تجمهر الآباء والأمهات أمام المدارس.. حتى لا تتكرر مأساة “ملاك”

نساء ورجال، أباء وأولياء أمور التلاميذ، يتجمهرون في حشود غفيرة حول أسوار المدارس الابتدائية وأمام أبوابها الرئيسية، منهم من ينتظر في سيارته وهو يداعب هاتفه الذكي، ومنهم من ركن دراجته النارية وجلس رفقة آخر يتناقشان ارتفاع أسعار المحروقات، وأخريات أخذن جنبات الباب ركنا للتحدث عن مشاغل الحياة وغلاء الأسعار وغيرها من المواضيع، تاركين صغارهن ممن اصطحبناهن معهن يلعبن هنا وهناك، فوق الرصيف من دون مراقبة، ولا أدنى تتبع، في شرود قد يكلفهن حزنا ومأساة لا تحمد عقباها.

مباشرة، وما إن يقترب موعد دق الجرس أو دويّ صفارة الخروج، معلنة معها انتهاء الحصص الدراسية سواء الصباحية أو المسائية، حتى تجتمع فيالق آباء وأمهات المتمدرسين أمام أبواب المدارس التعليمية خصوصا الابتدائية منها، في انتظار فلذات أكبادهم التلاميذ، لاستقبالهم ومرافقتهم بعد خروجهم من المدرسة، حماية لهم من كل أنواع الخطر المحذق بهم الذي يبقى أوله وآخره خوفهم عليهم من التعرض لحوادث السير المميتة.

مشهد يتكرر بشكل يومي، لـ“ظاهرة” أرخت بظلالها على جنبات المدارس والمشهد التعليمي على حد سواء، ووجدت مكانا لها في الحياة اليومية مؤخرا، نظرا لغياب الحلول الرادعة لإيقافها أو حتى التخفيف منها، سيما وما تخلفه هذه الحشود من اختلاط والتصاق لأجساد الكبار بالصغار، مما يؤثر سلبا أثناء القيادة، وحجب الرؤية على مستعملي الطريق المارين من أمام هذه المؤسسات.

خوف أولياء الأمور على أبنائهم

ويعزو عبد العزيز بيدن، أستاذ متقاعد وفاعل جمعوي، انتشار هذه الظاهرة أمام أبواب المؤسسات التعليمية الإبتدائية، خاصة، أوقات دخول وخروج التلاميذ، إلى أسباب مختلفة، لخصها في خوف أولياء الأمور على أبنائهم من خطر التعرض لحوادث السير نتيجة أن أغلب المدارس توجد أمام شوارع تعج بمرور السيارات والدراجات ذات العجلات الثلاث والدراجات النارية -آلْمُعَدَّلَةِ- “الذين لا يعيرون أي اهتمام للتلاميذ الذين يعبرون الشارع، أو لعلامات التشوير الأفقية والعمودية وعلامات تحديد السرعة إن وُجِدَتْ”، مطالبا بضرورة وضع حواجز تكسير السرعة أمام المدارس الإبتدائية، بالإضافة الى علامة الإشارة للمدرسة.

تراجع مسؤوليات بعض الشركاء

من جهته، أوضح لحسن طلحة، أستاذ وفاعل سياسي، بخصوص الظاهرة خاصة بالسلك الابتدائي، “تعود بالأساس إلى أسباب عديدة جعلتها أمرا لا مفر منه، في ظل تراجع مسؤوليات بعض الشركاء الذين لا يهتمون بالمدرسة وبمحيطها الخارجي، ولا يلتزمون بتوفير كل الشروط التي تضمن السلامة والأمن للمتعلمين”، مضيفا أنها أصبحت بمثابة “سلوك يومي ومهام إلزامية بالنظر إلى ظروف وحيثيات موضوعية تفرض على الآباء مرافقة أبناءه خوفا عليهم من التعرض لحوادث السير لصعوبة تعاملهم مع الطريق، وبعد المسافة بين المنزل والمؤسسة بالنسبة للبعض، وحماية لهم من شتى أنواع العنف الذي قد يتعرضوا له بما فيه العنف الجنسي، علاوة على انتشار الكلاب الضالة بالمدينة”.

ذات المتحدث، أشار إلى أن بعض الطرق المجاورة للمؤسسات التعليمية تفتقد لعلامات التشوير وتحديد السرعة وللحواجز على الرصيف، وغيرها من الإجراءات التي تساهم في طمأنة الآباء والأمهات على سلامة أبنائهم أثناء التنقل اليومي، داعيا جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، إلى تفعيل دورها التحسيسي في معالجة بعض الاختلالات بشراكة مع الإدارة المشرفة على القطاع، من بينها “دراسة ومناقشة الزمن المدرسي الذي يفرض على أولياء أمور التلاميذ مرافقة أبنائهم أربع مرات في اليوم مما يثقل كاهلهم، ثم مسألة حجم الاكتظاظ بالمؤسسات التعليمية التي بالضرورة سترفع من عدد الأمهات والآباء المتجمهرين امام أبواب المدارس”.

التلاميذ اليتامى

من جانبه، اعتبر عبدالرزاق زاكي، الكاتب العام للشبيبة العاملة المغربية بسطات، أن ظاهرة تجمع الأمهات أمام المؤسسات التعليمية هي “ظاهرة غريبة انتشرت في مجمتعنا خلال السنوات الأخيرة، ما يطرح عدة أسئلة حولها، وما الفائدة منها”، معللا ذلك كونها “ظاهرة سلبية تساهم في عرقلة الدخول وخروج التلاميذ، سيما في ظل تجمع العديد من الأمهات والآباء وخوضهم في حوارات جانبية دون مراعاة لخطورة الأمر، مما قد يؤثر سلبا على نفسية التلاميذ فيما بينهم أولا من ناحية بناء شخصية قوية تعتمد على ذاتها، ومن ناحية أخرى على نفسية التلاميذ ممن يغدون ويروحون إلى المدارس دون مرافقة أمهاتهم وخاصة اليتامى، وهو ما أصبح علينا كمجمتع مدني العمل مع الجهات المختصة على معالجتها بشكل مستعجل”.

هذا، ويمكن القول أن ظاهرة تجمهر الأمهات أمام المدارس والازدحام الذي تعرفه هذه المؤسسات أوقات الذروة بعدما كانت نعمة، أضحت اليوم نقمة تقيص خطورتها بالدرجة الأولى أولئك التلاميذ الذين يأتون وحدهم إلى المدرسة، ويغادروها بمفردهم، حيث يجدون أنفسهم أمام امتحان عسير يفرض عليهم اختراق عشرات أجساد الآباء وخصوصاً الأمهات الذين يلتصقون بأبواب المؤسسة التعليمية، مما يجعلهم عرضة لخطر التعرض لحوادث، مثلما وقع مؤخرا بمدينة سطات، حينما لَقِيَتْ طفلة في ربيعها الثالث مصرعها، كانت قد اصطحبتها أمها معها من أجل انتظار ابنها للخروج من المدرسة، لتدهسها سيارة كانت تقودها أستاذة أمام باب إحدى المؤسسات التعليمية.

بلادنا24سطات

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *