منطق “عصابة” الغشاشين في الامتحانات.. إما الغش أو الاعتداء على المراقبين

بلادنا24- مريم الأحمد|

عند الامتحان يكرم المرء أو يهان مقولة قديمة بدأنا نرى مضمونها وآثارها وقت الامتحانات، فمراقبة الامتحانات واجب وطني يقوم به المراقب وفق ما يمليه عليه الضمير المسلكي قصد محاربة الغش الذي أصبح ظاهرة مرضية في العرف العام وعند التلاميذ الضعفاء الاتكاليين حقا مكتسبا.

إن الاعتداء وليس محاولة الاعتداء جرم في حد ذاته ينال أستاذا قام بواجبه في حراسة الامتحان فكان نصيبه الضرب بغض النظر عن الألفاظ الجارحة البذيئة وهذا يجرنا إلى سؤال لماذا هذا التعدي على الأستاذ وماهي أسبابه ؟

والواقع ينبئ بتردي القيم الاجتماعية،  فلم يعد للأستاذ هيبة الاستاذية التي يحلم بها كل إنسان لما فيه من قيمة إنسانية وتعليمية عندما كان للعلم قيمة ومقدار ولكن في عصر الاستهلاك وعصر العلمنة وعصر خنق الكفاءات العلمية أصبحت  سهام النظرة تتوجه للأستاذ من أجل الحط من قيمته ودوره.

كما قد يلعب الآباء، انتصارا لأبنائهم، دورا خطيرا في الصاق التهم بالأستاذ والتقليل من شأنه، لاسيما من أصحاب النفوذ المادي وبعض ما نسمع من أصحاب السلطة وكثير ا ما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي أخبارا ومشاهد صادمة بهذا الصدد تنال من قيمة الأستاذ بالضرب والشتم وها هي إحدى المآسي التي تنال من قيمة الأستاذ وكرامته.

أجهزة ذكية في أيدي أغبياء

في إحدى ثانويات مدينة العرائش الشاهدة على فعلة ثلاثة من أبنائها، وفي أحد أيام الاختبارات في مادة الرياضيات يدخل الأستاذ إلى قاعة الامتحانات كي يمارس عمله وواجبه في المراقبة والحراسة، ليكتشف فيما بعد أن هؤلاء التلاميذ الثلاثة يغشون في المادة باستخدام جهاز VIP.

لم يتوان الأستاذ في تلبية نداء الواجب المهني الذي يمليه عليه ضميره وأخلاقه، فأمسك التلاميذ متلبيسين في حالة غش، وحجز الآلات التي وظفت من أجل هذه الغاية “غير النبيلة”، وانصب على كتابة تقرير في حقهم.

قد تبدو الحكاية منتهبة هنا، لاسيما وأنها حكاية تتكرر  فصولها كل عام، لكن التلاميذ الثلاثة كان لديهم رأي آخر، وآثروا “مواصلة العداء” في أبشع صوره، فاعترضوا طريق عودته لتمتد الأيدي التي لا تعرف إلا الغش على الأستاذ.

وفي صورة له وهو ملقى على الأرض نشرتها صفحة “التنسيقية الوطنية للأساتذة المتعاقدين” يخيل للناظر منذ الوهلة الأولى وكأنه يرى سقوط القيم في صورة تجسد واقع الأستاذ والتعليم بشكل عام، وكأنه “سقوط على حافة الهاوية”.

عصابة بهيئة تلاميذ

كنا نسمع قديما عن “قطاع الطرق” الذين يسلبون كل ما يملك الشخص العاثر الحظ الذي يعترضون سبيله، وقد يسلبون حياته في سبيل بضع “دريهمات”، واليوم ينتقل المشهد ذاته بصورة أنكأ جرحا، وأشد إيلاما ملحفين برداء “العلم”، قطاع طرق من أجل بضع “علامات”، وكأن التقدير يأتي بالسطو والإكراه.

اعترض أحد قاطعي الطريق، “أقصد أحد التلاميذ” الأستاذ وأطبق على صدره ثم شرع في ضربه أمام مرأى ومسمع الجميع، لكن الأنكأ من ذلك ليس صمتهم وعدم تدخلهم، وإنما “مشاركة” بعضهم في ضرب الأستاذ، وكأنه فريسة لمطمع “مفترسي النقط” ممن تعذر عليهم النجاح بمجهودهم، ولم يصدقوا أن رأوا “ضحية” يلقون عليها فشلهم، حتى خرج أحد التلاميذ في إحدى المرات وقال “أليس لدى الأستاذ أولاد؟ لماذا يحرم أمي من الفرح بنجاح ولدها؟” وكأن فرح الأم بتساهل الأستاذ مع “الغشاشين”، وليس بمجهوده وعمله.

وهنا نتساءل ” لما لم يفكر هذا التلميذ وغيره ممن يبحثون عن رمق التساهل في أن يفرحوا أمهاتهم وذويهم بعملهم وكدهم؟ ولما لم يفكر في فرحة ذويه طوال العام حينما كان يلهو ويلعب ويتسكع”، قد نجد بعض الأعذار للتلاميذ الذين يصادفون بعض الأسئلة الصعبة والتي ربما لم يصادفوها ضمن مقرراتهم ومناهجهم، لكن لن نجد الأعذار لمن يبحث عن النجاح بدون “فلاح”.

استجمع الأستاذ قواه بعد أن لاذ التلاميذ بالفرار، وتوجه لأقرب مستشفى تجمع شتات هيبته وكرامته وجرحه، ثم أخذ شهادة طبية بالواقعة الأليمة لمدة 25 يوما، حينما قدم شكاية ضد المعتدين، فتفاعلت السلطات الأمنية وأصدرت مذكرة بحث في حق المعتدين.

غش بالقوة

واقعة أستاذ العرائش ليست الوحيدة هذا العام، وها هو أستاذ آخر يلقى التنكيل ذاته، وهو المكلف بحراسة امتحانات الباكلوريا بمركز الامتحان بالثانوية التاهيلية محمد الخامس التابعة للاكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة بني ملال الخنيفرة يوم أمس الأربعاء.

لكن هذه المرة جرى اعتقال المعتدي مباشرة عقب وقوع الحادث من طرف الجهات المختصة، بعدما تفاعلت المديرية الاقليمية وذهبت للاطمئنان على صحة الأستاذ ومؤازرته نفسيا ومعنويا، رافضة لكل الممارسات التي تسيئ لكرامة نساء ورجال التعليم.

ورغم أن وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة كان قد أكد في لقاء سابق في وكالة المغرب العربي للأنباء على أن محاربة الغش مقاربة أساسية في منظمومة التعليم مشددا على ضرورة أن تعبر الامتحانات عن قدرات التلميذ ومؤهلاته الحقة لضمان تكافؤ الفرص إلا أن الغش مستمر.

كما أشار الوزير المعني إلى أن المراقبة ستكون صارمة ومشددة هذا العام، لافتا إلى أن المتلبسين في حالة غش سيتابعون وفق القوانين الجاري بها العمل.

لكن هذه الممارسات المتواصلة، والاعتداءات الشنيعة مازالت مستمرة في حق رجال ونساء التعليم الذين يقومون بواجبهم الأخلاقي والمهني،وإن كانت الوزارة قد فعلت أساليب أشد صرامة لمحاربة الغش، فأين هي في إرساء القيم والمبادئ النبيلة التي تردع كل من يفكر أن يتجرأ على أستاذه؟ وأين هي من قول الشاعر أحمد شوقي “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا؟”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *