جلود الأضاحي.. ثروة اقتصادية تخلف أزمة بيئية كبيرة

تستمر المهن الموسمية التي ترافق عيد الأضحى، في الظهور. فبعد الانتهاء من شحد السكاكين، ومراحل ذبح وسلخ الخروف، و”تشويط الريوس”، تبدأ مباشرة عملية جمع وفرز جلود الأضاحي، وتقطيع اللحم في اليوم الذي يليه، بما ينذر باستمرار الرواج الاقتصادي لذى فئة كبيرة من الشباب، الذين يتخذون من هذه المناسبة فرصة لجمع بعض النقود لتوفير حاجياتهم، أو مساعدة ذويهم في تأمين لوازم “العيد الكبير”، حيث يكثر الطلب.

غياب الخبرة

وإلى جانب ازدهار عدد من الأنشطة الاقتصادية التي لا يتعدى عمرها أسبوعين كأكثر تقدير، بما يعود بالنفع على عدد من الشباب العاطلين عن العمل، ولو بمدخول بسيط، يشهد قطاع الجلد رواجا ملحوظا خلال هذه الفترة من السنة، حيث تشهد فترة عيد الأضحى كل عام، ذبح أعداد كبيرة من الخرفان والماعز، التي لا توفر فقط كميات كبيرة من اللحوم، ولكنها توفر منتجات أخرى، أهمها الجلود، التي قد يساء استخدامها في بعض الأحيان، إما من خلال إهدارها، أو إلقائها في صناديق القمامة، لعدم العلم بأهميتها، أو إمكانية الاستفادة منها، في حين أنها يمكن أن تدخل في الصناعة، ولا سيما في المنتجات الجلدية على تنوعها.

في هذا السياق، أكد عبد العالي، يبلغ من العمر 45 عاما، يمتهن كغيره من سكان مدينة فاس، حرفة الدباغة، بدار الدباغ بالمدينة القديمة، على أن هذا القطاع بالنسبة إليه، مهنة لكسب لقمة العيش، ومحاولة لمنع اندثار حرفة أجداده، التي تعد من أكثر الحرف التقليدية قدما بالمغرب. مشددة على أن “فترة عيد الأضحى، تعد من الفترات المعروفة التي يتم فيها ضخ كميات كبيرة من الجلود في الصناعة بشكل عام”. مشيرا إلى أن “كمية الجلود التي تتوافر خلالها، تصل إلى ثلاثة أضعاف المعتاد تقريبا”.

وأوضح المتحدث عينه، في تصريح “بلادنا24“، أن “الكثير من المغاربة، وكذا جزاري اللحم، يتعاملون مع جلود الأضاحي بعد عملية الذبح بشكل غير احترافي، إما بسبب غياب الخبرة عند المواطنين، أو ارتفاع الطلب على الجزار لذبح الخرفان، وهو ما ينتج عنه في كثير من الأحوال، فساد جلد الأضحية، بسبب السرعة في التعامل معها، وعدم القدرة على الاستفادة منه، ناهيك عن بعض السلوكيات الأخرى، مثل رمي الجلود في الشوارع، مما يجعلها عرضة للتمزيق من طرف الكلاب والقطط”.

مادة أولية مصيرها التلف

ورغم الدعوات المهنية التي تطلق خلال فترة العيد، والتي تنبه إلى أهمية جلود الأضاحي، أو كما يطلق عليها عند الأسر المغربية بـ”الهيدورة”، حيث تعد بمثابة المادة الأولية لقطاع الصناعات الجلدية، إلا أن مصير حوالي 85 في المائة من هذه الجلود، يكون هو التلف، ما يضعنا أمام إشكالية أخرى لها علاقة بتزايد نسبة الثلوث داخل عدد كبير من المدن خلال هذه الفترة، خصوصا في ظل استمرار ارتفاع درجات الحرارة، التي تسرع من عملية تخمر الجلود، ما ينتج روائح كريهة تأرق راحة سكان عدد من الأحياء، خصوصا الشعبية منها.

وبناء على أرقام رسمية، تبلغ واردات المغرب بقطاع الجلد، حوالي 70 مليون درهم، رغم الكميات المهمة من الجلود التي توفرها مناسبة عيد الأضحى كل سنة، حيث يتم ذبح أزيد من 6 ملايين أضحية، وسط حسرة مهنيو القطاع الذي شهد انتعاشة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، على إهدار ثروة جلدية مهمة تعد المادة الأولية للقطاع، بسبب عدم الاستغلال الأمثل لجلود الأضاحي التي تخلفها هذه المناسبة الدينية.

الاستهتار يفوت القطاع مئات ملايين الدراهم

ولمعرفة حجم الخسائر الاقتصادية التي توفرها بعض من هذه الأنشطة الموسمية، على رأسها عملية فرز جلود الأضاحي وإعدادها لتصبح جاهزة، قال المحلل الاقتصادي، محمد جذري، إن عيد الأضحى “أصبح يشكل مناسبة استهلاكية بامتياز خلال السنوات الأخيرة، حيث تعرف مجموعة من المهن التي تخلق قبل هذه المناسبة وبعدهها، من بينها قطاع جلود الأضاحي، نسبة نشاط مرتفعة جدا”. مشيراً إلى أن “الاستهتار بأهمية هذه الأخيرة، يفوت على قطاع الجلد، بصفة خاصة، والاقتصاد الوطني بصفة عامة، مئات ملايين الدراهم”.

وشدد جذري، في تصريح لـ”بلادنا24“، على أن جميع الأنشطة التي تزدهر خلال فترة العيد، كجمع “الهيدورة”، من أجل تدويرها، وجعلها قابلة للتصنيع، “تحقق نسبة معاملات تتراوح ما بين 3 إلى 4 مليار درهم”. مبرزا أن عدم العناية بجلد الأضحية، “يتسبب في خسائر مالية كبيرة، ويضيع ثروة جلدية مهمة، تقدر بما يفوق 500 مليون درهم، في ظل غياب رأية لتثمين هذه المادة”.

هذا الرواج الاقتصادي الذي يشهده قطاع الجلد وغيره، يضيف المتحدث عينه، “من شأنه أن يخلق مجموعة من فرص الشغل بالنسبة لعدد من المواطنين، وكذا الشباب الذين يعانون من البطالة، التي أصبحت اليوم تقارب 14 في المائة على المستوى الوطني، في ظل تراجع القدرة الشرائية للمغاربة، نتيجة الارتفاع الكبير الذي تعرفه جل المواد الغذائية الأساسية منذ أشهر طويلة”.

ولعل ما يزيد من أهمية هذه الجلود خلال هذه الفترة، هو نوعية “الهيدورة”، حيث يرى بعض العاملين في قطاع الجلد، أن جلود أضاحي العيد، تختلف عن غيرها التي يتم جمعها من المجازر في باقي أيام السنة، وذلك يرجع إلى المراقبة المشددة التي يعرفها قطاع الأعلاف من طرف الجهات المعنية، مما ينعكس على جودة الجلود.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *