المرصد الإفريقي للهجرة يتبنى “تالوث” الاستيعاب.. الاستباق والتنفيذ


 

في إطار انفتاحه على محيطه الإقليمي والدولي، وتكريسا لمصداقيته في الدفاع عن حقوق الإنسان، نهج المغرب، ومنذ الإستقلال، مسارا متقدما في موضوع قضايا الهجرة، حيث بادر بإرساء جملة من الاستراتيجيات المتبصرة، تروم بلورة سياسية متعددة الأبعاد، تعنى بشكل أساسي بحماية المهاجرين، واتخذت صيغا متعددة في بعدها الإنساني، الحقوقي، والاقتصادي، من خلال تحقيق مبادئ المقاربة الإندماجية التي تقوم، أساسا، على تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين، و كذا تيسير انخراطهم في حلقة الإنتاج الوطني، وعلى هذا الأساس، استند المغرب على معايير متقدمة في طرق التعامل مع ملف المهاجرين، استغل خلالها خبرات عالية، حظيت بتنويه عالمي، وخصوصا من لدُن البلدان الإفريقية، مما مكنه من أن يصبح نموذجا يحتذى به في هذا المجال، إقليميا و دوليا، لاسيما بعد تحوله من بلد عبور إلى بلد استقبال للمهاجرين.

تقرير ملكي في القمة ال35 للاتحاد الإفريقي

وتأكيدا لهذا التوجه، قال الملك محمد السادس في التقرير الرائد حول تتبع تفعيل المرصد الإفريقي للهجرة في المغرب، والذي قدمه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، يوم الأحد السابع من فبراير من هذه السنة، أمام القمة العادية الخامسة والثلاثين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، المنعقدة في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، إن تدبير الهجرة ينبغي أن يقترن أساسا بمبدأ المسؤولية، لافتا الانتباه إلى التأثير الكبير الذي لحق الهجرة بسبب تداعيات الجائحة، المتمثل في إغلاق الحدود و التدابير التقييدية وانعكاساتها على حركية المهاجرين، مما أدى إلى تفاقم التعرض للاتجار البشر .

إحصائيات

وأوضح التقرير ، أن مساهمة المهاجرين في تنمية قارتهم الأم، واصلت تقدمها لتبلغ 78،4 مليار دولار في أكتوبر 2020، أي ما يشكل نسبة ٪11،7 من التحويلات العالمية، وأن الاقتطاعات التي تعتمدها مؤسسات تحويل الأموال الدولية تبلغ أحيانا ٪15، مما يمثل عجزا يقدر ب 1،6 مليار يورو من الأرباح السنوية للقارة الأفريقية، وحسب التقرير، فقد زادت الهجرة الإفريقية في الفترة الممتدة بين سنتي 2015 و2019 بنسبة ٪13، مشيرا إلى أنها لا تمثل سوى ٪14 من إجمالي عدد المهاجرين الدوليين، ومبرزا في السياق ذاته، أن الاقتطاعات التي تعتمدها مؤسسات تحويل الأموال الدولية تبلغ أحيانا ٪15، مما يمثل عجزا بنحو 1.6 مليار يورو من الأرباح السنوية للقارة الإفريقية، و في سياق مضي سنوات قليلة على عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي،  قال الملك محمد السادس في نص التقرير “بمجرد استعادة المملكة المغربية مكانتها داخل الاتحاد والشروع في المساهمة في تحقيق أجندته، فإن جهودها ستنكب إلى لم الشمل والدفع به فعليا إلى الأمام”، وحسب آخر الاحصائيات الرسمية، فإن عدد المهاجرين في المغرب يتراوح ما بين 40000 و 90000 مهاجر(ة) في منتصف عام 2020 .

الدبلوماسية المغربية وملف الهجرة

و في هذا الصدد، أوضح عبد الحق البكوري، أستاذ علم الاجتماع، ومدير المركز الجامعي لدراسات الهجرة بجامعة محمد الأول بوجدة في تصريحه ل”بلادنا24″، أن الدبلوماسية المغربية تشتغل على مستوى قضايا الهجرة، وفق استراتيجيات محكمة، تزاوج ضمنيا بين الاهتمام بالهجرة الداخلية والخارجية على حد سواء، وذلك عبر مؤسساتها الوصية، سواء من خلال القنصليات المغربية، أو المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، داخل المغرب وخارجه، وفي مختلف دول العالم، مشيرا في هذا السياق إلى قدرة المغرب على تجسير العلاقات مع مختلف الفاعلين في قضايا الهجرة، من منظمات وهيئات دولية، مثل ما تشير إلى ذلك مجهوداته المهمة مع الاتحاد الأوروبي، أو مع دور أمريكا اللاتينية، أو وبصورة خاصة مع دور الاتحاد الافريقي، وهو ما ساهم في إنتاج مجموعة من السياسات الفاعلة في تدبير ملف الهجرة، بدءا من استحداث الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء في ال9 شتنبر 2013، وصولا إلى مطلب إنشاء المرصد الإفريقي للهجرة.

إنشاء المرصد الإفريقي للهجرة

وأكد البكوري أن ملف الهجرة يعتبر رهانا جوهريا بالنسبة للمغرب، وطنيا ودوليا، وذلك منذ زمن بعيد، وهو ما تؤكده  سياساته الداخلية والخارجية، وبصورة خاصة، مجهوداته الملحوظة على المستوى القاري منذ عودته للاتحاد الافريقي، حيث اقترح ملك المغرب خلال القمة ال31 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الافريقي، التي عقدت بنواكشوط، في الـ 1و2 من يوليوز 2018، إنشاء المرصد الإفريقي للهجرة، باعتباره جهازا جديدا للاتحاد الافريقي، وتم تأييد الاقتراح والاتفاق على إنشاء المرصد، بقرار من مجلس السلم والأمن رقم 771، كما طلب قرار مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الافريقي رقم 787 بتاريخ 27 يونيو 2014 من مفوضية الاتحاد الافريقي لتسريع إنشاء مرصد الهجرة في المغرب.

تالوث أساسي

وأكد المتحدث أنه ، ونظرا لأهمية المرصد من خلال الوظائف التي يضطلع بها، والممثلة أساسا في ثلاثية متداخلة، الاستيعاب، الاستباق والتنفيذ، الأمر الذي من شأنه التعزيز بمختلف أشكال التنسيق والتواصل بين بلدان الاتحاد الافريقي، فضلا عن تعزيز القدرات الأمنية والاستراتيجية في تدبير قضايا الهجرة، فإن المغرب واصل مجهوداته لتفعيل وتطبيق هذا المطلب، والتي انتهت بتوقيع حكومة المملكة المغربية والاتحاد الافريقي في ال10 دجنبر 2018 في مراكش، اتفاق المقر المتعلق بإنشاء المرصد الافريقي للهجرة، مبرزا بأنه قد تم اعتماد النظام الأساسي المرصد في القمة ال33 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الافريقي التي عقدت في الفترة الممتدة ما بين 9 و11 فبراير 2020، واستنادا إلى هذه الأسس القانونية، وامتثالا لهذه القرارات المؤسساتية، تكللت العملية بالافتتاح الرسمية لمرصد الهجرة الافريقي في الرباط يوم 18 دجنبر 2020، والذي تزامن رمزيا مع اليوم العالمي للمهاجر.

وظائف جوهرية

و في الشق المرتبط بالدور المحوري الذي يلعبه المغرب في المرصد الإفريقي للهجرة، أوضح  أن القارة الأفريقية بواسطة هذا المرصد، ستكون قادرة على تعزيز قدراتها الميدانية، وتوفير أداة للتنسيق والتواصل، كما سيقوم المرصد بدور تنسيقي مزدوج على المستوى الوطني بين مختلف الإدارات والمؤسسات والجامعات ومراكز البحث،  وعلى المستوى القاري بين مختلف المجموعات الاقتصادية والاقليمية، مضيفا أن مساهمة المرصد بالنسبة للقارة الإفريقية بشكل عام تتجلى في تيسير الحوار و التفاعل بين الخبراء بهدف تعزيز اعتماد مفاهيم وأدوات موحدة، وعلى المستوى الدولي كذلك سيكون قادرا على توجيه سياسات الدولة، من خلال تشكيل أداة للتوعية، من خلال دعم اتخاذ البيانات وتحليلها ونشرها، والذي يتم عبر القيام بدراسات ميدانية حول إشكالية الهجرة، سواء في المغرب، أو في القارة الأفريقية، وكذلك رصد الاتجاهات العامة ومراقبتها.

أوضاع هادئة

وفي السياق ذاته، أبرز المتحدث نفسه أن جل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، التي عرفتها الدول مؤخرا بسبب تأثير الجائحة، لم تزد من تفاقم أوضاع العمال المهاجرين، لاسيما في صفوف النساء والشباب، بل ان التأثير كان إيجابيا للمهاجرين إلى البلدان المضيفة مثلا، وهذا التأثير كان في اتجاه أن جميع الدول، وخاصة المغرب، حاول أن يعالج هذه الإشكالية بمكافحة الجائحة ، وكذلك من خلال التحويلات المالية للعمال المغاربة المقيمين بالخارج، مضيفا أن للمرصد ثقل حقيقي في بلورة سياسات الحكومة، سواء في المغرب أو في الدول الإفريقية، أخذا بعين الاعتبار، أن إشكالية الهجرة تتجه صوب للتنمية و العدالة، وبالتالي فإن ظاهرة الهجرة في المغرب، أو بالنسبة للقارة الإفريقية، أو حتى على المستوى الدولي ظاهرة تساهم في التطور و النمو الاقتصادي وغير ذلك.

مرتكزات أساسية

وفي تصريحه ل”بلادنا24″، قال وسام شهير، مدير المركز الجامعي للدراسات والبحوث الإفريقية بجامعة محمد الأول بوجدة، إن المغرب يعتمد في معالجته لملف الهجرة على ثلاثة محاور أساسية، يتجلى أولها في جعلها اختيارا وليس ضرورة داخل حدود القارة الإفريقية، يليه ضرورة تجاوز الصورة النمطية حيال المهاجرين سواء داخل أو خارج القارة الأفريقية، ثم انخراط المغرب في إعداد مخطط يحترم حقوق المهاجرين، في إطار التنسيق الداخلي، والذي يقضي بمواكبة التحديات، والعمل على إيجاد الحلول دون انتظار تدخل دول الشمال، التي تسعى بدورها إلى استقطاب هجرة الدمغة، الأمر الذي يخدم مصالحها، ويضر بمصالح الدول الإفريقية.

مسار تاريخي

وارتباطا بالسياق التاريخي، أوضح وسام شهير أن المغرب يعد مركز استقبال أكثر من أن يكون وجهة عبور، وقد كان يستقطب هجرة العديد من القبائل القادمة من المشرق، خاصة بعد دخول الاسلام في منتصف القرن ال11 ميلادي، وفي أواخر القرن ال15 وبداية القرن ال16، كان يستقبل المهاجرين القادمين من الشمال، خصوصا مع محاكم التفتيش، مشيرا إلى أن المهاجرين لطالما كان يعتبرون المغرب الملجأ الأول والأخير، خصوصا في الوقت الذي كانت تشهد بلدانهم حالة من اللا-استقرار.

خصوصية بثلاثة عوامل

وفي سياق متصل، أشار المتحدث إلى أنه وبعد احتلال الجزائر سنة 1830، استقبل حينها المغرب المهاجرين الجزائريين بأمر من السلطان عبد الرحمان بن هشام، أصدر حينها المغفور له قانونا يقضي بمعاملة هؤلاء المهاجرين بنفس المعاملة التي يحظى بها المواطنين المغاربة، وارتباطا بالنسق التاريخي ذاته، أوضح وسام شهير في تصريحه، أن الهجرة نحو المغرب لها خصوصية تتسم بثلاثة عوامل أساسية، اقتصادية، سياسية، ودينية، ويتجلى العامل الاقتصادي في أن المغرب كان مركزا لتجارة القوافل الصحراوية، وأداة وصل ما بين دور جنوب الصحراء والساحل وباقي دول العالم، وخاصة أوروبا.

ويتجه العامل السياسي إلى ارتباط دور الجنوب سياسيا بالمغرب، بداية من الدولة المرابطية، الموحدية، والمدنية، في حين توغلت وبشكل أكبر الدولة السعدية في الصحراء ، وقد كان مواطنو غرب إفريقيا يعتبرون مغاربة، خاصة مواطنو كل من النيجر و السينغال وغيرها، أما بخصوص العامل الديني، فقد أبرز المتحدث نفسه أن القوافل التي كانت تتجه إلى الحج، كانت في انتقالها تمر عبر المغرب، فضلا عن أن مدينة فاس تعد العاصمة الروحية لإفريقيا، وذلك لاحتضانها ضريح سيدي أحمد التيجاني، الذي انتقل بدوره في بداية القرن 19 إلى المغرب، واستقر فيه.

من عبور إلى وجهة استقبال

ويعزو مدير المركز الجامعي للدراسات والبحوث الإفريقية بجامعة محمد الأول بوجدة السبب لانتقال المغرب من دولة عبور إلى وجهة استقبال، إلى أن تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين تدخل في السياسة العامة التي ينهجها الملك محمد السادس اتجاه افريقيا، بشكل تفضيلي، وفق مخطط يرتكز على تعزيز التعاون ، وهو ما يجعل المواطن الإفريقي يحظى بنفس الأولوية التي يحظى بها المواطن المغربي، بدون انتظار املاءات دول الشمال.

مسار التزام

إقرارا منه على احترام مبدأ الالتزام بمراعاة حقوق المهاجرين، وحرصا على تنفيذ مرتكزات الاتفاقيات الدولية المصادق عليها، فقد عرف مسار تدبير ملف الهجرة في المغرب محطات مهمة، تميزت بمراحل بارزة استهلت بإرساء مرحلتين لتسوية وضعية المهاجرين، ففي سنة 2014، تكمن المغرب من تسوية الوضعية القانونية لفائدة 25 ألف مهاجر فيما استأنفت المرحلة الثانية سنة 2016، وفي سنة 2017، ألقى الملك محمد السادس خطابا  ساميا أمام المشاركين في أشغال القمة ال28، لقادة دول و رؤساء حكومات بلدان الاتحاد الافريقي، حيث أعطى موافقته الكاملة، من أجل تنسيق عمل الاتحاد الافريقي في مجال الهجرة، ليقدم بعدها أمام القمة ال29، مذكرة أولية تصوغ رؤية المغرب للأجندة الإفريقية حول الهجرة اختتمت خلالها الأشغال باتحاد القادة، ببلورة حلول ملائمة تهدف إلى مواجهة التحديات .
وفي سنة 2018، جرى اختيار المغرب من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، لاستضافة المؤتمر الدولي، حيث عرف  اعتماد “الميثاق العالمي للهجرة الآمنة و المنظمة و المنتظمة”، وأرسى منهجية للتعاون بين دول المنشأ و دول الاستقبال، و يأتي هذا الاختيار تكريسا للدور المحوري الذي تلعبه المملكة المغربية في مجال تدبير ملف الهجرة، و كذا اعترافا بجهود المملكة في تفعيل الحكامة المسؤولة للهجرة.

 

 

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *