كل المياه بلون الغرق في “الجمعة السوداء”. رحلة الموت من “مزرعة هارون” إلى “لعبة الحبار” في كوروكو

بلادنا24 من الناظور – أمين الري

بين القبور وتهم تصل إلى الإعدام، ومفقودين لا يعلم أحد مصيرهم، اختلفت السبل والموت كان المصير المُؤَجَّل أو المُعَجّل، بهذه الكلمات يمكن وصف ما وقع للمهاجرين في “الجمعة السوداء”، الرابع والعشرين من يونيو، لحظات أقرب لـ”كل المياه بلون الغرق”، وهي رواية لإيميل سيوران، بكتابة ساخرة مستظلة بخفتها مستنجدة بآخر ملجأ ممكن للإنسان، فالكاتب فيها لا يهرب من الموت لكنه يرفض الانتحار، ويقول إن “كل كتاب هو انتحار مرجأ”.

 

“آلاف الأميال، من شرق القارة السمراء إلى شمالها، رحلة المهاجرين السودانيين من بلدهم الى المغرب، والوجهة بوابة الفردوس: مليلية المحتلة”، هكذا يمكن تلخيص معاناة المهاجرين الذين قطعوا الأميال، ليواجهوا قبورا طمرت آلام الحروب الأهلية والمعاناة سواء في بلادهم، وفي جبل كوروكو، أو أصفادا بسجن الناظور،بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.

جمعة سوداء بعنوان “هجرة من السودان”

 

جرت العادة أن تستقبل بوابات مليلية عشرات المحاولات العشوائية للمهاجرين جنوب الصحراء الطامحين للعبور إلى جنة الاسبان، حقق البعض حلمهم، والبعض الآخر ينتظر الفرصة المرة تلوى الأخرى.

الـ24 يونيو كان للسودانيين، وبينهم جنسيات اخرى، كان لهم رأي آخر، ومحاولة أكثر تنظيما، وعزيمة أقوى للعبور في وضح النهار كبيرة، انتهت أغلبها في السجون، أو القبور أو المصير المجهول، في يوم وصف ب”الجمعة السوداء”.

قبور المهاجرين
قبور المهاجرين

“جمعة سوداء”،  هكذا وصفت المنظمات الحقوقية ما وقع في بين مليلية والناظور، بعد مقتل، أكثر من عشرين شخصا كانوا يحلمون بالجنة الإسبانية، أغلبهم سودانيين، وإصابة العشرات بين المهاجرين والسلطات، وفقا للمعطيات الرسمية.

أكثر من عشرينا قتيلا وعشرات المصابين والمتابعين، في حين أكثر من مئة وثلاثة وثلاثين، أغلبهم من السودان ووبعضهم من تشاد، استطاعوا الوصول إلى مليلية المحتلة، طالبين اللجوء بالأخيرة، وفقا لمصادر حقوقية.

عصابات الاتجار في البشر أم حلم الفردوس؟

فهل يتعلق الأمر بـ”عصابات الاتجار في البشر” أم مهاجرين يحلمون بطي آلام بلدناهم من خلال الهرب إلى قارة أخرى يفصلهم بينها جدار يحسم المصير إما قبور أوأصفاد، أو مراكز لإيواء اللاجئين بالمدينة المحتلة الخاضعة لسيطرة الإسبان؟

“مافيا تهريب البشر وراء ما حدث على أسوار مليلية”، اتهام تُجْمِعُ عليه الحكومة المغربية ونظيرتها الإسبانية.

من جانبه، اتهم الناطق الرسمي بإسم الحكومة، مصطفى بايتاس،”مافيات الاتجار في البشر” بالوقوف وراء الأحداث التي عرفها سياج مليلية المحتلة، وهو الأمر الذي يتطابق مع رواية بيدرو سانشيز.

وفي المقابل أشار سانشيز، في مؤتمر صحفي سابق، إلى “مافيا تهريب البشر” كونها وراء ما حدث على أسوار مليلية.

اتهام تُجمع عليه مدريد والرباط، بكون مافيا الاتجار في البشر وراء ما حدث، وأودى بحياة أكثر من عشرين مهاجرا، وإصابة العشرات، وفقا للمعطيات الرسمية.

كيف وصل هؤلاء السودانيين من شرق القارة إلى شمالها ؟

حلم الفردوس، وفجأة تحول إلى كابوس، إذا سَلِم المهاجر من القبر فمصيره المتابعة، فعشرات المتابعات، بين الجنح والجنايات، أغلبهم سودانيين كما سبق الذكر، مع وجود بعض المهاجرين من جنسيات، لم تكن في السابق تتجه للمغرب من أجل محاولة الهجرة، ويتعلق الأمر بليبي ضمن المتابعين، بالإضافة ليمني.

اختلفت الطرق، ونقطة الوصول واحدة، منطقة مغنية الجزائرية، فالمعترفين أجمعوا على مزرعة بالجزائر يجتمعون فيها، ثم يتجهون للمناطق الحدودية والدخول إلى المغرب.

من السودان شرقا ثم تشاد، والجزائر ثم الزاوية (منطقة مغنية)، لينطلقون إلى رأس عصفور، في الحدود بين المغرب والجزائر، أو هناك سبيل آخر ويتعلق الأمر بالسودان ثم ليبيا وبعدها الجزائر (ورقلة ثم تامنراست إلى الجزائر العاصمة وبعدها وهران إلى مغنية)، سبل وعرة من أجل الحلم الأوروبي، وتختلف الطرق ومنطقة مغنية حاضرة، في أقوال المهاجرين السودانيين.

 

nadoor 1

مزرعة “هارون” بالجزائر

 

فالمعطيات المتوفرة لـ”بلادنا24“، الصادرة من المهاجرين بمحاضر الشرطة، تجمع على وجود مزرعة كبيرة، بمنطقة مغنية، تدعى “مزرعة هارون”، يجتمع فيها السودانيين وغيرهم من باقي الجنسيات الإفريقية جنوب الصحراء، من أجل الهجرة إلى القارة العجوز، بمبالغ متفاوتة حسب جنسية الحالم بالهجرة، وتتراوح بين 50 دولار و100 دولار.

المهاجرون يصفون المزرعة الجزائرية، في محاضر الشرطة، وكأنها “معسكر”، يتدربون فيه بقيادة مسؤول يدعى “BOSS INVAY”، قبل وصولهم إلى المغرب.

منطقة مغنية (خرائط كوكل)
منطقة مغنية (خرائط كوكل)

وعن تفاصيل الشبكة، تضمنت أقوال المعتقلين السودانين بمحاضر الشرطة، إسم زعيم العصابة بجنسية مالية، ويدعى “BOSS INVAY”، وشقيق له (لايوط)، بالإضافة لمواطن جزائري بإسم (ع)، وسوداني بإسم (ر) ومواطن مغربي بإسم (ي)، هم المتحكمون في الشبكة المكلفة بالهجرة، بين السودان وسياج مليلية المحتلة، وقبل الأخيرة جبل كروكو.

“SQUID GAME” في جبل كوركو

المهاجرون وفقا لتصريحاتهم، يتجهون للمغرب طمعا في الهجرة، واجتياز اختبار السياج بنجاح، بعدما دفعوا المقابل في مغنية، وتدربوا هناك، فيلتقون بـ”حامد” المواطن السوداني، في غابة “كوروكو”، ولا خيار لهم سوى الطاعة والولاء المطلق، للسوداني زعيم الشبكة.

وكأن الأمر يتعلق بـ”لعبة الحبار” الكورية الشهيرة، فزعيم العصابة السوداني، بقناع يصعب التعرف عليه من المهاجرين، أما مساعديه فكلهم بـ”أوشحة”، التي يمكن أن يرتديها المهاجرون الجدد في حال ما استطاعوا القيام بالمهام المنوطة بهم.

وإذا كان الحالم بالهجرة، يتوقع المأكل والمشرب والتدريب في مخيم كوركو، دون القيام بمهام إضافية، فهو مخطئ تماما.

فالحالمين بالهجرة الملتحقين حديثا، لديهم مهمة استطلاعية بين الفينة والأخرى، وتتمثل في مراقبة التحركات الأمنية ببني نصار والمناطق المجاورة لها.
فإذا كانت المهمة التي قاموا بها ناجحة، ورصدوا التحركات، فبإمكانهم التحول من مشاريع مهاجرين من درجة ثانية إلى مساعدي زعيم المخيم، بأوشحة يمكنهم ارتداؤها للترقب من زعيم المخيم.

مجموعات من 50 مهاجرا

الاعترافات ذاتها، تؤكد أنه بعدما يدخل المهاجرون للمخيم، يتفرقون لعدة مجموعات، بعدما استقبلهم (ر) مواطن سوداني، وسلمهم لـ(إ.ع.ه.ح) سوداني الجنسية، وكل مجموعة تتكون من 50 مهاجر، من أجل التدرب على مواجهة السلطات الأمنية، بالمخاطف والأسلحة البيضاء.

18 و23 من يونيو

وقبل “الجمعة السوداء”، تشير مصادر إلى أن هناك تاريخين مهمين بخصوص الواقعة وهو الثامن عشر من شهر يونيو، بالإضافة للثالث والعشرين من نفس الشهر، أي قبل يوم من الواقعة.

الثامن عشر من الشهر، تشير المصادر ذاتها لـ”بلادنا24“، إلى وجود تحركات غير مسبوقة، أمام غابة كوروكو، مع تبين وجود تخطيط من قبل المهاجرين، وقبل يوم من “الجمعة السوداء”، كانت هناك مناوشات بين المهاجرين والسلطات، مع وجود إصابات في صفوف الحالمين بالهجرة والسلطات كذلك.

أولى الجلسات .. وصفة “اللاجئ”

بلادنا24“، حضرت أولى جلسات المتهمين، المتابعين بجنح، التي أقيمت عن بعد، حيث تقررت تأجيلها للثاني عشر من شهر يوليوز الجاري، بمطالب من الدفاع تتعلق بتمتيعهم بالسراح المؤقت، بضمانة “صفة اللاجئ” التي تبقى فقط اعتبارية.

 

WhatsApp Image 2022 07 09 at 17.40.32 1 1

وأكد أغلبية المتهمين المحاكمة حضوريا، في حين طالب ثلاثة منهم بالمحاكمة عن بعد، هذا بخصوص المجموعة الأولى.

وبخصوص المجموعة الثانية، هي الأخرى التي تضم أغلبهم السودانيين، أكدوا طلبهم المحاكمة عن بعد.

وتتكون هيئة دفاع المهاجرين من خالد أمعيز، عن “كاديم”، ومبارك بوزيك ممثلا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في الدفاع عن المتهمين، وعبد الصمد بلحاج عن الوسيط من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية، ولكبير لمسكع، يترافع بإسم المفوضية السامية للاجئين.

في حين لم تعلن المحكمة عن طرف مطالب بالحق المدني.

وعرفت الجلسة حضور ممثلا للجنة الجهوية لحقوق الإنسان، كمراقب في أولى جلسة للمتهمين.

وفي السياق ذاته، كشف المحامي مبارك بوزيك في تصريح لـ”بلادنا24″، أن المتهمين يتابعون بتهم تتعلق بـ”تسهيل الدخول للتراب الوطني بشكل سري، وإهانة الموظفين العموميين أثناء قيامهم بوظائفهم، وجنحة العصيان، وحيازة السلاح، وجنحة التجمهر المسلح”.

ويضيف المحامي، “التهم الموجهة، سنترافع عليها، بحكم أن فيها عيوب شكلية وقانونية”.

أما بخصوص ضمانة “اللاجئ” التي قدمها الدفاع من أجل ملتمس السراح، يقول فيها المحامي “نعتبر أن اللاجئ لديه حماية خاصة، بحكم الاتفاقيات الدولية المصادق عليها، والمواثيق الدولية ذات الصلة، هذه هي الضمانة التي أعتبرها ضمانة خاصة”، متابعا “اللاجئ يجب أن يُعامل معاملة تفضيلية”.

الطرف المدني غائب

ويردف المتحدث، بخصوص عدم تنصيب طرف مدني، “الضحايا تم الاستماع لهم في محاضر الضابطة القضائية، إلا أنه لحدود الساعة لم ينصبوا طرفا مدنيا، ولم يحضروا للتعويض، لكن في الأول والأخير يبقى حقا لهم لا يجب أن يصادر”.

تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام

هذا في ما يخص المتابعين في المحكمة الابتدائية، بجنح، أما المتابعين بالجنايات، فيتابعون بتهم تتعلق بـ”تكوين عصابة إجرامية، والاحتجاز وإضرام النار والتهديد بالقتل، الإخلال بالنظام العام وتهديد الأمن الداخلي وغيرها من التهم”.

WhatsApp Image 2022 07 09 at 17.56.18 1

 

بالرجوع للقانون الجنائي، تصل عقوبة إضرام النار إلى الإعدام :

code penal 1

وتعد جريمة إضرام النار، أكثر التهم الموجهة إلى المهاجرين المتابعين بالجنايات، في محكمة الاستئناف بالناظور.

مجلس بوعياش يدخل على الخط

وفي سياق الجدل الحقوقي، في ما يخص الواقعة التي تضارب الأرقام حولها، قرر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إحداث لجنة استطلاعية بخصوص الأحداث .

وجاء في بلاغ المؤسسة الدستورية، أنه “بتكليف من رئيسة المؤسسة، يقوم وفد من المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمهمة استطلاعية بمدينة الناظور ونواحيها، على إثر الأحداث المأساوية والعنيفة التي ترتبت عن محاولات عبور مئات المهاجرين لبوابة العبور بين مدينتي الناظور ومليلية، وما نتج عنها: وفاة 23 شخصا وإصابة 76 من العابرين وجرح 140 عنصرا من عناصر القوات المغربية، حسب آخر المعطيات المتوفرة”.

وتابع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عبر لجنته الجهوية بالشرق وأعضائها بنواحي الناضور، المعلومات المتقاطعة بخصوص العدد الهائل للأفراد الذين حاولوا العبور في نفس الوقت وحدة العنف وحجم الخسائر في الأرواح.

“كما عاين المجلس مجموعة من الصور والفيديوهات المنتشرة. وبهذا الخصوص سجل المجلس، مرة أخرى، نشر صور وفيديوهات لا علاقة لها بمحاولة عبور المهاجرين، تتضمن تضليلا ومعطيات غير حقيقية بشأن العبور الجماعي المكثف وما نتج عنه”، وفقا للبلاغ.

بداية بدون نهاية

وإذا كانت لكل بداية نهاية، لكن في هذه القصة النهاية مازالت مفقودة، ومصير عدد من المهاجرين مازال محل أسئلة، فهناك عدد من المهاجرين، مصيرهم مازال مجهولا، فلا وجود لأسمائهم في لائحة المتابعين ولا المفقودين ولا من نجحوا في تجاوز السياج.

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع الناظور نشرت عدا من المفقودين، مع صور لهم وتاريخ اختفائهم .

 

منقول عن صفحة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع الناظور
منقول عن صفحة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع الناظور

WhatsApp Image 2022 07 09 at 17.22.34 1

ومازال مصير هؤلاء غير معروف، لدى الفعاليات الحقوقية، التي تبحث في مصير هؤلاء، الذين فُقدوا في الرابعة والعشرين من شهر يونيو الماضي، فهل يتعلق الأمر بالوفاة أم فروا للمدينة المحتلة دون ذكر أسمائهم، هي فرضيات وأخرى لكن المصير مازال مجهولا.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *