فاتح ماي.. رهانات الشغيلة الصحية تتكسر على حجرة الجمود الحكومي (حوار)

تخلد الشغيلة المغربية ذكرى عيدها الأممي، فاتح ماي، وهو الاحتفال الذي يتزامن مع استمرار حالة الاحتقان في عدد من قطاعات الوظيفة العمومية، بسبب تعثر الوعود الحكومية، مع تدهور الأوضاع المعيشية، الأمر الذي طال حتى فئات متوسطة داخل الوظيفة العمومية.

ولعل شغيلة قطاع الصحة واحدة من هاته الفئات، التي لم يشفي اتفاق 29 أبريل 2024 بين الحكومة والمركزيات النقابية غليلها، كما عاشت حالة من الاحتقان، انطلاقا من إضرابات الأطباء والممرضين، مرورا بأزمة طلبة الطب، ثم أعطاب تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، هذه الإشكالات وأخرى يستعرضها، بمناسبة فاتح ماي، إسماعيل مهداوي، الكاتب الجهوي للمنظمة الديمقراطية للصحة بجهة فاس مكناس، المنضوية تحت لواء المنظمة الديمقراطية للشغل، في حوار له مع “بلادنا24“.

بداية، تزامنا وفاتح ماي، ما سبب استمرار حالة الاحتقان في صفوف الشغيلة الصحية رغم العرض الحكومي؟

بداية، الحديث عن حالة الاحتقان داخل القطاع الصحي، ليس وليد اليوم، بل يعود لسنوات خلت، بسبب تنزيل اتفاقية يوليوز 2011.

فبالعودة لهذه الاتفاقية، كانت مضامينها غنية، وضمت مجموعة من المكتسبات، مثل المعادلة العلمية والإدارية للممرضين فيما يخص السلم 10، أي بداية نظام الإجازة الماستر الدكتوراه في العلوم التمريضية.

من ضمن المكتسبات أيضا، الاتفاق على المؤشر 509 بالنسبة للأطباء، إلى جانب مضامين تهم الإداريين والمساعدين الطبيين، كما أن الاتفاق شمل أيضا التعويض عن المردودية والحراسة والخدمة الإلزامية

لكن وللأسف، فإن حكومة ابن كيران الأولى لم تلتزم بتنزيل الاتفاق، كما أن حكومة العثماني اختارت تنزيلا “ناقصا”، وهي التي اختارت من الاتفاقية ما يهم فئة الممرضين فقط، الذين استفادوا أيضا من المعادلة، في حين أقصيت فئات أخرى، وحتى الزيادة في الأجور لهذه الفئة أعطيت على دفعتين، دون تشاور طبعا مع النقابات، يمكن إذا اعتبار هذه اللحظة محطة بداية الاحتقان داخل القطاع الصحي.

بعد ذلك، طرحت الحكومة مسألة معادلة المؤشر 509 للأطباء، وهو الإصلاح الذي كان من المفروض أن يطرح في شموليته، لكن للأسف لم يكن ذاك اختيار الحكومة، ما زاد من حالة التفكك وسط المنظومة الصحية.

أما بخصوص العرض الحكومي الحالي، فهو هزيل جدا، ورغم ذلك، اخترنا كشركاء اجتماعيين المشاركة، وقدمنا مقترحاتنا بخصوص مختلف الفئات المهيكلة داخل المنظومة الصحية، كما تم عقد اجتماعات عديدة رفقة أطر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.

يمكن أن ألخص مطالب الشغيلة الصحية في 3 نقاط أساسية، بداية الحفاظ على صفة الموظف بالنسبة لجميع الشغيلة الصحية، الراتب من الميزانية العامة، ثم بقاء جميع الوضعيات الإدارية التي كانت مكتسبات سابقا.

هذه المطالب ذو راهنية، على اعتبار التحول الذي ستشهده المنظومة الصحية، دون إغفال حالة التخبط التي تعيشها الوزارة، فتارة يتم الحديث عن الجهوية الموسعة، وتارة الوكالات الجهوية للصحة، ثم البرنامج الطبي الجهوي، مرورا إلى الخوصصة، وهو ما يزكي حالة الغموض التي تعرفها الساحة الصحية لحدود الساعة.

ورغم أن الحديث عن الخوصصة رائج في أروقة ودهاليز الوزارة الوصية على القطاع الصحي، إلا أنها غير قادرة على نفي أو تأكيد الأمر.

كما أن الاتفاقيات التي قمنا بالتوقيع عليها، تضع أكثر من علامة استفهام، على اعتبار أن القوانين الإطار 22-06، 22-07، 22-08، و22-09، تضم المادتان 13 و16 اللتان تتحدثان على “إلحاق كافة الموظفين بالمراكز الاستشفائية الجامعية، مع تحويل الوضعية من موظف إلى مستخدم”، وهو الأمر الذي زاد من حالة الاحتقان، بالنظر لكون الإلحاق عملية اختيارية وفردية، وليست جماعية.

أما فيما يخص التعويضات، فنحن كنقابات كان لنا اتفاق مع الوزارة على الزيادة في تعويض الأخطار المهنية لدى مختلف موظفي الصحة، وهي الزيادة التي تبلغ 1200 درهم بالنسبة للإداريين، و1500 درهم لأطر التمريض، لكن لحدود فاتح ماي لم نتوصل بها، أضف إلى ذلك أن توقيع الاتفاق كان من المفروض أن يتم بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وهو الأمر الذي ظل مجرد “وعود”.

الممرضون

 

المغرب انطلق في ورش الحماية الاجتماعية، ما تقييمكم كمهني لتنزيل هذا الورش الملكي؟

فيما يخص هذا الورش الملكي، كانت الحكومة قد طرحت تعميم التغطية الصحية في أفق الدولة الاجتماعية،

وهنا وجب التأكيد على أن نجاح الحماية الصحية ليس رهينا بقطاع الصحة بشكل أساسي، لأن القطاع يقدم خدمات صحية فقط، لذا فالساهر على نجاح الورش هو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، على اعتبار أن الحديث هو عن تعميم التغطية الصحية، وهو ما يندرج ضمن مهام الضمان الاجتماعي، أما نحن فنكتفي بتقديم الخدمات الصحية.

لكن لا يفوتني التأكيد على أن تعميم التغطية الاجتماعية هو نجاح للورش، على أساس أن الأطر الصحية سبق أن أبانت عن وطنية منقطعة النظير، خصوصا خلال مرحلة جائحة كورونا، والتي عصفت بدول متقدمة ولها إمكانيات متطورة مقارنة ببلادنا، في حين نجح الأطر الوطنية في حماية البلاد من الانهيار، تحت التعليمات السامية للملك محمد السادس.

protection sociale

استمرار أزمة طلبة الطب وتهديدات بسنة بيضاء، أي أفق لحل الإشكالية؟

بالنسبة لي، استمرار أزمة طلبة الطب والحديث عن سنة بيضاء لدى هذه الفئة المهمة داخل المستشفيات، هو صورة طبق الأصل لطبيعة الوزراء الذين يدبرون القطاع، والذين للآسف يشتغلون بدون الإنصات للشغيلة الصحية.

هؤلاء الطلبة هم أبناؤنا، كما أنهم مستقبل ومشعل المستشفيات العمومية، ولم يكن يقتضي الأمر الوصول معهم للحائط المسدود، على اعتبار أنه في أبسط أزمة قد تشهدها البلاد، لا قدر الله، سنجدهم في الصفوف الأمامية.

وبالتالي، أتمنى صادقا أن تصل الوزارتان إلى حل مع هؤلاء الطلبة، يرضي جميع الأطراف، كما يستحضر المصلحة العليا للوطن.

طلبة الطب

ختاما، وقعت الحكومة والمركزيات اتفاقا قبل فاتح ماي، ما رأيكم في مضامين الاتفاق، وهل يلبي تطلعات الشغيلة الصحية؟

تابعنا كباقي المكونات النقابية والشغيلة عموما، مضامين الاتفاق الذي جمع الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب، إلى جانب المركزيات النقابية الثلاث، والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، والذي يبقى دون المستوى ولا يلائم الانتظارات.

فمثلا الزيادة في الأجور التي بلغت 1000 درهم على دفعتين، هي زيادة دون المستوى، ودون المنتظر حتى في حده الأدنى، وذلك أخذا بعين الاعتبار التضخم وغلاء المعيشة، الذي تعرفه البلاد منذ سنوات خلت.

كما أن ما تروجه الحكومة عن تخفيض الضريبة على الدخل، مجرد “مسخرة”، إذ أن الموظفين المدرجين في السلم 10 أو أقل من ذلك لن يتجاوز مبلغ التخفيض 100 درهم أحيانا، فيما الشغيلة ضمن السلم 11 فما فوق ستتفيد من تخفيض بين 250 إلى 400 درهم، طبعا هنا لا أتحدث عن الرواتب التي تتجاوز 20 ألف درهم.

وختاما، موضوع إصلاح التقاعد الذي جاء في اتفاقية 29 أبريل، والذي يستمر في إثارة الجدل منذ سنوات، لن يكون هناك أثر واضح، فهذا المشكل الذي تواجهه صناديق التقاعد هو نتيجة تراكمات وسوء تدبير، من طرف الحكومات الممتدة من سنة 1959 وحتى 1998، إذ أنها كانت تتخلف عن المساهمة.

أضف إلى ذلك، أن التحول في بنية المجتمع المغربي يؤثر لا محالة، فمثلا في ثمانينيات القرن الماضي، كنا نتحدث عن 13 فرد نشيط مقابل متقاعد واحد، بينما الآن وصلنا إلى 3 أفراد نشيطين مقابل متقاعد واحد فقط، وهذا من أسباب الأزمة.

ولذلك، فإن أي حديث عن إصلاح أنظمة التقاعد، وجب أن يكون في شموليته، مع توسيع قاعدة المستفيدين، لأن هناك العديد من المهن المقننة والتي لا تستفيد من التقاعد، كما أن الحكومة مطالبة بالبحث عن تمويلات بديلة، على اعتبار أن التقليدية أوصلتنا للحائط المسدود.

إضافة لما سبق، لا يمكن أن يكون الإصلاح دائما على حساب الموظف، وهو من الأخطاء “التاريخية” لحكومة ابن كيران، بتوصية من اللجنة التقنية ومكتب الدراسات الفرنسي، فإجراءات الإصلاح شملت الزيادة في السن، الزيادة في الاقتطاع، النقص من المعاش، وتغيير طريقة حساب المعاش، وهي كلها إصلاحات يؤدي ضريبتها الموظف البسيط.

لذلك، رسالتنا واضحة للحكومة الحالية، وهي لا يمكن أن يؤدي الموظف لوحده ثمن إصلاح اختلالات ملف التقاعد، فمثلا يمكن اعتماد مبدأ الاختيار في الزيادة في سن التقاعد، كما أن زيادة مقبلة وجب أن تكون معقولة وتلائم القدرة الشرائية للموظف، إضافة للحفاظ على المكتسبات الحالية.

الزيادة في الأجور

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *