جرموني: الشباب المغربي يجد في الارتباط بالدين نوعا من إعادة الممارسات الثقافية

كشف استطلاع الرأي الذي أنجزته شبكة الباروميتر العربي، حول معدلات الالتزام الديني بالعالم العربي لسنتي (2021-2022)، أن عموم الشعب المغربي لاسيما فئة الشباب، أصبحوا أقل إقبالا على اعتبار أنفسهم “غير متدينين‘‘، بعد أن سجلت هاته الصفة أعلى مستوياتها خلال سنة 2019، فضلا عن تزايد نسبة المغاربة الذين يستمعون للنصوص الدينية بشكل يومي من 34 في المائة إلى 53 في المائة، خلال نفس الفترة.

ورجح التقرير أن تكون زيادة نسب الالتزام الديني الشخصي بسبب عدد من العوامل، مثل‘‘ آثار كوفيد-19، وتدهور الظروف الاقتصادية، أو لمواجهة تحديات أخرى من النوع الذي يرجع الناس للالتفات إلى الدين”.

تعقيب رشيد جرموني على الباروميتر

وفي نفس الإطار، قال رشيد جرموني، باحث في علم اجتماع الأديان ومؤلف كتاب “الدين والإعلام في سوسيولوجيا التحولات الدينية”، أن “هذا التقرير الذي أنجزته الباروميتر العربي، واهتم بدراسة الممارسات الدينية بالعالم العربي، يعد مبادرة مهمة جدا في تطوير نوعية جديدة من المؤشرات الدينية، والنتائج التي جاء بها التقرير لم تفاجئني، على اعتبار أنها تؤكد مسألة أن الشباب المغربي، معتز بهويته الدينية ويعطيها قيمة كبرى”.

وأضاف رشيد جرموني، أن “الممارسات الدينية، التي شرحها التقرير باعتبارها متابعة الشباب المغربي لبعض الأنشطة الدينية، أو قراءة القرآن أو غيرها، وربط مسألة هذا الإقبال على سماع النصوص الدينية بالظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، والتي دفعت بفئة من الشباب للارتباط بالروابط الدينية”.

وشدد جرموني، على أن “المعطيات أو الملاحظات المنهجية، والتي يمكن أن نلاحظها في مثل هذه التقارير، هي ذات طبيعة كمية بمعنى آخر هي تطرح أسئلة عامة وأسئلة إحصائية، بمعنى أنها تحاول أن تنصب الاتجاهات العامة لدراسة التدين، وهذه المسألة تبقى فيها بعض المحاذير، بحيث أنها تعطينا فقط تعميما بدون أن يصب في العمق، فالواقع بالفعل أن فئة الشباب معتز بهويته الدينية، لكن لا يفهم منه أن هذه الفئة من الشباب هي فئة متجانسة ثم هذا الاعتبار لا يعني أنه عندها تماهي مطلق مع القيم الدينية الإسلامية”.

كما أشار جرموني، إلى أن “هناك ثلاثة ملاحظات أساسية، أولها أهمية ما وصل إليه التقرير على مستوى إبراز اعتزاز جزء من الشباب بهويتهم الدينية، وفي ارتفاع الممارسات الدينية، بيد أن الأمر ليس مرتبط بظروف اقتصادية أو أزمات اجتماعية، بل هو يعكس مدى الحضور الثقافي للتدين الشعبي، بالموازاة مع تدين فردي عقلاني متفاوض، وثانيا هناك اختزال في دراسة الخريطة الدينية للتقرير، حيث تم إغفال العديد من المؤشرات الدالة كممارسة الصلاة والصيام والذهاب للمسجد، وهي كلها تستطيع أن تكشف لنا عن مستوى التدين صعودا ونزولا. وأخيرا لا يعني أن ارتفاع الارتباط الهوياتي للشباب بالتدين، استخلاص قراءة حدية للنتائج التي تبقى غير معبرة عن تركيبة الظاهرة الدينية، فالشباب المغربي اليوم بقدر ما هو معتز بهويته الدينية فهو منفتح وتشرب لقيم عقلانية بل علمانية بمعنى أن الشباب اليوم يقدم قراءة عقلانية للتدين بعيدا عن كل الدوغمائيات أو الانغلاق”.

الممارسات الدينية وارتباطها بالتقاليد

وأفاد المتحدث ذاته، بأنه توصل في دراسته، إلى أن “جزء من الشباب المغربي قد يجد في الارتباط الديني الهوياتي نوعا من إعادة الممارسات التقليدية الثقافية المترسخة سابقا، و المتوارثة عبر الأجيال، ويتم إعادة إنتاجها انطلاقا من التمثلات ومن الاعتقادات، لكن نجده في المقابل يعبر عن توجهات عقلانية إلى حد ما علمانية، ولا أقصد هنا التوجهات العلمانية المخالفة للدين، لكنها تتفاوض مع القيم الدينية وتجعل هذه القيم الدينية أكثر عقلانية، وكمثال على هذا في الوقت الذي نجد الشباب يعبر عن هويته الدينية، لكن في الممارسات أو في بعض المواقف قد يظهر تضاد مع بعض القيم الدينية، التي نعتقد أنه لا يمسها النقد والنقاش، مثلا قضية الإرث على سبيل المثال، هناك فئة معينة من الشباب تناقش هذه القضية وتتحفظ على بعض المعطيات الموجودة في النص الديني، وكذلك كمثال آخر قضية العلاقات الرضائية، وهنا أحاول شرح بعض التعقيدات التي تلف الممارسات الدينية، إذا لا يمكن أن نستخلص أن هناك التزام ديني مئة في المائة، بل هناك كما قلت تفاوض وترسب ديني يتم إعادة إنتاجه، وغير مرتبط بالجائحة أو الوضع الاقتصادي، بل هو يشكل ذهنية مترسبة تقليدية عامة لدى فئات الشباب، باعتبار أن الدين عندنا في المغرب وخاصة عند فئة الشباب، يمثل هذه الرمزية”.

وأوضح الباحث في علم الاجتماع، أن “الممارسات الدينية تقاس ببعض الممارسات الدالة في حياة الشباب، خصوصا الصلاة، والذهاب إلى المسجد، وحضور صلاة الجمعة، وصيام رمضان، وهذه مؤشرات أعتقد بأنها أساسية في إبراز المعطيات على مستوى التشبث بالممارسات الدينية، وما يظهر في التقرير هو أن جزء من الشباب يحرصون على القيام بهذه الممارسات الدينية، لكن التقرير تغاضى عن ذكر أشياء مهمة جدا، وهي التي يمكن أن نشرحها في التالي، حيث أظهرت الدراسات التي سبقت هذا التقرير أن غالبية الشباب له ممارسات دينية، لكن هذا لا يعني مطلقا أن هذه الفئة من الشباب، يمكن أن نفهم منها أن الشباب المغربي هو شباب تماهى مطلقا مع هذه الممارسات الدينية، حيث نجد بالمقابل بعض الفئات تمارس التوجهات الفردانية، وسميتها في كتابي التدين الفردي، الذي يتفاوض مع هذه الممارسات كالصلاة بشكل متقطع، وحسب السياق مثلا في رمضان يزداد عدد المصلين أكثر من الأيام العادية”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *