إن عرف السبب بطل العجب: بعد تجاهل سانشيز لها.. الجزائر بين التخبط والعشوائية

بلادنا24 – مريم الأحمد|

تلعب المصالح الاقتصادية في العلاقات الدولية دورا مهما في تمثين الروابط والتحالفات التي تبنى أو تنشأ أحيانا نظرا لظروف خاصة وينطبق هذا المعنى على العلاقات الثلاثية بين المغرب واسبانيا والجزائر.

ونظرا لكون العلاقات الاسبانية المغربية قوية فيما قبل ظهور الجزائر على مسرح الأحداث المعاصرة أو الآنية فقد بدأت العلاقات تأخذ منحى آخر ولكون دولة خصوصيتها الجيوسياسية.

وتمسك المغرب الأخير بقضية الصحراء وأزمة بن بطوش أملت على اسبانيا أن تعترف بمغربية الصحراء بطريقة غير مباشرة عن طريق الترحيب بالحكم الذاتي.

وعلى إثر ذلك أصيبت الجزائر بخيبة أمل فألغت اتفاقية خط الغاز مع المغرب وحاولت التأثير على اسبانيا بقضية الغاز كل ذلك مرتبط أصلا بقضية الصحراء التي تتذرع الجزائر بأنها لم تكن طرفا فيها.

ولعل هذا الموقف الأخير لرئيس الحكومة الاسبانية في التأكيد على العلاقة القوية مع المغرب قد أحدث صدمة للجزائر مما دعاها إلى إلغاء معاهدة الصداقة بين البلدين ما يثير الاستغراب حول هذا الموقف، وما تزال الجزائر مستمرة في التأكيد على أنها محايدة في قضية الصحراء المغربية ولكن هذه الملابسات كلها تكذب هذه الادعاءات وتجعل الجزائر طرفا أساسيًا في قضية الصحراء المغربية.

أفعال طائشة

وفي هذه الصدد، صرح محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش لـ”بلادنا24″ بقوله “إن الدينامية المتجددة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية والتحولات التي طرأت على مستوى التغيرات الجيوستراتيجية في المنطقة شكل صدمة كبرى بين حكام الجزائر وجعلهم يتخذون قرارات انفعالية غير محسوبة العواقب لعل آخرها القرار الجزائري بشأن التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة مع اسبانيا 2002 نظرا لدعم مدريد لمباردة الحكم الذاتي للصحراء المغربية”.

وواصل حديثه “هذا الموقف أصاب صانعي القرار الجزائري بالسعار وجعلهم يتخذون قرارات مبنية على ردود أفعال طائشة وأظهر للعالم أجمع أن حكام الجزائر هم المعنيون الأوائل بنزاع الصحراء وأن لهم رغبة حقيقية في عدم التوصل إلى حل سياسي ينهي فصول هذا النزاع المفتعل وأنهم يحركون ميليشيات البوليساريو حسب رغباتهم وهواهم وأنهم يعتبرون الصحراء المغربية تدخل في إطار أمنهم الاستراتيجي كما صرحوا بذلك بعد أزمة الكركرات كما أن الجزائر أظهرت للعالم أجمع أطماعا توسعية في المنطقة وهي تسعى للهيمنة والاستقواء بفعل العائدات الريعية النفطية”.

إن منطق اللامبالاة والتجاهل الكامل للنظام الجزائري في خطاب رئيس الحكومة الإسباني يوم أمس الأربعاء يبدو أنها نالت من الحكمة والاتزان الذي يفترض أن يتحلى بها المجلس العسكري، فلم يهتز سانشيز وموقفه الإيجابي من قضية الصحراء المغربية من تهديدات النظام الجزائري بدءا من استدعاء سفيرها في مدريد، مرورا بقطع إمدادات غازها إلى اسبانيا والتهديد بزيادة سعره، وصولا إلى التلميح بقطع المنتجات الإسبانية.

كل ذلك لم يثن الحكومة الإسبانية من طي خلاف الأزمة الدبلوماسية مع المغرب والمضي قدما في إرساء قواعد جديدة للعلاقات بين البلدين مبنية على احترام سيادة البلدين والتعاون المشترك، مشيرة إلى أن العلاقات الجديدة مازالت تشق دعائم أخرى لتعزيز العلاقة  القوية التي تصب في مصلحة البلدين، خاصة بعدما أدرك الشركاء بعد الحرب الروسية الأوكرانية ضرورة التحالف في وقت الأزمات.

دحض الأكاذيب

واصل أستاذ العلوم السياسية ذاته في حديثه مع بلادنا24 قائلا “إن هذا الموقف الجزائري تجاه اسبانيا يدحض الادعاءات المتكررة للنظام الجزائري الذي يردد دائما أنه لا دخل له في نزاع الصحراء ويرفض الجلوس أمام المغرب للتفاوض حول قضية الصحراء رغم أن الشغل الشاغل للدبلوماسية الجزائرية هو معاكسة المغرب والصحراء المغربية.”.

وأردف بنطلحة “إن هذا الرد الجزائري ينم عن قصر نظر وضعف الرؤية الاستراتيجية ومن شأنه أن يدخل حكام الجزائر في العديد من المتاهات مستقبلا خاصة وأن الانتصار للموقف المغربي المتمثل في الحكم الذاتي في إطار سيادة المملكة المغربية آخذ في التزايد وهو قرار يؤيد حركية باتت حاضرة وبكل قوة على المستوى الدولي بما سيؤدي بهم مستقبلا إلى عزلة إقليمية ودولية”.

وعلى إثر قرار الجزائر، قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس يوم أمس الأربعاء “إن اسبانيا تعد ردا هادئا وبناء، ولكنه حازم أيضا دفاعا عن مصالح إسبانيا والإسبان والشركات الإسبانية”.

وفي مواجهة هذا الوضع الجديد، قال ألباريس إن الحكومة “تحلل الآثار المترتبة على التدابير”، قبل أن تعطيها إجابة. كما تقوم بتحليل “النطاق العملي والآثار المترتبة على المستويين الوطني والأوروبي” لإعطاء “استجابة كافية وهادئة وبناءة ، ولكن أيضا حازمة في الدفاع عن مصالح الشركات الإسبانية والإسبانية”.

ورغم ذلك تصر الحكومة الإسبانية وفقا لوزير الخارجية على إقامة علاقات مثينة مع الجزائر وتؤكد “أن اسبانيا ما تزال على استعداد للالتزام بجميع مبادئ ومضامين معاهدة الصداقة، وخاصة المساواة في السيادة بين الدولتين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والاحترام المتبادل، والمصلحة المشتركةن مؤكدا على أن ذلك لن يؤثر على إمدادات الغاز الجزائري إلى اسبانيا.

ورقة الغاز..الخاسرة

ومع ذلك، حذرت وزيرة الانتقال البيئي والتحدي الديمغرافي تيريزا ريبيرا اليوم الخميس من أنه إذا نتهت التوترات الدبلوماسية مع الجزائر إلى التأثير على إمدادات الغاز فإن اسبانيا ستلجأ لى المحكمة وآليات التحكيم الدولية.

وبحسب بنطلحة فإن العلاقة المغربية الاسبانية ليست ضدا على أحد وإنما هي علاقة استراتيجية وواقعية تأتي لتطوير الشراكة والاستقرار بين البلدين كما أن موقف اسبانيا من الصحراء المغربية المتمثل في دعم مبادرة الحكم الذاتي يأتي منسجما مع رؤية مجلس الأمن الدولي والقوى الفاعلة على المستوى الدولي.

لكن الجزائر مازالت لم تشف بعد من أثر الصفعة التي تلقتها رغم كونها”محايدة” كما تدعي في النزاع بشأن الصحراء المغربية، ومازالت تعيق أي محاولات لإيجاد حل يتحلى بالمصداقية والموضوعية، وهو ما عبر عنه سانشيز بالقول” 47 عاما من الصراع يجب أن تكون كافية للفهم بأنه يتعين علينا تغيير موقفنا”.

أدركت اسبانيا أخيرا أنها غير قادرة على تحمل أي تطريق مغربي، لكن الجزائر مازالت تعاند وتكابر رغم الفشل السياسي والدبلوماسي التي راكمته في مقابل المصداقية التي يتحلى بها المغرب ودبلوماسيته التي حققت إنجازات كبرى اكسبته ثقة الفاعلين الدوليين.

ورغم إلغاء معاهدة الصداقة مع اسبانيا، لكنها لم ترو غليلها وسارعت إلة تجميد الديون المباشرة لعمليات التجارة الخارجية للمنتجات من وإلى اسبانيا اعتبارا من اليوم الخميس.

كما انها خفضت من غازها المصدر إلى اسبانيا، إذ أشارت صحيفة الإيكونوميست إلى أن الجزائر تبيع ما يعادل أقل بـ30% من احتياجات اسبانيا من الغاز، كما انخفضت واردات الغاز الطبيعي إلى اسبانيا من الجزائر بنسبة 14.3% في أبريل مقارنة بشهر مارس الماضي، ورغم ذلك أكد وزير الخارحية الإسباني في وقت سابق على أن الحكومة الجزائرية شريك موثوق به.

ويبقى الغاز الجزائري ورقة ضغط تجد من خلاله “فرصة للتلاعب” على حبال متعددة لإيهام الناس بمواقفها المعلنة والتي لم تعد تخفى على أصحاب القرار، فالتدليس والمراوغة والثعلبة السياسية أصبح هذا كله مكشوفا أمام الرأي العام مما يوحي بسياسة التخبط وعدم الاستقرار وعدم وضوح الرؤية السياسية لمن بات يرفع هذه الشعارات أو يستخدم ورقة الغاز والبترول وسيلة ضغط وابتزاز.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *