واقـعـة الشهـيد ريان : مـأساة الضواحي المنسـية ومـساع دولـية لتـرميم الآبـار

 

انتهت حكاية الخمسة فصول، مثقلة بالمأساة، ورطت القلوب بحب روح أنهى رحيلها تعب الانتظار ، لتُثار أبجديات الحزن، وتستفيق الضمائر باتحاد الأطياف العربية، ليغدو الشهيد ريان أورام أيقونة للطفولة، ورمزا لروح التضامن، ونبراسا كشف واقع الهوامش المنسية بين الجبال، وناقوسا أثار ملفاتا مسكوتا عنها، لتعيد تفاصيل هذه الواقعة ملف الآبار العشوائية في المناطق القروية، والدواوير الجبلية، إلى واجهة النقاش، مما استوقف الكثيرون لطرح تساؤلات جادة، تقتضي التعجيل بالتدخل الميداني للسلطات المختصة، في سبيل إيجاد حلول استعجالية، درءا لأي خطر آخر قد يحدث.

حملة لترميم الآبار في الجزائر

دفعت قصة ريان عددا من دول المغرب العربي، لإعادة افتحاص ملف الآبار بأراضيها، والعمل على ترميمها، فقد طالبت تغريدات الجزائريين في مواقع التواصل الاجتماعي بالتخلص من الآبار غير المستعملة، الأمر الذي لقي استجابة من لدن السلطات المعنية، قررت معه مصالح ولاية المسيلة شرق العاصمة الجزائرية، تشكيل لجنة مراقبة، للتحذير بمدى خطورة الوضع، حيث قالت في بيان لها: “سيتم تشكيل لجنة مهمتها متابعة مدى تنفيذ محتوى التعليمة بشكل دوري ومفاجئ لمواقع الآبار، مع فرض إجراءات رادعة للمخالفين، وتحميل ملاكها المسؤولية الكاملة عن أي حادث يمكن وقوعه مستقبلا”.

التفاتة الأردن والسعودية

وفي الأردن، كشف الناطق الإعلامي باسم وزارة المياه والري، عمر سلامة، إن “جميع الآبار المهجورة وغير المجدية في المملكة يتم ردمها وإجراء اللازم بشكل فوري، وإن جميع الآبار الإرتوازية في الأردن مسيجة ومؤمنة بعناصر السلامة العامة كافة، لكون التسييج شرط أساسي لتشغيلها، وتماشيا وسياق التدابير المتخذة، فقد أفادت صحيفة “الوطن” بأن وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية أعلنت عن ردم وتحصين 2450 بئرا مهجورة، داعية المواطنين إلى الإبلاغ عن أي بئر يمكن أن تشكل مصدر خطر .

بُـعــد آخـر

و كردٍّ فعل محتمـل، خلفت الحادثة جدلا مجتمعيا، أنار مجددا واقع التنمية المجالية في المناطق النائية، كاشفا عن حقيقة الشعارات التي تهتف بها الخطابات المدافعة عن المشاريع التنموية بالمغرب العميق، لينشغل الرأي العام المغربي، كل من موقعه، بالتفكير في الأسباب والحيثيات، وتحديد المسؤوليات، تفاديا لتكرار سيناريوهات مشابهة.

وعلى هذا الأساس، انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي طيلة الأيام القليلة الماضية، بإطلاق حملات مكثفة، تدعو إلى ضرورة افتحاص الآبار قصد ترميمها، أو مسح غير المستعمل منها، مطالبة بضرورة تحلي الجهات الوصية بروح المسؤولية إزاء هذه الإشكالية، التي تزداد أبعادها تعقيدا كلما زاد التوغل في جوهرها، مؤكدين أن الواقع اليوم، بات يفرض التزاما جماعيا ، مع التخلي عن مركب العبثية والتأجيل المألوفين في التعامل مع نوعية الملفات هاته .

حفر الآبار.. بين النص القانوني وواقع التنزيل

وأوضح عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية بتطوان،  محمد العمراني بوخبزة، في تصريح تلفزي، أن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية متقدمة، و بالرغم من أن كل جوانبها فهي مقننة، إلا أنها تحتاج إلى إعادة النظر من أجل مواكبة التطور، حيث قال :” هناك قانون ينظم حفر الآبار، كما أن هناك لجان تحرص على تنظيمه، في حين لا يتم احترام النصوص القانونية المنظمة لهذا النوع من العمليات، فيسود طابع العشوائية و العمل السري في التعامل مع ما يفرضه القانون”، مضيفا  بأن هناك مؤسسات تسهر على عملية تقنين حفر الآبار، كوكالة حوض اللوكوس، ومؤكدا في هذا الصدد، بأنه بالرغم من بعض التعقيدات التي تلحق تنفيذ بعض المساطر، إلا أن الخضوع للقانون أمر واجب هدفه حماية الجميع.

تزايد عدد الآبار

وفي ظل غياب أرقام رسمية حول عدد الآبار المرخصة، وغير المرخصة يعزو محمد بن عبو، خبير في المناخ والتنمية المستدامة، في تصريح ل”بلادنا24″، السبب في تزايد عدد الآبار في السنوات الأخيرة إلى تفاقم حدة الجفاف و تراجع منسوب المياه في عدد من السدود، مبرزا بأن أزمة المياه الي تمر بها المملكة لا يجب أن تكون مبررا لحفر المزيد من الآبار غير المرخصة، في ظل غياب المواكبة والإشراف من السلطات المحلية، مؤكداً أنه حان الوقت لتفعيل شرطة المياه.

شرطة المياه

وأوضح محمد بن عبو أن شرطة المياه جهاز إداري أحدث بموجب قانون الماء رقم 36.15، ودخل حيز التنفيذ سنة 2016، لمعاينة المخالفات المرتبطة بالاستغلال العشوائي للمياه الجوفية والسطحية، وأن الواقع يفرض تفعيل هذا الجهاز وتمكينه من الموارد البشرية واللوجيستيكية الضرورية للقيام بالتحسيس بخطورة هذه الآبار، خصوصا في الأرياف والمناطق القروية، حيث يغيب الوعي بمدى خطورتها على المواطنين والحيوانات.

وأضاف المتحدث نفسه، أن لهذه المشكلة وجهان، فهناك من يحفر آبارا مجهزة ومحمية، لكن بدون ترخيص، وفي المقابل، هناك من يحفر ثقوبا مائية و حين يتعذر إيجاد الماء، يحفر حفرا  أخرى بدون إغلاق تلك الثقوب أو تحصينها، مبرزا بأنه اليوم ،  أصبح سكان المناطق القروية يعتمدون على إمكاناتهم الذاتية لتوفير الماء، لذلك يقومون بحفر الآبار بسرية وبدون ترخيص،وأعطت وزارة الداخلية تعليماتها، بإغلاق وهدم الآبار والحفر المهجورة، القريبة من التجمعات السكانية، مشيرا إلى أنها طالبت أعوان السلطة بمدها بإحصاء و جرد تام لكافة الآبار العشوائية، والمهجورة في المناطق القروية، وذلك لوضع حد للحوادث، و حتى لا تتكرر حوادث مأساوية مثل تلك التي شهدها المغرب في الأسبوع الماضي.

ضـعف الإمكانات

وأشار الخبير في البيئة والتنمية المستدامة إلى أن الحكومة المغربية،أنه في سنة 2017 تم إنشاء شرطة المياه، لمراقبة استعمال واستغلال الملك العمومي المائي، حيث يعهد إلى أعوان هذه الشرطة معاينة المخالفات، طبقا لمقتضيات قانون الماء، وولوج المنشآت المائية، بما فيها الآبار و الثقوب، والتجهيزات المتعلقة باستعمال واستغلال الملك العمومي المائي، إلا أن نتاج عمل هذه الشرطة محدود، نظرا لضعف الإمكانات المرصودة لعملها.

 

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *