حكايات بوطالب | بعد محاولة انقلاب اعبابو .. زوجة أوفقير انبطحت باكية بالقصر الملكي أمام الحسن الثاني

تحدث الراحل، عبد الهادي بوطالب، المسؤول الدبلوماسي والحكومي، ومستشار الملك الحسن الثاني، عن مرحلة مهمة من تاريخ المغرب، والمتعلقة بما بعد المحاولة الانقلابية بالصخيرات، التي قادها الجنرال امحمد أعبابو، وعدد من رفاقه .

 

اختلاء بالملك

وعن ما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، يروي بوطالب في كتابه “نصف قرن من السياسة”، “دُعينا لحفل إلى بيت الأمير مولاي علي الذي ازدادت له بنته للأجمانة، وحضر الملك الحفل فنادى الملك علي وعلى إدريس السلاوي، وأحمد العراقي، وقال لي : «الأمور كلها انتهت، وما وقع في الصخيرات هو مجرد حادث سير لا قيمة له، لذا ينبغي أن تستدعي أعضاء مجلس النواب لتزيل عنهم الصدمة، ويستأنف مجلس النواب أعماله».

ويتابع المسؤول الحكومي الراحل، “قد حضر هذا الجزء من الحديث كل من المدير العام للديوان الملكي إدريس السلاوي، والوزير الأول أحمد العراقي، فقلت له : “أريد أن اختلي بك لأحدثك عن أشياء مهمة”.

 

يُواصل بوطالب تفاصيل اللقاء، بعد محاولة انقلاب الصخيرات: “ما أن سمع إدريس السلاوي هذه الكلمات حتى انسحب ليترك الملك في راحته معي على انفراد،أما أحمد العراقي فتردد، إلا أن الملك قال له : «اتركني بانفراد مع فلان»، ومن آداب المراسيم الملكية بالمغرب أن لا ينصرف أحد من مجلس الملك إلا بأمره، وأن لا يحضر مجلسه إلا بإذنه، وآنذاك قلت لجلالته : «أريد أن أتحدث إليكم في أمور خطيرة الشأن بالغة الأهمية»، فقال :” تفضل ،فسألته : «كم تتفضلون به على من وقتكم؟». فرد قائلاً : «إذا كان ما تريد قوله خطيرا، ويتطلب وقتا طويلا فمن الأحسن ألا نتحدث هنا».

التوجه إلى الصخيرات

“وسألني الملك : «كم تحتاج من الوقت ؟». قلت : «حوالي ساعة من الزمن»، فقال لي : أنا الآن ذاهب لتناول الغداء في الصخيرات فالتحق  بي». وكان الملك قد حرص على الإسراع بعودته إلى نفس القصر الذي جرت به الأحداث، وكأن شيئا لم يكن”، يروي بوطالب في كتابه.

وعن ما إذا كان الملك الحسن الثاني، أصيب بـ”عقدة الصخيرات”، أشار بوطالب إلى أنه “كان حريصا على تبديد هواجس الأحداث وإشعار حاشيته وخاصته من حوله بأنه وضعها بين قوسين، والمهم أنه عاد إلى قصر الصخيرات آمنا مطمئنا. وقد اختار عن قصد فرنسيا يعمل بالمطبخ الملكي لتقديم الطعام لنا لأنه لم يكن يحسن العربية حرصاً من جلالته على ألاّ يتسرب شيء من حديثنا، وكان اسمه “بوريو”، وقد أصبح فيما بعد مديراً لفندق المامونية بمراكش”.

“لن أغير من أجل التغيير”

يضيف المستشار الملكي الراحل، “طيلة الغداء الذي استمر ساعة، صارحت الملك ببعض الحقائق، منها أن حادث الصخيرات المؤلم الذي كان مؤامرة فاشلة يستدعي إعادة النظر في عدد من الأمور، ويفرض تغيير المسؤولين في الأعلى، فلكل عهد دولة ورجال، وأبلغته أني سأنسحب من رئاسة البرلمان لأفسح المجال لمن هو أفضل وأصلح”.

يضيف بوطالب، أن “الملك رد قائلاً :”لن أغير من أجل التغيير، ولن يشمل التغيير الصالح والطالح، وأنت شخصيا لن أقبل منك الانسحاب من موقعك”.

ويصف المستشار الملكي السابق، الحوار،قائلاً: “كنت أجري الحديث معه وأنا أمشي على الأشواك مختارا تغليف الكلام في قوالب شكلية أحيانا وأحيانا أخرى أتحدث صراحة بوضع النقط على الحروف متوخيا دائما أن لا ينفر من أحاديثي وأن يتقبلها قبولا حسنا، وأخيرا تحاملت على نفسي وقررت أن أسر إليه بمخاوفي مما أصبحت أؤمن به من أن أوفقير يدبر شيئا”.

توجس من تحركات أوفقير

وعن مضامين حواره، يقول بوطالب: “توجهت إليه ،قائلاً : «إني  يا جلالة الملك ، أحمل في صدري سرا يؤرقني، عفوا ليس  سرا بل هاجسا قد أكون مخطئا فيه وقد أكون مصيبا، وهو هاجس لازمني عدة شهور وقذف بي في جو من الريبة والشك في شخص مقرب إليك، لا أريد أن أقول لك ولا يمكنني أن أقول لك كيف تكون هذا الهاجس عندي؟ ولكن عندي ظنون وشكوك في هذا الشخص أخذت تقوى وتتنامى» وأضفت: «لا تلح علي يا مولاي لأشرح لجلالتكم الأسباب، فأنا أريد أن أبقى حيا وابا لثلاثة أولاد…»، فقال الملك : «الهذه الدرجة وصل بك الأمر؟». فقلت له : «أود أن أبتدئ : هل تثقون بالجنرال أوفقير؟»، فقال : «كيف؟ ماذا تقول؟ » قلت : «أنا أتكلم عن مجرد هواجس داخلية،ولن أفصح لجلالتكم عن أسباب وضع هذا السؤال». فرد الملك : «ما هذا الكلام؟ إن أوفقير لا يقول فيك إلا خيرا، وأنت بقيت متوقفا عند فترة انتهت عندما كنت وزيرا للعدل وهو وزير للداخلية واختلفتما اين ينعقد الاجتماع بين العمال من جهة والقضاة ووكلاء الدولة من جهة، وفرضت على أوفقير أن ينعقد الجمع عندك بوزارة العدل ليكون الاجتماع تحت رئاستك». قلت له : «الأمر يا مولاي أعظم بكثير من ذلك، أرجـو مـن الله أن أكـون مخطئاً وأرجـوه أن يثبت لي أن هـاجسي مـن وحي الشيطان، وأن يغفر الله لي»”.

عائلة مخلصة

وخلص المتحدث في كتابه، عن الموضوع،”فقال الملك : «أنت لا تعلم أن زوجته فاطمة جاءت إلى القصر الملكي وتحربلت” (انبطحت على الأرض باكية) وتلملمت نادبة وجهها وهي تصرخ كاد يضيع لنا عزنا ومجدنا، الحمد لله على نعمته. كيف كنا سنبقى بعد سيدنا؟ ماذا سيؤول إليه مصيرنا أنا والجنرال وأولادنا الصغار لو نجحت المؤامرة ؟». وأضاف الملك قائلاً : «يا سي بوطالب هذه عائلة مخلصة، لا تفكر في مثل هذا، ادفع عنك هذه الأوهام ولا تفض، بهاجسك هذا لأحد»”.

 

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *