أنغام الركادة توحد المغاربة والجزائريين في منطقة “بين لجراف” الحدودية

بلادنا 24 – كمال لمريني

لم يجد المغاربة والجزائريون أي طريقة للتعبير عن رفضهم لإغلاق السلطات الجزائرية للحدود المغربية الجزائرية، غير الرقص على أنغام الركادة في النقطة الحدودية “بين لجراف” الواقعة في السعيدية، حيث أجساد الشعبيين الشقيقين تتمايل على إيقاع “الركادة”، وذلك في وقت يصعب عليهم عبور الحدود، الأمر الذي جعل المواطنون يقولون:”إن الشيوخ قد ملئوا الفراغ الديلبوماسي بين المغرب والجزائر”.

هنا في منطقة بين لجراف، وعلى مرمى حجر من الحدود المغربية الجزائرية، يفضل سكان جهة الشرق وغيرهم من الوافدين على مدينة السعيدية، التقاط الصور وتوثيق أشرطة الفيديو، فيما يقوم “الشيوخ”، بالعزف على آلة “البندير” “الزمار” و “الكلال”، وهو الإيقاع نفسه الذي يرقص عليه الأشقاء الجزائريين في الضفة الأخرى من الحدود.

هذه اللوحة الفلكلورية التي أبدع فيها المواطنون المغاربة والجزائريون، تعبر بشكل دقيق عن حجم العلاقات المتينة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين، وتستنكر في ذات الوقت سياسة الآذان الصماء التي تنهجها السلطات الجزائرية ورفضها لجميع المبادرات المغربية الرامية لإعادة فتح الحدود البرية المغلفة منذ سنة 1994.

وتشكل منطقة “بين لجراف” المُحاذية للشريط الحدودي المغربي الجزائري، نقطة تلاقي العديد من الأسر المغربية الجزائرية، التي حكمت عليها السياسة التي تنهجها سلطات قصر المرادية، بقطع صلة الرحم، إذ لم تجد غير هذا المكان لتبادل الحديث، في وقت تُصرُّ فيه السلطات الجزائرية على إغلاق الحدود البرية والجوية بين البلدين.

عند هذه النقطة الحدودية، يقف يحيى شاب في عقده الثالث، ويلوح بيديه لأحد أفراد أسرته في الضفة الأخرى، بعدما لم يتمكن من السفر إلى الجزائر، بفعل إغلاق الحدود ، حيث يشرع في الحديث مع ابن خالته بصوت مرتفع جداً ويقول :”واش راها خالتي غايا..عمي الهواري صافا”.

ويحكي يحيى الذي تعيش عائلته في الجزائر في حديثه لـ”بلادنا 24″، إنه لم يزرها منذوقت طويل جداً، وأنه كان يؤجل الزيارة على أمل فتح الحدود، لكن بعد أن خابت آماله حين واجهت السلطات الجزائرية جميع الدعوات المغربية الرامية إلى فتح الحدود بسياسة الآذان الصماء، اتخذ من نقطة “بين لجراف” مكاناً لإحياء الأواصر الممزقة على ضفتيْ الحدود.

ويضيف، أن والدته المتوفية والمسماة قيد حياتها “الهوارية”،  كانت إلى حدود 5 أو 6 سنوات، تقطع الحدود البرية من ناحية منطقة “بوكانون” في مدينة أحفير (إقليم بركان)، بالرغم من أنها حدود مغلقة رسمياً، لكن بعد أن أقدمت الجزائر على حفر الخنادق على طول حدودها، وقام المغرب بتسييج الحدود، توقفت عن زيارة شقيقتها إلى أن وافتها المنية لمدة تزيد عن سنتين.

يحيى… هذا الشاب الذي لم ير خالته لمدة طويلة، كان يأمل في أن تفتح الحدود المغربية الجزائرية المغلقة منذ سنة 1994، لإحياء صلة الرحم، لكن بعد أن أعلنت السلطات الجزائرية عن قطع علاقتها مع المغرب، أصبح غير قادر على السفر إلى الجزائر، وهو ما يجعله يضرب موعداً مع أفراد أسرته القاطنين في منطقة “بورساي” الجزائرية، للالتقاء عند منطقة “بين لجراف”.

وليس يحيى وحده من يقصد منطقة “بين لجراف” لرؤية أفراد أسرته ، بل هناك العديد من العائلات الجزائرية المقيمة بالمغرب من تقف على مرمى حجر من الحدود لرؤية أفراد أسرتها، والتي انقطعت سبل التواصل المباشر معها بفعل الحدود المغلقة، وهو ما جعلها تتغيب عن حضور الجنائز والأفراح، الأمر الذي زاد من ارتفاع حدة المعاناة في أوساطها، لا سيما وأن الجزائر لم تكلف نفسها عناء فتح معابر حدودية إنسانية في وجه العائلات المغربية الجزائرية رغم الدعوات المتكررة.

في هذه النقطة الحدودية، ترفرف الأعلام المغربية والجزائرية، بينما المتجهون صوب مدينة السعيدية المغربية و مرسى بن مهيدي الجزائرية في الضفة الأخرى من الحدود، يحرصون على التقاط الصور وتوثيق ما تراه أعينهم من حالات الشتات بين شعبين شقيقين تجمع بينهما روابط الأخوة والمصاهرة والعقيدة المشتركة والدم وتفرقهما السياسة.

هذا الوضع، دفع بهيئات حقوقية ومدنية، السنوات الماضية، إلى تنفيذ وقفات احتجاجية بمنطقة “بين لجراف” في مدينة السعيدية، للمطالبة بفتح الحدود البرية المغلقة، وهي التي شاركت فيها عائلات مغربية وجزائرية، ووصل صداها إلى الجزائر، حيث نظمت مظاهرات بالمركز الحدودي “العقيد لطفي” بالجزائر من قبل فاعلين جزائريين، معلنين أن فتح الحدود المشتركة هو أيضا مطلب شعبي جزائري.

وإلى ذلك، رفض القنصل العام الجزائري بوجدة، سنة 2019، تسلم رسالة من قبل جمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان، تدعو من خلالها إلى فتح الحدود البرية المغربية الجزائرية، وهو ما جعل رئيسها، لحسن أقبايو، يضعها تحت باب مقر القنصلية، إذ جاء فيها، “نلتمس منكم بلورة موقف شجاع يُراعي المصلحة المشتركة، وروابط الدم والتاريخ والعروبة والإسلام، واستجابة لمقتضيات التحولات الإقليمية والدولية، دعم مبادرة التقارب وإرساء دعائم التعاون المستمر عبر التاريخ من أجل الاستجابة لرغبة الشقيقين في فتح الحدود بما يحقق انتظارات الجميع في صلة الرحم والعمل البناء في أفق صياغة مستقبل مشترك يستجيب لمقتضيات الوحدة المغربية المنشودة”.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *