تسييس الرياضة… وترييض السياسة عملتان لوجه واحد

يُقال أن ما تُفسده السياسة تصلحه الرياضة، مقولة تبنتها العديد من  الأحزاب السياسية في السنوات الأخيرة،ويتجلى ذلك في تهافت السياسيين على المناصب في المجالات الرياضية، خصوصاً كرة القدم ذات التأثير الواسع على المجتمع، ما يجعل الساسة يرون هذا التأثير كبقرة لحلب أصوات الجماهير  لاستعمالها في معركتهم الانتخابية، ويراهنون عليها كمراهنة مدمنو اليانصيب في لعبة”سباق الخيول”.

تسلق مجال رياضة كرة القدم، لتحقيق أهداف في المجال السياسي

تتكهن الغالبية بأن علاقة السياسة بالرياضة حديثة العهد، لكن التاريخ يخبرنا بعكس ذلك،لقد كانت منذ البداية، أي منذ الإستقلال، غير أن ما أعاد القضية للواجهة مؤخراً, هي الصورة التي التقطت في بطولة كأس أمم إفريقيا الأخيرة بالكاميرون، فالمنسق الإقليمي لحزب التجمع الوطني للأحرار بالمحمدية و رئيس نادي شباب المحمدية لكرة القدم هشام أيت منا , و سعيد الناصري الذي يشغل ستة مناصب أهمها، رئيس نادي الوداد البيضاوي و رئيس  مجلس عمالة الدار البيضاء،لم يفوتوا فرصة تواجدهم بالبطولة الإفريقية لكي تسلط عليهم الأضواء بجوار المنتخب المغربي، وهو ما يجعل مقولة الباحث السياسي علي حسين السعدني، ” حينما تمتزج السياسة بالرياضة فتأكد أن هناك أهدافاً تسجل في المرمى, وأخرى تسجل خلف المرمى”، خير كلام ينطبق على هؤلاء السياسيين.

فتسجيل الأهداف وراء المرمى، ساعد السياسي هشام أيت منا في ترويج وتلميع صورته،حيث عمل مند فترة ليست ببعيدة على وضع مخطط محكم، بدأه بترأس نادي شباب المحمدية،ليصل بعد فترة وجيزة إلى رئاسة مجلس جماعة المحمدية تحت لواء حزب التجمع الوطني للأحرار،مستغلاً بذلك المجال الرياضي لتحقيق أهدافه السياسية.

أما صاحب الستة أهداف وراء المرمى، فقد مكنته من تولي ستة مناصب، نعم إنه السياسي سعيد الناصري التابع لحزب الأصالة والمعاصرة،فمن رئاسة نادي الوداد البيضاوي  في 2014،الى رئيس العصبة الإحترافية، و عضو في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ورئيس عمالة أنفا، ومقعد في البرلمان، قبل أن يُضيف إلى كل ذلك منصب رئيس مجلس الدار البيضاء في 2021، كل هذه الوظائف أفرزت العديد من التساؤلات في الشارع العام، وعبر مواقع التواصل الإجتماعي,أهمها كيف يمكن لشخص واحد أن يجمع بين كل هذه الوظائف في وقت واحد؟.

فالمهتمون بالشأن الرياضي، خصوصا في فريق الوداد البيضاوي استغربوا الأمر، فكيف لمسؤول يمكنه أن يوفق بين ستة مناصب في نفس الوقت، خصوصا وأن جمع رئاسة نادي كرة القدم ورئاسة مجلس الدار البيضاء ستضع سعيد الناصري في موقف “التنافي”،  وهو ما يمنعه القانون في حالة تقديم الدعم السنوي المادي للفريق الذي يترأسه , مما يضيع على الفريق فرصة الإستفادة كباقي الأندية من الدعم السنوي الذي يقدمه مجلس عمالة الدار البيضاء، خصوصا وأن الحالة المادية للفريق لا تسمح بذلك، حيث يعاني من ضائقة مالية عصيبة، ومن تخبط في مستوياته الكروية،لذلك ثم الأخذ على رئيس النادي الودادي سعيد الناصري مؤخرا، من طرف محبي ومشجعي الفريق بعدم الوفاء بوعوده فيما يخص الإنتدابات في “الميركاتو” الشتوي، والجري وراء التقاط الصور مع المنتخب الوطني المغربي في بطولة الكان 2022 بالكاميرون.

فاستغلال المجال الرياضي من طرف الأحزاب والساسة،وترييض السياسة عملتان لوجه واحد ، وهي امتطاء العشب الأخضر للوصول إلى السجاد الأحمر.

من السياسة إلى الرياضة،أيت نتيجة!

لازال متتبعو الشأن الكروي في المغرب،يتدكرون عدة أسماء سياسية وأمنية،  أبرزها ترأس وزير الداخلية آنذاك البصري لنادي النهضة السطاتية،حيت عاش معه عصره الذهبي في سبعينيات القرن الماضي،وقد توّج بالدوري المغربي الممتاز سنة1971، كما فاز بكأس العرش سنة 1969، إلى أن الفريق انطفأ بريقه ونزل إلى قسم الهواة بالبطولة المغربية،بعد إبعاد و إقالة رئيسه،الذي كان يعتبر الشخصية الثانية في المغرب بعد الملك الحسن الثاني رحمه الله.

وتُعتبر فترة رئاسة الحاج محمد المديوري، الحارس الشخصي للملك الحسن الثاني لنادي الكوكب المراكشي،آزهى فترات النادي المراكشي،فقد استطاع من خلال نفوده وسلطته، بناء نادي جديد متكامل ومنظم قارع به كبريات الأندية الوطنية في  القسم الأول من البطولة الوطنية.

ومن أبرز نتائج النادي المراكشي تحت رئاسة محمد المديوري، الفوز بالدوري المغربي الممتاز سنة 1992،كأس العرش ثلاثة مرات (1987-1991-1993)،وكأس الإتحاد الإفريقي سنة 1996 . إلى أن فترة المجد والتألق لنادي الكوكب المراكشي، زالت بزوال السلطة و الجاه والقوة لرئيس النادي،كباقي الأندية التي تستمد قواها من أشخاص معنويين.

وفي السياق ذاته، فتدخل السياسة بالرياضة لم يقف عند هذا الحد بل امتد الى دواليب الجامعة الملكية لكرة القدم،حيث أقدم الامين العام لحزب الاصالة والمعاصر إلياس العماري آنداك، في الجمع العام المنعقد تحت لواء الجامعة الملكية لكرة القدم بدعم لائحة فوزي لقجع لرئاسة الجامعة سنة 2014، وكذلك تمرير بعض التعديلات القانونية التي طالبت بها منظمة الفيفا، مع العلم أن الياس العماري لايمس بصلة الى الجامعة الملكية ولا تدخل ضمن اختصاصاته.

هذا ما أكّده الباحث المغربي منصف اليازغي، من خلال وضع تساءل قائلاً فيه:” هل نؤمن بضرورة تسييس الرياضة، أ و ترييض السياسة?”، مشيرا الى ضرورة الرفع من جودة الرياضة في المغرب، من خلال وضع استراتيجية ناجعة طويلة الأمد، لا تتغير بتغير الجامعات و المسؤولين،مشتشهدا بالتجربة الفرنسية في مجال الرياضة التي  دامت 25 سنة، كانت انطلاقتها منذ 1960 بعد الصورة السيئة التي قدمتها فرنسا في الألعاب الأولمبية أنداك.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *