رمضان كريم
رمضان كريم
رمضان كريم

الهجرة القروية والهدر المدرسي وغياب الوعي.. عوامل تغذي زواج القاصرات

بلادنا24- مريم الأحمد|

ينظر إلى زواج  القاصرات على أنه ظاهرة اجتماعية ليست مبنية على أصول وقواعد، فمادامت المرأة قاصرة فهي لا تملك حق الاختيار ولا إبداء الرأي فيما يعرض عليها من رجال قصد تأسيس أسرة مبنية على التقدير والاحترام.

ففاقد الشيء لا يعطيه، وأكثر ما تكون هذه المشكلة حضورا في البوادي والأرياف في غياب الوعي والمعرفة بأبعاد هذه القضية التي فرض الزواج من خلالها بالإكراه، وكما قال الإمام مالك “زواج المكره لا يجوز”، ولعل السبب المباشر الداعي إلى هذا الزواج رغبة ولي الامر في تنفيذه ضدا على رغبة البنت القاصر، فهمه زواج ابنته مبكرا حرصا على حياتها المستقبلية في ظل الظروف القاسية التي تعيشها تلك الأسر في البوادي والقرى.

وقد ترجع بعض أسباب هذا الزواج في غياب العقل والمنطق درءا للشبهات وغسلا للعار، فالتخلف الفكري يؤدي إلى مثل هذه الحالات التي تضج بها محاكم الأسرة نتيجة هذا الخلل أو العنف، أو الاغتصاب.

وبات زواج القاصرات مشكلة اجتماعية قاسية تنوء بأعبائها الأسر التي وجدت نفسها في حالة مريبة، أو في وضع اجتماعي يفرض نفسه نظرا لقساوة الأب، أو ولي الأمر بدافع الحرص أو بدافع المال مقابل هذه القاصرة.

ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى تشريع قوي وقانون نافذ يكفل حق القاصرات في إبداء الرضى أو نفيه، كما يفرض حقوقها الشرعية والمالية في غياب المنطق، أو القانون الذي ينظر إلى القاصرة على أنها ضحية من ضحايا العنف الاجتماعي بجميع أبعاده الإنسانية والدينية.

ولئن إن كانت هذه الظاهرة موجودة في الأرياف، فقد تسربت إلى الحواضر والمدن نتيجة البحث عن العمل أو الشغل لتوفير متطلبات الحياة، فقد باتت هذه الظاهرة منتشرة على نطاق واسع على الرغم من التستر عليها نتيجة الخوف أو الفضيحة، فكان هذا الزواج حلا لمشكلة خاطئة ونوازع حيوانية لدى الرجل الذي ينظر إلى القاصرة على أنها فريسة تربي غرائزه وميوله.

بدونة المدن

وفي تصريح سابق قال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أن الوضعية التي تعيشها المرأة تشكل إكراها حقيقيا، مشيرا إلى أن مدينة الدار البيضاء تشهد أكبر عدد لزواج القاصرات، معتبرا أن هذه الوضعية تتحملها الدولة.

جاء ذلك ضمن مائدة مستديرة نظمتها وزارة العدل مع مجلس المستشارين، تحت عنوان: “المرأة، من موضوع في منظومة العدالة إلى فاعلة في التغيير والتطوير”، إذ قال: “أنا لا أفهم هذه الوضعية لماذا في الدار البيضاء؟ هل لأن هناك ثقل اقتصادي سلبي على المرأة؟.

وأضاف” كنت أعتقد أن أكبر عدد سيكون داخل القرى بحكم الثقافة والتعليم، ومازال هذا الموضوع يطرح نفسه بقوة، لأن أكبر عدد في الوفيات يكون بسبب زواج القاصرات، فضلا عن أنه يسبب بأكبر عدد في الهدر المدرسي، والطلاق، والصراع العائلي”.

وفي السياق ذاته، صرح المنسق الوطني لمنظمة متقيش ولدي بوشيبة محمد الطيب لـ”بلادنا24″ قائلا” ربما تكثر ظاهرة زواج القاصرات في مدينة الدار البيضاء نظرا لحجمها وثقلها، ولكنها ظاهرة تشهدها جميع المدن والقرى المغربية وليست محصورة في الدار البيضاء فقط”.

بوشيبة الذي يرجع أسباب ذلك إلى ما سماه بظاهرة “بدونة المدن” بقوله ” الهجرة إلى المدن أفضت إلى نتائج عكسية، فقديما كانت المدينة هي من تستوعب البادية، أما الآن باتت البادية تؤثر في المدينة، وتسبب في تخلفها نتيجة لسلوكات الأفراد، وكثرة العنف، واعتراض السبيل، وهي لم تكن سلوكات موجودة في المدن لأننا عندما نتحدث عن السلوك المدني والتحضر نتحدث عن المدينة”.

هجرة الأفكار البالية

واصل بوشيبة  حديثه  قائلا”منسوب العنف تزايد بسبب الهجرة، وهذه الهجرة هي عملية ترحيل للأفكار والسلوكات  والتوجهات أيضا، فكما يتم تزويج فتاة قاصر في البادية، يحدث الأمر عندما يرحل إلى المدينة”.

يسبب ذلك بحسب المتحدث إلى ظواهر أخرى متصلة بزواج القاصرات كذلك بتزايد نسبة الأمهات العازبات، والأطفال المتخلى عنهم، والإجهاض السري، فبالنظر إلى نسبة الأمهات العازبات نجد نسبة الأمهات اللواتي وعدن بالزواج مرتفعة.

واستطرد قائلا “لم نصل إلى تجريم هذه الظاهرة، ومازلنا في مرحلة الملفات الملأى بها المحاكم، فهو  مستمر في نطاق الزواج بالفاتحة، وما يسمى بالعلاقات الرضائية، أو زواج بالوعود”.

ويشدد بوشيبة على ضرورة نمكين المرأة من جميع حقوقها، ونسهم في توعيتها سواء في البوادي أو في المدن، فالمجتمع المدني دوره تحسيسي في هذا المجال، لكنه لا يقوم مقام الدولة بحسب قوله” الدولة  تتحمل مسؤوليتها في جميع هذه الظواهر، ويتوجب عليها قبل أن يهاجر الناس من القرى أن تقوم بالتوعية والتحسيس، وتهيئتهم للاندماج بسلوكيات المدينة وإلا سنشهد سلوكات دخيلة على المدن”.

ولفت المنسق الوطني لمنظمة “متقيش ولدي” إلى المجهودات الحثيقة التي تقوم بها الدولة على المستوى المادي، ولكن ما يخص الجانب اللامادي هناك تقصير كبير في التوعية والتحسيس، والولوج إلى العدالة والصحة والتعليم، مردفا “بالتالي مازلنا مقصرين في رفع منسوب ما يسمى بالرأسمال اللامادي وهو يفوق أهمية الرأسمال المادي”.

القانون لا يحمي القاصرات

من جهتها ترى مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة في تصريح لجريدة “بلادنا24” أن ما يجعل ظاهرة استفحال زواج القاصرات في المدن الكبرى وخاصة في الدار البيضاء لكونها مدينة شاسعة وتحدوها مناطق مهمشة، وهو ما جعل الأسر تهاجر إلى المدينة، ففي بعض الأحيان تعتبر المدن هي من تعيش الويلات والظواهر الاجتماعية المعقدة، لدى زواج القاصرات لا يمكن أن نسجله في المناطق النائية فقط بل أيضا في المدن الكبرى.

وعزت بشرى عبدو أٍسباب تفشي الظاهرة إلى الهجرة إلى المدن وكذا الهدر المدرسي، وعدم متابعة دراسة الطفلات من أهم أسباب استفحال هذه الظاهرة، بالإضافة إلى ذلك هو التحايل على القانون، فكلما كان الأخير يضم أحكام مشددة توقف هذه الظاهرة كانت نسبة انتشارها أخف.

وأضافت المتحدثة ذاتها قائلة “القانون لا يحمي الفتيات القاصرات بل يبيحه، ولا بد أن يتضمن نصوص تحد من هذه الظاهرة كي نطبق الحقوق  المخولة في اتفاقيات حقوق الطفل، فمن الحقوق الأساسية  التعليم والرعاية من  طرف الأسرة”.

وواصلت حديثها “لكن عندما نكون مشرعين الأبواب لقانون يعطي الاستثناء والفرصة بفعل ما يحلو لك، هذا يدل على عدم وجود أي حماية قانونية، فالبنت التي تزوج في سن 16 وتطلق في 18 من عمرها وبصحبتها طفلين معرضين للتشرد تفرز لنا ظواهر اجتماعية أخرى منها التسول والأمهات العازبات والاجرام والدعارة، فكلما آمنا بأن الطفل مكانه الطبيعي في المدرسة قلت هذه الظواهر وبات المجتمع أكثر أمنا وسلاما ورقيا”.

قانون الأسرة مجحف بحق الأسرة

وعن دور المجتمع المدني في التصدي لهذه الظاهرة لفتت  بشرى عبدو بقولها “المجتمع المدني دوره في الترافع، فهو قوة ضاغطة، وكذا بالنزول إلى الشارع يساهم في التغيير الجدري لقانون الأسرة الذي أصبح مجحفا في حق الأسرة  والطفولة المغربية، وكذلك يتسم دوره في تنظيم قوافل تحسيسية وتوعوية في المناطق الحضرية والقروية”.

وترى رئيسة جمعية التحدي بأن زواج القاصرات أصبح تجارة لبعض الأسر، باعتباره يحقق لها ربحا ماديا، بالرغم من أنها قد تخلف من زواجها أعباء فيما بعد.

وفي ختام حديثها للجريدة أكدت على أنه “لا يمكن الحديث عن ثبوت الزوجية في زواج قاصر، وطفلة، و في تعدد الزواجات، فهو مرفوض رفضا مطلعا، والدولة ملزمة بأن تتعامل بمنطق الصرامة مع هذه الأسر كي لا تبيع بناتها وتسلم لأحضان رجل كهل أو حتى شاب وهي لا تفقه معنى الزواج فضلا عما ينتج عنه من أضرار جسدية، ونفسية كبيرة تبقى ندوبها غائرة في وجدان الطفولة المسلوبة”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *