكولات بحضور الشاي المنعنع، والذي يعتبر شيئا أساسيا لا غنى عنه عند الإفطار، وأكثر ما يلفت النظر كثرة الحلويات و”الرغايف” و”البريوات” موضوعة على الطاولة لمن يريد تناولها.

على أن سيد الإفطار يوم العيد “كبد الأضحية” أو ما يسمى “بولفاف”، وهي الكبد المغلفة بشحمة الخروف الرقيقة والتي لها مذاق خاص عند تناولها صباحا. إنه الإفطار السنوي لدى المغاربة أيام العيد، وذلك بعد سلخ الخروف وإخراج أمعائه وتنظيفه التنظيف الجيد.

وتبقى الأضحية معرضة للهواء وأشعة الشمس ريثما تجف أو تيبس، وهو خلاف ما درج عليه المشارقة في ذبح الأضحية حيث تقسم في المشرق إلى ثلاثة أقسام بمجرد ذبحها، قسم لصاحب الأضحية، وقسم للأقارب، وقسم للفقراء، وتتم عملية التوزيع مباشرة.

وتأتي بعد ذلك عملية الفرز في اختيار اللحوم، فهذا قسم للفران، وهذا قسم للمروزية، وهذا قسم للقضبان والكفتة معا، وهذا قسم للقديد، ويحتفظ بالذيالة بمناسبة خاصة، أما جلد الأضحية “الهيدورة” فالبعض يحتفظ بها والغالبية تتبرع بها أو تعطى لمن يطلبها.

مساء العيد

بعد هذه الرحلة الشاقة في اقتناء الأضحية وذبحها والتفاعل معها على صعيد الذبح والسلخ والأكل والشرب، يخلد الناس إلى الراحة، إلى ما قبل العصر، ويبدأ الناس بالتواجد في الشوارع والمقاهي ولا حديث إلا عن الأضحية والأزمات التي رافقتها من حيث الثمن والجودة والشكل والصغر والكبر، إلى آخر ما تعود عليه الناس في هذه المناسبة.

العيد فرصة لاجتماع العائلات وتبادل الأحاديث والتهاني، وتبادل الزيارات مع لبس أفخر الثياب الرجالية والنسائية، وقد تزين الأطفال بثيابهم الجديدة، فالفرحة غامرة والوجوه مستبشرة وهذه من مكارم العيد.

ويبقى للعيد في المغرب خصوصية متميزة ومتوارثة عبر الأجيال، إلى أن استقرت في صورتها الجميلة والمعبرة عن العمق الإيماني لدى الشعب المغربي.

بلادنا24 – مريم الأحمد |

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *