الغش في الامتحانات.. إشكالية تتجدد بتطور التكنولوجيا رغم المقاربة الزجرية

بالموازاة مع اقتراب موعد الامتحانات، ما زال الحديث عن الغش يطفوا على السطح، ما يحيل على أن هذه الإشكالية تعيش بين صفوف التلاميذ على مر السنوات، الشيئ الذي يتطلب إجراءات متجددة كل سنة، لمواكبة التقدم التكنولوجي الذي بات يساهم بقوة في تفشيها أكثر فأكثر، ليشكل بذلك خطورة على بنية المجتمع، من ناحية مدى تأهيل الطاقات الشابة فعلا لفرص الشغل.

التطبيع مع الظاهرة

وفي هذا السياق، قال مصطفى الأسروتي، الفاعل التربوي، إن “موضوع الغش في الامتحانات، موضوع يطرح نفسه باستمرار، خاصة مع فترة الامتحانات الإشهادية من كل سنة، وهو موضوع تتداخل فيه عدة اعتبارات، منها ما هو تربوي، ونفسي، واجتماعي، وسياسي”.

وأضاف الأسروتي، في تصريحهلـ“بلادنا24”، أن “التلاميذ للأسف أصبحوا يعتبرون الغش مكسبا وحقا مشروعا، بسبب التماهي والتطبيع مع الظاهرة، وهو إشكال اجتماعي ساهمت فيه الأسر كذلك، بحيث أن الأباء أصبحوا يحتجون أيضا بسبب الحراسة المشددة، وتفعيل المساطر من طرف لجان المراقبة، وبالتالي هناك تماهي واضح مع الظاهرة، وغياب الوعي اللازم بخطورتها ومخالفتها للقانون، وهو ما يتضح من خلال بعض التصريحات للتلاميذ وأولياء الأمور أمام المؤسسات التعليمية”.

غياب سياسات تربوية

وأبرز المتحدث ذاته، أن “الإشكال الآخر المطروح، هو غياب سياسات تربوية بهذا الخصوص، من حيث الحملات التوعية، والتنبيه لخطورة الظاهرة، من طرف الوزارة الوصية والمصالح المعنية”، وتابع: “إذ يمكن القول أنه حتى بوجود القانون الذي يمنع ويعاقب على الغش، فالظاهرة لا زالت مستمرة ومستفحلة، خاصة من خلال الهواتف والوسائل الإلكترونية المختلفة”.

وبخصوص الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، أكد مصطفى الأسروتي، أن “الأمر راجع لغياب المراقبة اللازمة، والموارد البشرية الكافية لتتبع التلاميذ ومراقبتهم قبل الدخول لقاعة الامتحان، بحيث أن الأساتذة في نهاية المطاف يجدون أنفسهم وجها لوجه مع التلميذ داخل القسم، في الوقت الذي كان من اللازم مراقبته قبل دخول مركز الامتحان”.

وسائل للحد من الغش

وتسائل الخبير التربوي، قائلا: “ما الذي يمنع من اعتماد آليات التشويش على الشبكة داخل مراكز الامتحان؟، وهو ما يطرح معه السؤال عن وجود الرغبة والإرادة السياسية في القضاء على الظاهرة”، وأضاف” “هناك إشكال آخر يتعلق بتوفير الحماية للأستاذ داخل وخارج المؤسسة، فكيف سننتظر القيام بالواجب، في حين أن الأستاذ أو الأستاذة معرض لكل أشكال التعنيف والسب خارج المؤسسة، وهي حالات تتكرر كل سنة للأسف”.

واختتم المصدر، حديثه، مشددا على “أهمية توفر الإرادة السياسية لمواجهة الظاهرة بتدخل كافة المعنيين، والعمل على تحسيس التلاميذ وأولياء الأمور طيلة السنة الدراسية، وإعدادهم نفسيا وتربويا على قيم الاعتماد على النفس والاستحقاق والنجاح بشرف، مع توفير الحماية اللازمة لرجال ونساء التعليم والأطقم الإدارية، وتفعيل المساطر الجاري بها العمل”.

المقاربة الزجرية لظاهرة الغش

ومن جهة أخرى، يرى عبد العالي الصافي، المحامي والباحث في سيسيولوجيا القانون، أن “ظاهرة الغش في الامتحانات، هي ظاهرة غير صحية، يترتب عليها مجموعة من الاختلالات، أهمها ضرب مبدأ تكافؤ الفرص، والإضرار بالمتبارين الآخرين، والأخطر من هذا وذاك، وصول الغشاشين لمناصب الشغل دون مؤهلات يضر بكفاءة وجاهزية الإدارة والمرافق”.

وأورد الصافي، في حديثه لـ“بلادنا24”، أنه “في العقدين الأخيرين، وبسبب الطفرة الهائلة للتكنولوجيا الرقمية، استفحلت هذه الظاهرة، وإلى حدود 2016 كان هناك فراغا تشريعيا لمعالجة ظاهرة رقمية صعبة القبض بناصيتها، الشيء الذي دفع بالمشرع للتدخل بواسطة القانون رقم 13.02 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية، وهو القانون واجب التطبيق في نازلة الحال”.

العقوبات التأديبية

وبالنسبة للعقوبات الجنائية، ذكر المحامي، أن “المادة 8 منه، تعتبر الغش جنحة يعاقب عليها بالحبس من 6 أشهر إلى 5 سنوات وبغرامة تتراوح بين 5000 درهم و100000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وكل ذلك دون الإخلال بالعقوبات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي، ومعنى ذلك إذا اقترنت العقوبة بجريمة أخرى منصوص عليها في القانون المذكور، فإنه يتم متابعة المعني بالأمر بتلك النصوص، ونخص بالذكر الجرائم الإلكترونية والمضافة للقانون الجنائي بمقتضى القانون رقم 03.07 أي الفصول من 607.3 إلى 607.11”.

وأبرز الصافي، أن “المشرع شدد العقوبة، وذلك بغية الوصول للردعين، الخاص والعام، حيث أنه إذا كان يبتغي من ذلك زجر المخالف، في إطار تطبيق القانون، فإن الهدف الأسمى هو التصدي للظاهرة التي استفحلت في السنوات الأخيرة، حتى أصبحت تهدد مصداقية الشواهد”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *