وسط أزمة حادة.. كيف سيتعامل المغرب مع الزراعات الأكثر استهلاكا للمياه؟

يواجه المغرب أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من ثلاثة عقود، لكن لا يزال البلد يواصل إنتاج وتصدير المحاصيل التي تتطلب كميات كبيرة من المياه. ومع اقتراب فصل الصيف، قد يؤدي موسم الجفاف القادم إلى زيادة الإجهاد المائي، كما أن المغرب ليس وحده، بل جميع أنحاء منطقة المغرب العربي، وفق تقارير، تعاني من ظروف الجفاف القاسية في أوائل سنة 2023.

وتعود الزيادة في تواتر فترات الجفاف وشدتها في البلاد، إلى تغير المناخ ونقص المياه، حسب تقرير “تقييم الجفاف”، الذي نُشر في نهاية العام الماضي. وفي الصيف الماضي، اضطرت السلطات إلى تقنين المياه مع انخفاض الاحتياطيات بنسبة 28 بالمائة، انخفاضا عن 46 بالمائة في عام 2021.

واعتبارا من 20 فبراير من هذا العام، بلغ معدل ملء السدود في المغرب مستوى مماثلا للسنة الماضية عند حوالي 33 بالمائة. كما يثير الجفاف الشديد في منطقة المغرب العربي، وفي المغرب، تساؤلات حول الآثار المحتملة على الزراعة وتوافر المياه.

الزراعة تتأثر بندرة المياه

تشكل الزراعة 88 بالمائة من استهلاك المياه في المغرب، بحسب بيانات البنك الدولي. ونسبيا، يمثل القطاع 80 بالمائة من استهلاك المياه في الولايات المتحدة، وحوالي 70 بالمائة من استخدام المياه العذبة على مستوى العالم. وهذا يعني أنه عندما ينخفض توافر المياه، تنخفض غلة المحاصيل، مما يؤثر على سبل عيش المزارعين.

ومعلوم أن الزراعة تعد جزءا أساسيا من الاقتصاد الوطني. ويشمل القطاع، إلى جانب صيد الأسماك والغابات، 31 بالمائة من القوى العاملة في المغرب، وفقا لإدارة التجارة الدولية الأمريكية. وهي تلعب الدور الأكبر في مداخيل وسبل عيش المغاربة الذين يعيشون في المناطق الريفية.

ووفقا لبيانات البنك الدولي، تساهم الزراعة أيضا في ما يقرب من 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب. ومع نقص المياه العام الماضي، انخفضت قيمة قطاع الزراعة بنحو 14 بالمائة.

ومن المجالات التي تضررت بشكل خاص، إنتاج الحبوب، ففي سنة 2022، انخفض إنتاج الحبوب بنسبة 60 بالمائة عن المتوسط، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الجفاف.

وقد أدى ذلك إلى اعتماد المملكة على الواردات في معظم احتياجاته من الحبوب. كما استوردت البلاد السنة الماضية، أكثر من 8.8 مليون طن من الحبوب، بزيادة 23.2 بالمائة عن العام السابق، مما يجعلها واحدة من أكبر مستوردي الحبوب في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك، ليست كل الجوانب مظلمة، فبالنسبة لإنتاج القمح، تشير التوقعات الآن إلى أن إنتاج القمح قد يزيد بنسبة 41 بالمائة اعتبارا من سنة 2022، وفقا لتوقعات وزارة الزراعة الأمريكية.

وسيسمح هذا الانتعاش للمغرب، بتخفيض وارداته من المحصول بنحو 7 بالمائة. كما يشار أنه يستورد معظم قمحه من فرنسا، التي تعتبر أكبر مصدر للقمح في الاتحاد الأوروبي.

وفي نفس السياق، من المقرر أن تفرض الحكومة، تعريفة بنسبة 135 بالمائة على واردات القمح، اعتبارا من 31 ماي، وفقا لتقرير صادر عن :ستاندرد آند بورز غلوبال”. ومن المفترض أن تحمي التعريفة المزارعين المحليين من المنافسة الدولية وتشجع الإنتاج المحلي للقمح.

بالإضافة إلى ذلك، تراجعت صادرات المغرب من الحمضيات بنسبة 40-50 بالمائة هذا الموسم بسبب الجفاف، بحسب تقرير صادر عن منصة “فريش بلازا”. وهذا يتجاوز توقعات وزارة الزراعة الأمريكية في دجنبر 2022 بشأن انخفاض بنسبة 35 بالمائة في إنتاج الحمضيات، بسبب ضغوط إعادة توجيه موارد المياه.

غير أن هطول الأمطار في فبراير ومارس من هذا العام، ساعد في تنشيط الصناعة، ومن المقرر أن يساعد قطاع الحمضيات على التعافي.

استمرار إنتاج المحاصيل كثيفة المياه بالرغم من الأزمة

في الآونة الأخيرة، حقق المغرب أعدادا قياسية من إنتاج الأفوكادو والخيار والبطيخ – وكلها محاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه. ومع استمرار مواجهة البلاد للجفاف الشديد، فإن بعض الجماعات البيئية، مثل حركة “المغرب البيئة 2050″، تدعو الحكومة إلى وقف إنتاج هذه المحاصيل، وتركيز موارد المياه الجوفية المحدودة في أماكن أخرى.

وتعتبر الأفوكادو، من المحاصيل التي تتطلب كميات كبيرة من المياه. وتحتاج حبة أفوكادو واحدة إلى حوالي 320 لترا من الماء لإنتاجها. لكن لا يزال المغرب ينتج هذا الموسم 40 ألف طن من الأفوكادو – وهو رقم قياسي تقريبا.

ولا يبدو أن التخفيضات الكبيرة للإنتاج، ستأتي في أي وقت قريبا. حيث قال الرئيس التنفيذي لإحدى شركات التصدير المغربية، في تصريح صحفي، إن إنتاج الأفوكادو “يسير في طريقه ليرتفع ثلاثة أضعاف إلى 100 ألف طن بحلول عام 2027”.

ويعد الأفوكادو قادرا على الاستمرار في النمو، على الرغم من الجفاف، لأنه يزرع في بعض المناطق الغنية بالمياه، مثل منطقتي الغرب ولوكوس. وقال الرئيس التنفيذي، إن هذه المناطق بها احتياطيات كبيرة من المياه الجوفية، ولا تتأثر بندرة المياه.

أما بالنسبة للخيار، فقد قام المغرب في العام الماضي، بتصدير 20 ألف طن من الخضار إلى الأسواق الخارجية، مع توجه أكثر من 80 بالمائة من تلك الصادرات إلى دول داخل الاتحاد الأوروبي. على الرغم من أن الخيار لا يستهلك الماء مثل الأفوكادو، إلا أنه يأخذ ضعف كمية الماء، مقارنة بمحاصيل أخرى مثل الطماطم والفلفل والذرة.

كما ضاعف المغرب صادراته من البطيخ إلى الاتحاد الأوروبي، من حوالي 149 ألف كيلوغرام في عام 2019 إلى 270 ألف كيلوغرام في عام 2022. وهذا ما جعل المغرب ثاني أكبر مصدر للبطيخ إلى الاتحاد الأوروبي، ولم تتجاوزه إسبانيا وحدها.

وتجدر الإشارة، إلى أنه في شتنبر 2022، أنهت السلطات دعمها لزراعة الأفوكادو والبطيخ والحمضيات، بهدف تقنين المياه المستخدمة لهذه المحاصيل.

كيف يكافح المغرب نقص المياه؟

اتخذت السلطات بعض الإجراءات لمكافحة هذا الجفاف. ويمتلك المغرب 152 سدا كبيرا، كما يقوم ببناء 16 سدا، إضافيا لزيادة سعة تخزين المياه في البلاد.

ومن أجل تحقيق أهدافه المائية، يتطلع المغرب نحو موارد المياه التقليدية وغير التقليدية لإدارة الطلب على المياه وتنميتها، وفق وزير التجهيز والماء، نزار بركة، في مارس، خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023. مضيفا أن المغرب يطور مشروعا لتحسين إمدادات المياه للرباط والدار البيضاء من خلال ربط حوضي سبو وأبي رقراق.

وقال بركة، إن مشاريع تحلية المياه هي “خيار آخر للبلاد”، وعلى الرغم من أن تحلية المياه عملية كثيفة الاستهلاك للطاقة، إلا أن الطاقات المتجددة يمكن أن تساعد في تقليل هذا الضغط على الموارد. وبالفعل، استخدمت محطة التحلية في الداخلة طاقة الرياح لتقليل تكلفة إنتاجها من المياه.

وبالإضافة إلى ذلك، يواصل المغرب تنفيذ برنامجه الوطني للري الموفر للمياه، والذي يهدف إلى حماية الموارد المائية، وتحسين الظروف المعيشية في المناطق الريفية.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *