هل يمكن للمغرب أن يتخذ إجراءات صارمة ضد التدخين في الأماكن العامة؟

على الرغم من انخفاض استهلاكه بين الأجيال الشابة، لا يزال التدخين منتشرًا في جميع أنحاء المغرب، حيث أظهرت الدراسات الحديثة أن ما يقرب من ربع الرجال في البلاد هم من المدخنين المنتظمين.

في نفس السياق، أضحى منع التدخين واستهلاك الشيشة والسيجارة الإلكترونية، محاور أساسية ضمن مقترحات قوانين لكل من حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، بهدف الحد من الترويج لهذه المواد والإشهار والدعاية لها بالأماكن العمومية.

التأثيرات على غير المدخنين

“لا يوجد مستوى آمن من التعرض للتدخين”، ويقول موقع المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض، “حتى التعرض لفترة وجيزة يمكن أن يسبب ضررًا فوريًا”، مما لا يترك مجالًا للتساؤل حول تأثير التبغ على غير المدخنين.

ويحتوي دخان التبغ على أكثر من 4000 مادة كيميائية معروفة، بما في ذلك 40 مادة كيميائية على الأقل ثبت أنها تسبب السرطان من بين أمراض قاتلة أخرى.

وأظهرت الدراسات أن التعرض لهذه المواد الكيميائية على شكل دخان من أطراف حرق السجائر أو الدخان الذي ينفثه المدخنون القريبون يمكن أن يسبب ضررًا فوريًا للجسم، مع ظهور آثار التهابية وتنفسية في بعض الحالات في غضون ساعة من التعرض.

وقدرت منظمة الصحة العالمية في سنة 2020، أن أكثر من مليار مدخن في جميع أنحاء العالم قد ساهموا في وفاة ما يقرب من 900 ألف من غير المدخنين من خلال الآثار المرتبطة بالتدخين السلبي.

في الواقع، يمكن أن تكون الآثار مدمرة. وتم ربط استنشاق دخان السجائر بأمراض القلب وسرطان الرئة بين غير المدخنين، مما يتسبب في عشرات الآلاف من الوفيات المبكرة كل سنة.

وتشير تقديرات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، إلى أن البالغين غير المدخنين الذين يتعرضون لدخان السجائر يمكن أن يزيدوا من خطر إصابتهم بسكتة دماغية بنسبة 20 إلى 30 في المائة.

ولكن في حين أن سرطان الرئة وأمراض القلب هما أكثر العواقب شهرة، فإن هذه الممارسة تحمل عواقب على فئة سكانية أخرى كبيرة وعالية التأثر، النساء والأطفال.

وأظهر تقرير صادر عن شركة “Sunergia” في سنة 2022، أن 1 في المائة فقط من الإناث في المغرب مدخنات، على سبيل المثال.

غير أن النساء الحوامل اللائي يتعرضن للتدخين غير المباشر يمكن أن يتوقعن زيادة احتمال انخفاض وزنهن عند الولادة بالإضافة إلى مضاعفات الصحة والولادة.

ويمكن للأطفال أيضًا أن يصابوا بالربو الشديد، والتهابات الأذن، وتوقف نمو الرئة إذا تعرضوا للتدخين السلبي، وعلى الأخص من الآباء المدخنين.

ولعل الأمر الأكثر تدميراً هو أن التدخين حول الأطفال يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بمتلازمة موت الرضيع المفاجئ، أي الموت المفاجئ غير المبرر للرضيع في السنة الأولى من العمر، وفق خبراء بالمجال.

القوانين المعمول بها

ومع أخذ كل هذه التأثيرات في الاعتبار، سيكون من الآمن افتراض أن المغرب لديه قوانين مطبقة ليس فقط للحد من ممارسة التدخين بشكل عام، ولكن لحماية غير المدخنين بشكل خاص.

في الواقع، تم سن القانون 15-91 في سنة 1995، وكان يأمل في القضاء على التدخين في الأماكن العامة، بالإضافة إلى وضع مبادئ توجيهية لكيفية تسويق منتجات التبغ وتقديمها.

وإلى جانب إجبار الشركات المصنعة على تضمين إخلاء المسؤولية الصحية على عبواتها وحظر الإعلانات عن منتجات التبغ، حدد القانون عددًا من الأماكن العامة حيث يُحظر التدخين.

وشملت هذه الأماكن، المكاتب الإدارية العامة لكل من المؤسسات العامة والخاصة والمستشفيات وجميع المؤسسات الأخرى التي تقدم الرعاية الصحية، ووسائل النقل العام باستثناء المناطق المخصصة للتدخين.

كما يحظر التدخين في المسارح ودور السينما وأماكن الترفيه الأخرى، وكذلك قاعات المؤتمرات والفصول الدراسية في المدارس التعليمية.

وتضيف المادة 5 من القانون أنه يمكن للحكومة أن تقرر حظر التدخين في الأماكن العامة الأخرى كما تراه مناسباً لمصلحة الصحة العامة.

وشهدت سنة 2008 موافقة البرلمان بالإجماع على حظر التدخين في أماكن مثل المقاهي والمطاعم. وتفيد المادة 11 أن مخالفي الحظر العام للتدخين سيتعرضون لغرامات تتراوح بين 10 و50 درهمًا.

ويقول متابعون إن العديد من مواد قانون سنة 1995 لم يتم تطبيقها، وانتقدوا ما يرون أنه نقص في الإرادة السياسية للتعامل مع المشكلة.

فعلى سبيل المثال، يصنف ملف التبغ لعام 2021 بمنظمة الصحة العالمية، أن جهود جهود المغرب لخلق بيئات خالية من التدخين وبرامج للإقلاع عن التدخين، على أنها “ضئيلة”.

بالإضافة إلى ذلك، وجدت تقارير أن القدرة على تحمل تكلفة السجائر لم تتغير منذ سنة 2010، وأن اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ لم يتم التصديق عليها في البلاد على الرغم من توقيعها في سنة 2004.

من جهة أخرى، أظهرت دراسة أجرتها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في عام 2022، أن التكلفة الاقتصادية لاستخدام التبغ في المغرب تجاوزت 5 مليارات درهم.

بلادنا24

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *