لماذا صوت الفرنسيون المقيمون في المغرب لصالح اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية؟

مازالت التحولات الكبيرة التي شهدتها انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، تثير الكثير من الجدل داخل دول القارة، وكذا المغاربية على حد سواء. وذلك بعدما حققت الأحزاب المنتمية لليمين المتطرف، مكاسب تاريخية داخل القارة العجوز، ما ينذر وفقا لمحللين، بتحولات جوهرية في مقاربة التكتل الأوروبي لعدد من الملفات، داخليا وخارجيا.

نسب تصويت الفرنسيين في المغرب

ولعل ما زاد من حدة هذا الجدل، هي النتائج التي أفرجت عنها القنصليات الفرنسية، المرتبطة بهذه الانتخابات، والتي كشفت عن تصدر الجالية الفرنسية المقيمة بالديار المغاربية عموما، والمغرب على وجه الخصوص، قائمة الأصوات المؤيدة لليمين المتطرف، وهو ما يتعارض مع وضعيتهم كمهاجرين أوروبيين بدول أجنبية، لا سيما وأن هذه الأحزاب لا تخفي محاولاتها بإلصاق كل مشاكل المجتمعات الأوروبية بالوافدين إلى أوروبا.

ووفق ما كشفت عنه النتائج الرسمية النهائية، فقد صوت الناخبون الفرنسيون في المغرب، عكس المعتاد، بأغلبية ساحقة لحزب فرنسا الأبية، الذي يصنف ضمن اليسار الراديكالي. وغالبا ما يوصف، بممثل اليسار المتطرف في فرنسا، ويتهم بمعاداة السامية، ومعاداة الحياة البرلمانية.

وحصلت القائمة التي تقودها مانون أوبري، على أكثر من 38 في المائة من الأصوات البالغ عددها حوالي 9000 صوت، لتحتل المرتبة الأولى على مستوى الدوائر الانتخابية للقنصليات العامة الفرنسية بالمغرب، لا سيما في مدينتي الرباط والدار البيضاء، حيث يتواجد أكبر عدد من الناخبين الفرنسيين.

وإلى جانب هذا، اقترب الحزب المذكور، من نسبة 50 في المائة بمدينتي فاس وطنجة، بينما تراجع في أكادير ومراكش. فيما حصد حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، على نسبة 9,9 في المائة من الأصوات في القنصليات العامة بالمملكة، بـ865 صوتا، حيث تراوحت أصواته ما بين 261 كأعلى رقم في الدار البيضاء، و21 صوتا في طنجة كأقل رقم، كما احتل الصدارة في كل من الجزائر، وتونس، وموريتانيا.

وعلى عكس المتوقع، لم يحقق حزب النهضة، الذي أسسه رئيس الجمهورية الحالي، إيمانويل ماكرون، نتائج إيجابية في المغرب، حيث حل ثالثا بما مجموعه 1110 أصوات، أي بنسبة 12,7 في المائة، متأخرا عن الحزب الاشتراكي صاحب الرتبة الثانية بـ1275 صوتا بنسبة 14,5 في المائة، أما حزب الجمهوريين فحل خامسا بـ508 أصوات بنسبة 5,8 في المائة.

خروج انتخابات البرلمان الأوروبي عن شقها التقليدي

ولتفسير هذه النتائج، التي بدأ الحديث عن تداعياتها على الشؤون الخارجية للسياسة الأوروبية، أوضح المحلل السياسي، محمد شقير، أنها “تعكس رأية الجالية الفرنسية المقيمة بالديار المغاربية عامة، والمغرب خاصة، تجاه سياسات إيمانويل ماكرون، ونظام الحكم في فرنسا خلال السنوات الأخيرة”.

وسجل محمد شقير، في تصريح لـ”بلادنا24“، أنه “في الوقت الذي كانت تركز فيه انتخابات البرلمان الأوروبي تقليديا على قضايا داخلية، مثل ملف الهجرة، والسياسة الزراعية، وتغير المناخ، ومعدلات التضخم، تأتي خصوصية انتخابات هذا العام، في تناولها لمواضيع وأزمات تقع خارج أسوار الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية الدائرة في قطاع غزة منذ حوالي سبعة أشهر”.

تأثير حرب غزة على نتائج تصويت الفرنسيين بالمغرب

وفي تفاعله مع سؤال حول سبب دعم الفرنسييين المقيمين في المغرب، لأحزاب معروفة بتأييد مقترح القطع بشكل كلي مع الهجرة، ما يتعارض مع تفسير سبب إقامتهم في دول أجنبية، أوضح المحلل السياسي، أنه “لا يمكن تعميم اختيارات فئة معينة داخل كل مجتمع”. مشيرا إلى أن “ملف الهجرة ليس الوحيد ضمن سياسات هذه الأحزاب التي تصدرت الانتخابات داخل أوروبا، وإنما هناك عدة قضايا يراها الفرنسيون المقيمون في المغرب، أو دول أخرى، ذو ضرورة ملحة، تعكس رغبتهم في التغيير، خصوصا تلك التي يدافع عنها حزب اليسار”.

وإلى جانب هذا، شدد المتحدث عينه، أن “التعايش مع المجتمعات العربية، والتكوين السوسيولوجي للجاليات الأوروبية، تأثر على بعض من قراراتهم”. مبرزا أن “الحرب الدائرة في قطاع غزة، كان لها تأثير على نظرة مواطني الدول الغربية في إعادة النظر في سياسات بلدانهم تجاه ما يقع في هذه المنطقة من العالم”.

يذكر أن حزب التجمع الوطني الفرنسي، حصل على 32 في المائة من الأصوات في الانتخابات الأوروبية التي جرت الأحد الماضي، أي نحو ضعف حصيلة الحزب الرئاسي، ما دفع ماكرون إلى حل الجمعية الوطنية، والإعلان عن انتخابات تشريعية، في خطوة تهدد بوصول اليمين المتطرّف إلى السلطة في البلاد، لأول مرة، عبر صناديق الاقتراع.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *