لماذا لم يحقق المغرب الاكتفاء الذاتي من الحبوب؟

في خضم الصراع الدائر في أوكرانيا، وما سبقه من سنوات الجفاف تبرز مشكلة الأمن الغذائي على الصعيد الوطني والدولي كمشكلة خطيرة لما لها من انعكاسات سلبية على تأمين الغذاء، وإذا كان الأمر كذلك فإن السؤال الذي ينبغي أن يطرح في هذه الحالة، لماذا لم يسع المغرب  لتأمين الاكتفاء الذاتي من الحبوب؟ علماً بأن الأرض الزراعية ووجود السدود وأنظمة الري وغيرها من الوسائل كفيلة بتهيئة الأرضية المناسبة للاكتفاء الذاتي من القمح.

ضعف التساقطات المطرية

وفي ظل موسم فلاحي متسم بضعف التساقطات المطرية، زاد المغرب من وارداته من القمح مع بداية العام الجاري، بحسب معطيات صادرة عن مكتب الصرف، إذ استورد المغرب خلال شهر يناير الماضي ما يناهز 805 آلاف طن من القمح، مسجلاً زيادة تفوق الضعف عما استورده السنة الماضية.

ورغم نهج سياسات فلاحية من قبيل مخطط “المغرب الأخضر” لم يستطع المغرب تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب، رغم أنه  بلد فلاحي بامتياز، ولازال يستورد أطناناً من الحبوب من بلدان شرق أوروبا، التي تعيش اليوم حرباً باتت تهدد الأمن الغذائي للعالم،  وخاصة بالنسبة للبلدان الإفريقية.

ُيضاف ذلك إلى التقلبات الدولية أيضا والمتغيرات المناخية التي أثرت بشكل بالغ على المحصول الفلاحي، وعلى الأمن الاجتماعي المهدد بالانفجار إزاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي ترجعها الحكومة إلى أسباب خارجية ،ما استدعت الحاجة إلى طرح تساؤل عن دور المخططات الفلاحية التي تنهجها الدولة إن لم تكن قادرة على مواجهة الأزمات ومتقلبات السوق الدولية؟

الفلاح المتعلم مردوديته أعلى

وعن أسباب عدم  قدرة المغرب على تحقيق اكتفاء ذاتي من الحبوب، صرح عمر الكتاني أستاذ التعليم العالي في الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط لجريدة “بلادنا24” قائلا: ” يمكن إدراجها ضمن عدة عناصر، أولها تعليم الفلاح، وبحسب مهندس زراعي كان قد أشرف على عدة مناطق ولاحظ أن المردودية تختلف في الأرض نفسها مرة ب20 قنطار، ومرة 40 قنطار، وعند البحث عن الأسباب وجد أن هناك فلاح متعلم، وفلاح غير متعلم، وبالتالي الفلاح المتعلم مردوديته أعلى من الفلاح غير المتعلم.

وأردف، قائلا: ” لماذا الإنتاج من الحبوب مرتبط بالأمطار؟، لأن الفلاح نفسه إن كان متعلما يمكن أن يُدخل الأساليب العصرية لزيادة الإنتاجية، وإذا كانت الأمطار ضعيفة يعوضها باللجوء إلى بدائل أخرى، وفي هذا الإطار كانت هناك سياسة السدود بالمغرب في بداية الاستقلال، الذي أشرف عليها الملك الراحل الحسن الثاني، ولكن بناء السدود قلّ في السنوات الأخيرة، وأدركنا من جديد بأن الاستهلاك في الماء ارتفع، والتصحر ارتفع، وانخفضت بشكل كبير الموارد المائية في المغرب”.

وواصل حديثه،قائلاً:” سياسة السدود مرتبطة كذلك بسياسة التشجير ،فالمناطق الجنوبية بالمغرب هي مناطق صحراوية، وأحد أساليب مقاومة التصحر هي التشجير، فالأشجار تجلب الماء، والسحاب، والأمطار وبالتالي تم الرجوع حديثاً لسياسة التشجير في المغرب من خلال زراعة أشجار النخيل، والزيتون المقاومة لقلة الماء”.

و بالتالي ،فإن التبعية الغذائية للمغرب تزيد حدتها سنة تلو الأخرى، فهي ليست مرتبطة بسقوط الأمطار، وهو ما فسره أحد الخبراء في الاقتصاد بأن المغرب يستورد ما مجموعة 30 إلى 35 مليون قنطار من الحبوب حين يكون الإنتاج من الحبوب ضعيفاً، بينما يستورد ما بين 40 إلى 50 مليون قنطار من الحبوب حينما يكون الإنتاج مرتفعاً، وهو ما يفضي إلى التساؤل لماذا لم تكن سياسة الاكتفاء الذاتي ضمن أولويات المخطط الأخضر؟

واعتبر الكتاني أن سياسة الاكتفاء الذاتي فيها تخطيط على المدى المتوسط، والطويل، وللأسف بعض المواد الغذائية لا تتوفر على اكتفاء ذاتي كالسكر، والزيت، والحبوب، وهي كلها مواد أساسية للاستهلاك، وهذه المواد تحتاج إلى الماء.

وهو ما يدعونا يضيف عمر الكتاني إلى ترشيد استعماله، إذ ما تزال مدن كبرى تزين بغرس يستهلك الكثير من الماء، علاوة على زرع مواد تستهلك الكثير منه في بعض المناطق الصحراوية كزراعة البطيخ الأحمر، ولا بد من دعم الفلاح لتعويضها بمواد أخرى صالحة ونافعة ومطلوبة في السوق والتي لا تستنزف الفرشة المائية.

جزء من الحبوب التي نستوردها مخصصة لعلف الحيوانات

وعن عدم الاهتمام بزراعة الحبوب ضمن المخططات الفلاحية رغم توالي موجات الجفاف أجاب أستاذ التعليم العالي بالقول: “جزء من الحبوب التي نستوردها أو نزرعها لا يستهلكها الإنسان، بل هي مخصصة لعلف الحيوانات، ولهذا نستعمل الكثير من البروتينات النباتية لإنتاج بروتين حيواني مكلف، في الوقت الذي نملك شواطئا وبحارا تبلغ 3400 كم ، لذلك من المفترض أن يستهلك المغربي اللحوم البيضاء وعلى رأسها السمك، لأن اللحوم الحمراء مكلفة من ناحية تغذية المواشي من الحبوب.

وواصل حديثه،قائلاً: “لكننا نقوم بتصدير السمك للخارج ونعطي للمغاربة لحوم تستنزف الكثير من الحبوب، ونقوم بدورنا باستيراد الأخيرة، عوض أن نستهلكها مباشرة بالإضافة إلى اللحوم البيضاء، لذلك هناك إشكالية فيما يخص النموذج الفلاحي الإنتاجي الموجه بالأساس إلى السوق الأجنبية، وعدم توجيهه إلى السوق الداخلية.

واعتبر الكتاني أن الإنتاج الزراعي بشكل عام والحبوب بشكل خاص، يمكن أن يتوسع في المناطق التي ستنهج سياسة التشجير كي تخلق جوا من الرطوبة النافعة في الزراعة، إذ هناك علاقة عضوية بين سياسة السدود وسياسة التشجير في المنطقة الوسيطة بين الصحراء المغربية، والشمال المغربي.

مستطردا: “الحاجة إلى الماء فرضت لوضع محطات لتحلية ماء البحر، وهذا لا يصلح للفلاحة فهي مكلفة، لذا فسياسة “كوتاكوت” تساعد على الاقتصاد في الماء، ويتعين على الدولة دعم المزيد من الفلاحين الذين يستعملون هذه الوسيلة العصرية”.

ودعا المتحدث ذاته إلى ضرورة تغيير أسلوب الاستهلاك، وإلى الحث على مراجعة سياسة الاستهلاك للحبوب في المغرب، بالإضافة إلى خفض استهلاك القمح اللين لما له من أضرار على مستوى الصحة، وتغييرها بالقمح الصلب.

نحن ننتج ما لا نستهلك

وفيما يخص  أسباب عدم تحقيق سياسة فلاحية مقاومة للأزمات ضمن برنامج المغرب الأخضر،يرجع الكتاني ذلك لكون الاختيارات التي تبناها المغرب هي امتداد لاختيارات المستعمر، قائلاً: نحن ننتج ما لا نستهلك، ونستهلك ما لا ننتج، بحيث أننا نصدر القمح الصلب ونستورد القمح الطري، كما كنا ننتج ونستهلك ونصدر زيت الزيتون، وأصبحنا  نستورد زيت الكاكاو والذرة والزيوت الخفيفة، ونصدر زيت الزيتون، وبالتالي ما ننتج من زيت الزيتون نصدره، وما نستهلك من الزيوت الأخرى الأقل جودة ونفعاً للصحة نستوردها، وهذا نموذج استعماري قمنا بتبنّيه.

وحسب التقارير ،بلغت واردات المغرب من القمح في مستهل السنة الجارية قرابة 2.6 مليار درهم، مقابل 901 مليون درهم في شهر يناير من السنة الماضية، هذه الزيادة ترجع إلى ارتفاع أسعار الحبوب في السوق العالمية، إذ قفز سعر الطن الواحد في نهاية يناير الماضي إلى 3,238 درهم، مقابل 2669 درهم في العام الماضي.

واستطرد المتحدث نفسه، قائلاً: “في الأيام الأخيرة كنا سنصدر الطماطم لولا تدخل الدولة ضماناً لوفرتها داخل الأسواق الوطنية، لكن في الوقت ذاته بات ثمنها باهضاً في السوق، لأننا نصدرها، والاكتفاء الذاتي سينعدم وبالتالي كي نقل من استهلاكها نقوم برفع ثمنها”.

ويرى المتحدث ذاته، أن الحكومات التي تتعاقب على المغرب لا تملك دراية كافية عن القطاعات الفلاحية،” لهذا السياسات الفلاحية التي تغذي المواطن المغربي إلى حد ما، تقابل إما بانعدام الاكتفاء الذاتي، أو بغلاء الأسعار، وهنا يمكن القول أن  الاكتفاء الذاتي بالمغرب هو اكتفاء نخبوي بسبب الغلاء”.

المغرب يستورد بين 60 إلى 75 مليون قنطار من الحبوب

يُشار إلى أن المغرب يستورد سنوياً من الخارج، خاصة من الولايات المتحدة وفرنسا وكندا وأوكرانيا ما يتراوح بين 60 إلى 75 مليون قنطار من الحبوب، لكن بعدما حطت الحرب أوزارها في أوكرانيا فرضت الحكومة  قيوداً على تصدير منتجاتها من القمح ما أفضى إلى زيادة أسعارها في الأسواق الدولية.

وللتخفيف من وطأة ذلك بحسب أستاذ الاقتصاد، يجب إعادة النظر بشكل عام في السياسات الاجتماعية بمعنى الاستثمار، والانتاج الاقتصادي في القطاعات الاجتماعية الضرورية بالنسبة للمواطنين، ويجب النظر في مصلحة المواطن قبل مصلحة الدولة من ناحية المداخيل.

مردفاً في ختام حديثه: “لحد الآن الدولة تفكر فقط في عدم وجود العجز في ميزانيتها، لكن عندما تولي تفكيرها بالمواطن، وفيما بعد تفكر في توازناتها  سيكون لدينا سياسة لتعليم الفلاح، وسياسة استهلاك السمك وتشجيعه على استهلاكه بدل اللحوم الحمراء، ونستبدل القمح اللين بالصلب، وهذه البدائل هي مبنية على التخطيط في مصلحة المواطن قبل أي شيء”.

بلادنا24 – مريم الأحمد

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *