توالي سنوات الجفاف في المغرب : كارثة حقيقية تلوح في الأفق

تتوالى سنوات الجفاف بالمغرب الناتج عن ندرة التساقطات المطرية، والتي خلفت أضرارا اقتصادية واجتماعية بالغة، إذ قلبت ظاهرة نضوب وتراجع منسوب المياه موازين الطبيعة، وتراجع الإنتاج الزراعي الذي يعتمد بشكل كبير على الأمطار كمصدر أساسي للسقي، فالتوقعات تشي باستفحال هذه الظاهرة في أفق عام 2050 بحسب تقديرات رسمية.

وتكمن خطورة الوضع على اعتبار أن الزراعة تمثل أهم القطاعات التي يرتكز عليها اقتصاد الدولة، ويؤثر على احتياجات المواطنين الغذائية، مما يجعل القدرة الشرائية ليست في متناول الجميع، وتبرز ظاهرة الغلاء نظرا لشح المواد الغذائية.

و يؤدي الجفاف إلى الحد من التنوع البيئي، والذي قد تنتج عنه في الكثير من الأحيان، ظاهرة التصحر التي تعيق هذا التنوع من حيث قلة الموارد الطبيعية، وتعدد أشكالها على المستوى الطبيعي، وهذا بدوره ينذر بكارثة بيئية تترك آثارها في كثير من المجالات الطبيعية والاقتصادية.

ومن أهم المشاكل التي تعيق التطور والنمو في عصر الجفاف قلة الماء، ليس على مستوى المغرب فحسب، وإنما على مستوى العالم، وهو ما جعل العالم يتهافت على الاهتمام بقضية المياه في المؤتمرات الدولية الداعية إلى حفظ الماء واستثماره بشكل جيد.
وأشار جلال المعطى ،المهتم بالقضايا البيئية والمجالية في مداخلة مع جريدة “بلادنا24″ أن المغرب عرف في فترات متعددة تعاقب فترات الجفاف إذ تفاقمت نتيجة عوامل مترابطة ومتشابكة تتعلق بالتغيرات المناخية وارتفاع وتيرة الساكنة المغربية وتزايد الضغط على الموارد المائية المتاحة وتصاعد ظاهرة التمدين، بل وانتشار أحياء السكن العشوائي مع ما يرتبط به من انعدام مقومات البنيات التحتية الأساسية.
وتابع المعطى، قائلا: ” ازداد الوضع تفاقما فيما يخص ندرة الماء، ناهيك عن انتشار الزراعات العصرية المعتمدة على نظام الري بالضخ -كما هو الشأن بالنسبة لجهة سوس-ماسة التي تعاني حاليا من نقص خطير في مخزونها المائي، وتزايد استعمال كميات من المواد الملوثة في مختلف الأنشطة الفلاحية والصناعية، الشيء الذي ساهم بشكل كبير في تدهور جودة المياه.
وأردف المتحدث ذاته بأن المغرب يعاني من العديد من الإكراهات في مجال تعبئة الموارد المائية، منها على الخصوص ضعف متوسط نصيب الفرد من الماء سنويا والذي يسجل معدلا أدنى من 700م3 وأقل بكثير من معيار الأمم المتحدة الذي يوجد في حدود 1000م3 للفرد في السنة، ويعد ذلك مؤشرا على وضعية مقلقة، والتي تدخل المغرب في خانة الدول ذات النقص من حيث الموارد المائية.

و يصف جلال المعطى التطورات التي عرفتها الموارد المائية منذ سنة 1981 إلى سنة 2010 بأنها تبين على وجود انخفاض وتراجع في المياه بنسبة 16% في المائة من العوائد الطبيعية في جميع أنحاء المغرب، مما تفاقمت معه الآثار الناجمة عن التصحر على القطاع الفلاحي والتنوع البيولوجي.
وأضاف المعطى فيما يخص الميدان الفلاحي، وبعد انحباس الأمطار طيلة الشهور الأخيرة، لم يبق أمام الفلاحين المغاربة والمزارعين على وجه الخصوص سوى الاستعداد لموسم “شحيح”، حيث تعتمد معظم الأراضي الزراعية المغربية على تساقطات الأمطار، ما يجعلها رهينة لتقلبات الطقس والظواهر الطبيعية. ويتوقع نتيجة الجفاف تضرر القطاع الفلاحي وكذا تراجع الأنشطة الاقتصادية المرتبطة به مثل الصناعة الغذائية والتجارة المتعلقة بالمواد الزراعية، وبالتالي الضغط على القدرة الشرائية للمواطنين، واستفحال البطالة في البوادي والمناطق الزراعية ككل.

ودعا المتحدث نفسه إلى ضرورة إعادة نظر المسؤولين في السياسات الفلاحية المتبعة، وصياغة سياسات أكثر واقعية وأفضل تدبيرا في مواجهة الجفاف، بغاية فك ارتهان الاقتصاد الزراعي للبلاد بأحوال الطقس.

وأشار المعطى على أن أي برنامج عمل للمخطط الوطني للماء 2030 يرتكز على مجموعة من المحاور منها “تدبير الطلب على الماء، وتعبئة الموارد والبيئة، وملاءمة النصوص القانونية لحكامة المياه، وتمكين جميع الأطراف المعنية، مع مرور الوقت، على تغيير المواقف والسلوكيات الضرورية” ويشمل تدبير الطلب برنامج التحويل الضخم إلى السقي الموضعي، وإدخال تحسينات على شبكات التوزيع الحضرية وإمداد الأراضي المسقية من المياه من أجل تحقيق مردودية جيدة.

ويرى الخبير البيئي أن هذه الإجراءات تؤدي في نهاية المطاف إلى الاقتصاد في الماء بتوفير 2.5 مليار متر مكعب في السنة، ويشتمل تدبير العرض المائي على عمليات تعبئة المياه التقليدية، من خلال بناء 60 سدا من أصل1000 سد صغير لتلبية حاجيات التنمية المحلية في الفترة الممتدة من سنة 2010 إلى سنة 2030، وتحويل 800 مليون متر مكعب في السنة للمياه من مناطق شمال البلاد إلى مناطقه الجنوبية، والعمل على حماية البنيات الهيدرولوجية المتواجدة، واللجوء إلى تحلية مياه البحر “400 مليون متر مكعب/سنة”، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي النقية “300 مليون متر مكعب في السنة”.

ويوضح المعطى أنه من خلال قراءة المخطط الوطني للماء يرى أن المغرب قام ويقوم بمجهودات هائلة بالنسبة لسياسة العرض في المجال البيئي، من خلال تبني سياسة السدود والتعبئة الوطنية في مجال المحافظة على الموارد المائية.

إلا أنه مازال ينتظره جهد كبير لتجاوز عراقيل هيكلية كثيرة قائلا “المجهودات المتصلة باقتصاد الماء ما زالت محدودة رغم محاولات الاستدراك الحالية، حيث نسجل استمرار تبذير الماء في الأنشطة الفلاحية، إلى جانب تلويث المياه، كما أن بعض بناء السدود الكبرى الجديدة ونقل المياه بين الأحواض المائية لم تراع آثار الاضطراب المناخي في المجالات الترابية المعنية بهذه المشاريع، بالإضافة إلى كون بعض تدابير محاربة الفيضانات والجفاف عبارة عن ردود أفعال تصحيحية معزولة ولا تندرج ضمن منظومة وخطط للتدبير ولاستشراف المخاطر والإنذار المسبق.

وطالب المتحدث ذاته، الحكومة الحالية باتخاذ تدابير استعجالية لدعم الفلاحين الصغار في المجال القروي، والذين تضاعفت مـعاناتهم بفعل تداعيات الجائحة وانعكاسات الجفاف، وعلى الخصوص من جـرّاء ارتفاع أسعار البذور والأسمدة والأعلاف، مضيفا” يجب الإسراع ببلورة مخطط يضمن الأمن المائي الوطني لجميع الاستعمالات، مع ما يقتضيه ذلك من تقويم مخطط المغرب الأخضر، بما يستحضر بعد الحفاظ على الثروات المائية الجوفية والسطحية، وضرورة النهوض بالفلاحة الصغرى وبعالم الأرياف والمناطق الجبلية والنائية.

وفي ختام حديثه مع جريدة “بلادنا 24” أوضح المعطى بأن المغرب مطالب أكثر من أي وقت مضى إلى سنّ سياسة واضحة المعالم للرفع من القدرة على التكيف مع التغير المناخي وذلك عبر نهج مقاربة مجالية تدمج خصوصيات المجال في سياسـة محاربـة التغيرات المناخية للمغرب، ولسياسة تشـرك الفاعلين المحليين فـي تنفيـذ اسـتراتيجيات محاربـة آثـار التغيـر المناخـي علـى المسـتوى الترابـي مـن خـلال البحـث عـن التوافـق وتحسـيس الفاعليـن وإشراك كل القوى الحية بالمجال.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *