خبير: الجزائر تحاول التشويش على موقف فرنسا من الصحراء عبر الغاز.. وقناعة جديدة تبلورت بباريس (حوار)

منذ أول أمس الخميس، ولربما قبله بكثير، يعيش جنرالات الجزائر على صفيح ساخن جدا. فبين مطرقة الأوضاع المزرية التي تعيشها الجارة الشرقية على عدة مستويات، وسندان وضعها الهش خارجيا، والذي جعل منها دولة معزولة في آخر الركب، تخرج وزارة خارجيتها ببيان، تقول فيه، إنها أخذت علما، بما وصفته، بـ”القرار غير المنتظر”، الذي اتخذته الحكومة الفرنسية، بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس، لمخطط الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية للمملكة، في إطار السيادة المغربية.

البيان الجزائري، اعتبره مراقبون، وخبراء، محاولة يائسة للضغط على الجانب الفرنسي وابتزازه، وكذلك لكسب مزيد من الوقت الذي خدع به النظام الجزائري شعبه، حين صنع لهم عدوا جارا من وهم، ليصدر أزماته الداخلية إلى خارج حدوده، غير آبه بطوابير المواطنين التي لا تنتهي بحثا عن قطرة حليب في بلاد الغاز والبترول.

في هذا الحوار مع عبد الفتاح الفاتحي، المحلل السياسي، ومدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، سنحاول فهم سلوك النظام الجزائري، وخطوته الأخيرة، التي تكشف، وبدون مبالغة، عن عقلية ماتزال تتعامل بمنطق الأزمنة الغابرة.

بداية، كيف تقرؤون بيان وزارة الخارجية الجزائرية، الذي قالت فيه، إنها أخذت علما بما وصفته بـ”القرار غير المنتظر” الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية للمملكة، في إطار السيادة المغربية؟

الجزائر كانت تقَيِّم تطور العلاقات المغربية الفرنسية، ليس فقط في السياق الدبلوماسي الرسمي، بل وبناء على أزمة شبه صامتة بين المغرب وفرنسا، والتي تطورت إلى أن طالت الاتحاد الأوروبي، والذي أصدر قرارا يدين فيه المغرب بخصوص قضايا حقوقية، بل وفتح تحقيقا بخصوص ادعاءات واهية بأن هناك من يتلقى رشاوى.

لكن، فيما بعد، تم تسجيل أن هناك ردود فعل ايجابية جيدة، سواء من الرأي العام الفرنسي تجاه المملكة المغربية، أو من فعاليات سياسية وحزبية، ترى بأن العلاقة بين المغرب وفرنسا، يجب أن تبقى صحيحة وقوية ومتينة، وبأن التضحية بها خيار مقلق ومزعج للعديد من الفرنسيين.

المملكة المغربية، من خلال خطاب الملك محمد السادس، حددت أولويات، أو ما يمكن التعبير عنه بـ”صدق الصداقات”، و”نجاعة الشراكات”. وأن هذا الأمر، يجب أن يتم على ضوء احترام مبادئ وسيادة المغرب، لاسيما فيما يتعلق بقضية الوحدة الترابية. هذا من جهة، من جهة أخرى، المغرب يرى في فرنسا بأنها تأخرت على أن تكون من بين الأوائل الذين يدعمون سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

الجزائر تتابع هذا الأمر، وتحاول أن تشوش على التوجه الرسمي الفرنسي اتجاه المملكة، وذلك من خلال ترضية باريس، التي كانت في حاجة إلى الغاز، ومكنتها من هذا، مقابل أن تكون هناك زيارة للرئيس إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، والتي تم التعويل عليها بأن بإمكانها حل مجموعة من الخلافات.

اليوم، الجزائر، وهي طبعا التي كانت تعتقد بأن ما تمنعه، أو تعرقله، بخصوص العلاقات المغربية الفرنسية، أصبح واقعا، وأن فرنسا آمنت بأن المغرب شريك ذو أهمية كبيرة، ليس في تقديراتها لهذا الموقف فقط، ولكن ترى بأن هناك موقفا فرنسيا وألمانيا وهولنديا، والعديد من الدول الأوروبية، يجعلون من المغرب بلدا محوريا، وموثوقا فيه، وموثوقا في شراكاته.

وعلى هذا الأساس، لما أخذت الجزائر علما بأن هناك توجها رسميا فرنسيا بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، فمن الطبيعي أن تلجأ الجزائر لمثل هذه المناورات، وأن تلوح بتهديدات شتى.

هناك صمت رسمي فرنسي إزاء البيان، فالإليزيه لم يفنده، ولم يدعمه لحد الساعة. هل يمكن اعتبار الخطوة الاستباقية للجزائر، نوع من الابتزاز والضغط على باريس؟

فرنسا ليست معنية بإنتاج ردة فعل بناء على ما صرحت به الدبلوماسية الجزائرية، بخصوص إبلاغها للجزائر بموقف مرتقب جديد، فيما يخص قضية الوحدة الترابية للمغرب، لأن العرف الدبلوماسي هكذا، مع دول شريكة وصديقة، أو دول في الجوار، نجعلها تأخذ علما بموقف جديد، خاصة وإن كان هذا الموقف، له ارتباطات إقليمية ودولية.

ولذلك، فرنسا ليست معنية بالرد على الموقف الجزائري، لأن الجزائر الآن لا تنتج حوارا أو نقاشا قبل صدور القرار، ولكن تنتج تهديدات مسبقة، سيما أن فرنسا الرسمية، قد يبدو أنها قد اتخذت موقفها بخصوص هذا الموضوع، وأنه يبقى فقط آجال وتوقيت الإعلان عنه بصورة دقيقة.

الجزائر ستقوم بهذه المناورات، كما هو الحال بالنسبة لردود فعلها اتجاه الموقف الإسباني من قضية الوحدة الترابية، بعد حل الأزمة الدبلوماسية التي كانت بين المغرب وإسبانيا. ولذلك، فإن الجزائر، عمدت إلى مثل هذه المساومات التجارية والاقتصادية، مثل تعطيل العمل التجاري الذي كان بين الجزائر وإسبانيا، وسحب السفير، وغيرها.

ونفس الشيء ربما ستترجمه الجزائر إلى سلوكات من هذا النوع. لكن، لا أعتقد بأنه كفيل بإعادة أو تسجيل تراجع في الموقف الفرنسي. وما هو مؤكد، أن الجزائر ستساوم بورقة الغاز، التي تعتقد بأنها بطاقة رابحة، وقد تكسب بها الرهان في فترة معينة، وتخلق أزمة دبلوماسية بين الرباط وباريس.

في النهاية، اليوم، هناك قناعة جديدة تبلورت داخل فرنسا، سواء في المحيط الحاكم بالنسبة لماكرون، أو كذلك بالنسبة للمحيط المستقبلي، بحكم القناعة بأن المغرب شريك أساسي وموثوق فيه بالنسبة لفرنسا، ولابد من إعادة تطوير العلاقة معه إلى مستويات قياسية.

العلاقات المغربية الفرنسية تمر بفترة فتور وبرود.. هل يُصلح هذا الاعتراف شيئا من هذا الفتور، خصوصا وأن فرنسا تعتبر “صديقا كلاسيكيا” للمغرب؟ ثم، ما تأثير هذا الاعتراف على ملف الصحراء المغربية ككل؟

هناك وعي فرنسي، لا من قبل ما هو رسمي، ولا من قبل فعاليات سياسية، حتى موقف اليمين المتطرف، هو مع الموقف المغربي حتى في المستقبل. وحتى بالنسبة لليسار، يعني بعد الانتخابات البرلمانية، والانتخابات الرئاسية الفرنسية، فإن الفاعلين السياسيين، والمؤثرين، اليوم، هم يؤيدون إعادة تقوية وتعزيز العلاقات الفرنسية المغربية، وتجاوز حالة الفتور.

وليس الأمر فقط مرتبط بهكذا موقف فرنسي تجاه قضية الوحدة الترابية، خاصة أن المغرب، ومنذ زمن، كان ينتظر الأكثر من فرنسا، ويرى أن خطوتها المتعلقة بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، جاءت متأخرة، وكان يمكن أن تكون قبل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه.

المملكة المغربية حددت شرطا لأي علاقة اقتصادية أو استثمارية أو تنموية في المستقبل، وأن تبنى على أساس احترام هذا الشرط، ولم يكن موضوعا فقط أمام باريس، وإنما موضوعا كذلك أمام أي دولة من الدول، لأن قضية الوحدة الترابية بالنسبة للممكلة المغربية في هذه المرحلة، أصبحت خطا أحمرا لا يمكن تجاوزه للقيام بعلاقات اقتصادية أو تجارية أو استثمارية.

ولذلك، فإني أعتقد أن الاعتراف الفرنسي، وإن تأخر، بناء كذلك على علاقات استراتيجية تاريخية عميقة طويلة الأمد، فإن في الأمر ما سيجعل العلاقات المغربية الفرنسية، تتطور إلى مستويات أفضل مما كانت عليه، حتى مع هذا التأخر.

ختاما، الجزائر يوما بعد يوم تزداد عزلتها من حيث القرارات الدولية لعدد كبير من الدول التي سجلت اعترافها بمغربية الصحراء.. كيف تتوقعون أن يكون رد البوليساريو، إذا ما انضمت باريس رسميا للبلدان الداعمة للمقترح الذي قدمه المغرب؟

الجزائر دائما تعيش خارج نسق الإجماع الدولي بخصوص قضية الصحراء، ويبدو بأن تصريحاتها هي تغريد خارج السرب، وأنها دائما تعيش عزلة تاريخية تجاه مجموعة من القرارات التي اتخذت على مستوى المنتديات الدولية، وعلى مستوى الدول بالنسبة لقضية الصحراء، حتى في إفريقيا، وفي آسيا، وأوروبا، وفي أمريكا اللاتينية، والقارة الأمريكية، بسبب مواقفها المتعنتة من قضية الوحدة الترابية للمغرب.

الجزائر تراكم أخطاء على مستوى توطين جماعة انفصالية، في خرق سافر للقانون الدولي، خاصة وأن هذه الجماعة، تهدد دولة جارة، وتمدها بالسلاح، والمؤونة، بلن وتتبنى أطروحتها دبلوماسيا، وهذا ما يشكل تساؤلات حول الأخلاق السياسية لهذا البلد الذي يتجاوز، ولا ينصاع لقرارات مجلس الأمن الدولي، ولاسيما القرار الأخير، الذي يدعو الجزائر إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، باعتبارها طرفا رئيسا في النزاع. وباعتبار أن مجلس الأمن، يرى بأن آلية إيجاد تسوية سياسية، لن تكون إلا من خلال الموائد المستديرة، والتي تكون فيها الجزائر طرفا رئيسا.

حتى الآن، الجزائر ترفض الخضوع لهذه التوصية، وترفض كذلك الخضوع لتوصيات تتعلق بإحصاء المخيمات، وتشهد حالة من الاختلالات في المخيمات، المتعلقة بتجنيد الأطفال، والتغرير بهم، للمساهمة في أعمال عسكرية وعدوانية ضد المغرب. وهذا يتجاوز أحد حقوق الطفل، ويتجاوز المقتضيات الواردة في اتفاقية جنيف لسنة 1951 المتعلقة باللاجئين.

هناك إشكاليات حقيقية تتعلق بتجاوز القانون الدولي، حتى تكون هناك دولة وسط دولة، كما هو الحال بالنسبة للبوليساريو، التي تنتج قوانين، وتشرف على محاكم ومؤسسات سجنية، تمارس فيها كل أنواع انتهاكات حقوق الإنسان، وهو أمر مرفوض من قبل العديد من الفاعلين الحقوقيين على المستوى الدولي والأممي، ويسائل الجزائر أخلاقيا، ويسائلها كذلك حول الكلفة المالية اتجاه جبهة البوليساريو، أمام شعبها، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعيشها البلاد، ويترجمها واقع الحال.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *