تقرير | جـهـود المـغـرب لمـكافحة التغيـر المنـاخي.. بـيـن الاعتراف الدولي و تـحـولات الطبيعة

 

تأخرت التساقطات المطرية في المغرب، وسادت معها حالة من الترقب، مما أثار مخاوف الفلاحين الذين يعتمدون في أنشطتهم الفلاحية على الزراعة البورية، اتجهت معه أنظار خبراء النظام البيئي، والقائمين على الشأن السياسي، كل من موقعه، إلى دراسة ملامح التغيرات المناخية التي زادت وبمعدلات أسرع في الآونة الأخيرة، وكذا الإحاطة بالأسباب الفعلية، وحجم تأثيرها على النظم البيئية، وعلى القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، ووعياً منها بخطورة تفاقم آثار التغيرات المناخية، تسعى المملكة المغربية جاهدة إلى وضع
خطط واعدة، تتبنى سلسلة من السياسات الخضراء، من قبيل الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، والإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، وكذا المخطط الوطني للماء.

أزمـة المـياه

وارتباطاً بأزمة تأخر التساقطات المطرية المرتقبة خلال هذه السنة، وتراجع الواردات من الماء بنسبة ٪59، فضلاً عن تراجع نسبة ملء السدود، التي بلغت ٪34، فقد وضع المغرب فيما سبق جملة من المشاريع لمواجهة زحف التغيرات المناخية، كإطلاقه البرنامج الوطني للتزويد بماء الشرب ومياه السقي 2020-2027، بتكلفة إجمالية بلغت 115 مليار درهم، و الاستراتيجية الوطنية للماء سنة 2009، ثم إنشاء تسع محطات لتحلية مياه البحر، بإنتاج سنوي يبلغ 147 مليون متر مكعب، علاوة عن توفر المغرب على 144 سداً.

قــرارات حازمة

وفي تصريحه لـ”بلادنا24″، أبرز الخبير في المناخ و التنمية المستدامة، محمد بن عبو، أن واقع ندرة المياه في المغرب يفرض التركيز على توعية وتحسيس المواطنين بترشيد استعمال المياه، وتقليل الطلب على الماء، بعد تسجيل تراجع منسوب المياه في عدد من السدود، مشيراً إلى أن حقينة السدود لم تعد تتعدى ٪33، مما جعل مجموعة من القطاعات الوصية تدخل على الخط، لمنع مجموعة من الأنشطة المستهلكة للماء، عبر ترشيد غسل السيارات، ومنع غسل الطرقات والأزقة، وواجهات المحلات بالماء، ومنع سقي الملاعب والمساحات الخضراء العمومية، والتوقف عن ملء المسابح الخصوصية والعمومية أكثر من مرة واحدة في السنة، مع إلزامية تجهيز هذه المسابح بتقنيات تدوير المياه، مما يدعو إلى ترشيد استعمال الماء، واعتماد مقاربة جديدة تراعي ندرة الماء و التغيرات المناخية.

تـراجع مقـلق

وأضاف بن عبو أنه من بين الحلول التي دعا إليها تقرير النموذج التنموي الجديد، تحلية مياه البحر، كحل لمواجهة التحديات التي يفرضها تغير المناخ مستقبلا، خاصة في المدن الساحلية، كما اقترح معالجة وإعادة استعمال المياه العادمة، لتلبية حاجيات المناطق المسقية، كخطوة تروم تخفيف الضغط على السدود، في الوقت الذي تراجعت فيه حصة المواطن المغربي من الماء، إلى أقل من 659 مترا مكعبا سنويا، مقابل 2500 مترا مكعبا عام 1960، متوقعا في هذا الصدد أن تقل هذه الكمية عن 599 متر مكعب بحلول عام 2030.

تدابير التكيف والتخفيف

وسارعت المملكة المغربية بتنزيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة (SNDD)، بغية إرساء سبل التكيف المتمثلة في تخصيص غلاف مالي سنوي يقدر بـ 3 ملايير درهم لتمويل مشاريع الفلاحة التضامنية وتعبئة الموارد المائية، من خلال البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه الري PNEEI، و تحفيزات صندوق التنمية الفلاحية وغيرها، ويتجلّى تفعيل تدابير التخفيف، من خلال وضع برنامج زراعة الأشجار المثمرة في المناطق غير المؤهلة لزراعة الحبوب، ووضع قانون مراقبة وتنظيم تجارة المبيدات المستخدمة في الميدان الفلاحي، وتدبير المخلفات الفلاحية، وكذا تعزيز استخدام الطاقة الشمسية.

المخطط الوطني للمناخ (2020-2030)

وسعيا منه إلى تعزيز التزامه بتنفيذ السياسة الوطنية للحد من التغيرات المناخية، قام المغرب بإعداد المخطط الوطني للمناخ( 2020-2030)، الذي يهدف حسب ما جاء في مداخلة رئيس الحكومة، عزيز اخنوش، خلال قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر في الرياض، إلى”تعزيز القدرة على التكيف، وتسريع الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، و تنزيل السياسات الوطنية المتعلقة بالمناخ على المستوى المحلي، وكذا رفع مستوى الوعي الاستجابة بتحديثات مكافحة التغير المناخي، إضافة إلى تطوير الصناعة الخضراء، وتزويد المناطق الصناعية بالطاقة المتجددة.

ويعد تنزيل هذا المخطط الوطني خطوة استيباقية هامة خطاها المغرب، إدراكا منه لمدى نجاعة تطوير السياسات المناخية، على المدى المتوسط والطويل، خصوصا وأن تنفيذه يتقاطع بالأساس، مع توجهات الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، مما يستوجب تفعيل إدارة رشيدة للمناخ، و هو ما يتحقق مع التناسق الثلاثي الإيجابي بين الجانب المؤسساتي و الحماية القانونية من جهة، وآفاق التعاون المأمول في الاتفاقيات الدولية التي يشارك فيها المغرب من جهة أخرى .

الثامن عالمياً حسب مؤشر الأداء المناخي

وفي إطار سعيه الحثيث والمتواصل إلى تفعيل استراتيجيات خضراء مواكبة للتطورات المناخية التي يعرفها العالم، والمشاركة الحازمة في المحافل الدولية الهادفة إلى تعزيز التعاون الدولي، من خلال إبرام جملة من اتفاقيات الشراكة، لتوحيد الجهود الرامية إلى الحد من تفاقم التغيرات المناخية، تمكن المغرب من الحصول على نسبة تنقيط عالية من حيث مؤشر الأداء المناخي، ليتوج بالمرتبة الثامنة عالميا، وفق مؤشر أداء تغير المناخ لسنة 2022، الصادر عن منظمات “جيرمان ووتش” و”الشبكة الدولية للعمل المناخي” و”المعهد الألماني الجديد للمناخ”، وليحتل في هذا الصدد، المرتبة الأولى قاريا وعربيا .

الطاقات المستدامة

يزخر المغرب بامكانات طبيعية كفيلة باقتحامه قطاع الطاقات المتجددة، في مقابل ضعفه في إنتاج النفط والغاز، و على هذا الاساس، يسعى المغرب إلى استغلال موارده الطبيعية، المتمثلة في الرياح وأشعة الشمس، وتسخير كافة البنيات التحتية اللازمة، وتعبئة مختلف وسائل الاستثمار في هذا القطاع، إيمانا منه بالآفاق الواعدة لمشاريع الطاقات المتجددة، مما يكرس رؤيته الوطنية للتنمية المستدامة، الرامية إلى تعزيز أدائه المناخي من جهة، وترقبا منه لجني ثمار الاستثمار الطاقي، على مستوى الاقتصاد الوطني من جهة أخرى.

مشـاريـع طـاقـية

وعلى هذا الأساس، قام المغرب بإنجاز وتعبئة مجموعة واسعة من المشاريع، بلغت 111 مشروعاً يخصُّ الطاقات المتجددة ،في طور الاستغلال والتطوير، والحافلات الكهربائية، وإطلاق مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر في إفريقيا، إضافة إلى بناء مجموعة من محطات الطاقة الريحية، والتزاما منه بتأمين حاجيات المقاولات من الكهرباء، يهدف المغرب إلى إنتاج ٪52 من الكهرباء في أفق 2030، وفي إطار تعزيز العدالة الجهوية بالمملكة، توزعت المشاريع الطاقية بالمغرب على مختلف الجهات، وفق رؤية وطنية بأبعاد دقيقة، استهلت أشغالها في 2014، حين افتتح أكبر مجمع للطاقة الريحية قرب مدينة طرفاية، يليها إطلاق مشروع(نور) بورزازات، ويعد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في العالم، ثم المحطة الريحية بميدلت ، فالمحطة الكهرومائية لأكدز بزاكورة.

محطة نور بورزازات

واحتل المشروع الطاقي”نور” بورزازات، والذي أطلق سنة 2016 ، والمؤلف من 4 محطات، رتبة سابع محطة للطاقة الشمسية المركزة عالميا، بطاقة إنتاجية تصل إلى 580 ميغاواط، ويقوم بتزويد نحو مليوني مغربي بالكهرباء، مع تجنيب حوالي مليون طن من انبعاثات الغازات الدفيئة سنويا، ويطمح المغرب إلى الرفع من نسبة الحاجيات الوطنية للطاقة إلى ٪52 في أفق 2030، كما ساهم الامتياز الذي حققه المغرب في إطلاقه هذا المشروع الطاقي، إلى جذب أنظار المستثمرين الأجانب مثل بنك الاستثمار الألماني KFW، والبنوك الافريقي للتنمية، والبنوك الدولي، وبنك الاستثمار الأوروبي.


 

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *