هل أصبحت الحرية منفذا للتطاول على القيم؟

أصبجت وسائل التواصل الاجتماعي منصات عامة لعقد الحوارات والنقاشات حول الكثير من القضايا، والمفاهيم التي تشغل بال الناس عامتهم وخاصتهم مما يبيح الدخول في إثارة المسلمات أولاً أو المتحولات في عالم الفكر والثقافة والدين والأخلاق.

ووفق هذا المنظور انقسم الناس إلى فئتين: فئة تلتزم بالثابت اليقيني الديني، وفئة تُحاول أن تناقش هذا الثابت من منظور الحرية والرأي وإباحة كل ما يشغل العقل أو الفكر دينيا أو فلسفيا، والمحظور من هذا كله أن تكون المناقشة لبث رسائل يشتم منها رائحة التعدي على التعاليم، أو الحط من قيمة أصحابها.

وما نُشاهده في عالم اليوم بين فعل ورد فعل على مستوى الحوار والجدال أكبر دليل على ذلك، فكثير من المتناظرين يجعل من منصة الحوار تطاولا على المقدس بإسم حرية التعبير وينالون من الرموز الدينية بحجة البحث من أجل الوصول إلى الحقيقة.

وفي هذا الصدد صرح أستاذ التعليم العالي في علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، في حديث مع جريدة “بلادنا24″، أنه عبر تاريخ الإنسانية بدون استثناء كان الصراع أبديا وتاريخيا بين الحدود الذي يمكن أن نضعها للحريات، والقيم كوسيلة لتقنين الحريات، كما أن ثنائية الصراع بينهما تذكي في آخر المطاف صورة الإنسان تجاه ذاته.

وأضاف المتحدث، قائلاً:” ثنائية الصراع تكمن في ما هو متلبس بمفهوم الأخلاق والدين للحدّ من حريات الإنسان، وكذلك تفعل القيم حينما تريد أن تجعل من الحريات وسيلة لبناء المجتمع والإنسان لتخليد القيم وليس لتخليد العلاقات، وهنا شد الحبل بينهما شيء صحي وإيجابي للإنسان وهو يسير بانتظام بين الحرية وحدودها، ونقصد بالقيم هنا كيف نحافظ على حياة عامة يستطيع الكل العيش فيها، وإذا فتحنا المجال للجمبع تتحول الحرية إلى عنف لأنها ليست لها حدود بهذا المعنى، وبالتالي ما الذي يجعل الحرية فيها نوع من التوازن هو حينما نفكر في القيم، إذ لا يمكن لأحدهما أن يلغي الآخر، بل بينهما شد لبلوغ التوازن”.

وأردف بنزاكور،قائلاً: “كلما تقدمت المجتمعات سوف نجد الحريات تأخذ من القيم ما ليس حقيقة بل تسلط سواء سياسيا أو اجتماعيا، ولهذا خرجت المجتمعات بمصطلح التيار المحافظ، وأخرى بتيار حداثي، وبين هذه الثنائية سوف يبقى الصراع أبديًا، والمجتمعات كلما وجدت نوعا من الانحياز إلى طرف على حساب الآخر بحثت عن التوازن، ومثال على ذلك أنه حينما خرجت بمفهوم التشدد، والتطرف كمفاهيم التي تحاول أن تعيد التوازن للقيم، الأمر نفسه يُقال عن الحرية حينما وجدت في مصطلحات الخلاعة والميوعة ما يحد من الحرية”.

وعن فتح النقاشات فيما يخص الثوابت رأى بنزاكور أنه حينما يُحاور الإنسان ذاته من خلال الأسئلة الكبرى، هنا يمكن أن نتحدث عما هو نفسي والانبثاق الفكري في الخروج من المسلمات والمقدسات إلى أحقية السؤال، كما قال ديكارت الشك من أجل اليقين، ولكن حينما تتحول المسألة إلى مستوى اجتماعي لم تعد المسألة هنا تتعلق بما هو نفسي بل علاقات عامة، وعلاقات سياسية.

وواصل حديثه ،قائلاً: ” حينما يصل المجتمع إلى هذه المرحلة من السؤال يمكن اعتبار الديمقراطية بخير، وحرية التعبير بخير لأن مثل هذه الحوارات تجعل المتلقي لا يؤمن بالمقدس على أساس أنه مقدس ،بل يؤمن على أساس القناعة لأن في الخطاب المعاكس تتطور الأفكار وتعطينا يقينا آخر، ليس يقينا بالتسليم بل يقينا بالنقد والبحث عن الدليل ،وهذا لا يُناقض روح المقدس في الإسلام، لكن عندما ننزل إلى مستوى السباب والقدح وعدم احترام المعتقد، فذلك أمر مرفوض كليا وهذا برأيي جهل لأنه بمثابة إعلان حرب”.

ودعا بنزاكور إلى ضرورة إعادة النظر في القدرات والكفاءات المبنية على الجدال العلمي، أما التخفي وراء فكرة المقدس خوفاً من النقاش هو موقف سياسي وليس علمي، بقوله: “الاشكال في الخوف وكل من يوظف مصطلح المقدس يخاف أن يجادل، أما الإنسان العادي الذي يتحدث في موضوع يتطلب اختصاصا، أمر أرفضه لأنه ليس لديه القدرة الكافية للحديث عن موضوعات تتطلب ذوي الاختصاص، فهو كما قال ابن رشد الناس أصناف هناك العامة، والخاصة، وخاصة الخاصة، وعندما يتحدث شخص في موضوع يجهله هنا نتحدث عن التطاول على المقدس”.

واستطرد المتحدث نفسه :”عندما نتحدث مثلاً عن الحريات العامة هناك تقاطع بين مجموعة من التخصصات بين ما هو ديني، وما هو اجتماعي، وما هو سياسي ولا يمكن أن يتحدث أي شخص في هذا الموضوع، وأرفض أن يصبح الحديث على مستوى العامة، وأرى أن الحرية تصبح مضرة، كما قال كانط عندما لا يدرك الشخص أنه يضر بحرية الآخر وحينما نقول هذه الجملة نحن نتصورها في سياق مجتمع معين، وأمن اجتماعي معين، ومعتقد مجتمع معين، لذا لا يجوز الحديث على المستوى العلني لكنه يجوز على المستوى الخاص”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *