بين التهوين و التهويل، كيف تعامل الإعلام مع قصة ريان؟

أثارت قصة الطفل ريان الذي سقط في بئر عمقها 32 متراً بضواحي مدينة شفشاون، اهتماماً وطنياً وعربياً وعالمياً، المأساة التي وحدت الإنسانية، وسط قلق وتعاطف كبير، وظل هاشتاق (# أنقذوا ريان) رائجًا لأيام في المغرب و العالم، وجذبت منشورات الشبكات الاجتماعية الانتباه العالمي إلى محاولات الإنقاذ التي كانت الرهان الأكبر في انتظار المعجزة.

الطفل الشهيد” ريان” الذي مكث في البئر، خمسة أيام، ليخرج بعد الكثير من التنقيب والألم و الأمل، جثة هامدة، ليتحول بعد رحيله إلى أيقونة الحزن و الخوف و يوحد مشاعر العرب المعطلة منذ عقود من المحيط إلى الخليج كما وحدت الطيف المغربي من القصر إلى القرية.

وبرغم ما حصدته الحادثة من تعاطف إنساني واسع و مستحق، لكنها جرت إلى طرح جملة من الأسئلة، عن معاناة الأطفال في المخيمات و الطفولة الموءودة في اليمن و سوريا. فما الذي صنع من قصة هذا الطفل خبراً عالمياً؟

و أمام هذه الهبّة الإنسانية، كيف  تناول الإعلام وطنيا و عالميا قصة ريان؟

يقول الأكاديمي هشام كزوط، الأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة و المختص في الإعلام و التواصل الاستراتيجي ل”بلادنا 24″ أن طبيعة الحادثة ساعدت في انتشاره: “أي حدث  مفعم بالإنسانية والإثارة خاصة عندما يحمل في طياته بعدا مأساويا إلا ويتوق المتتبع الى مشاهدته وتعقب حيثياته، فيغدو خبرا جديرا بالنشر فيلقى بذلك انتشارا واسعا لا سيما إذا ما توفر فيه عنصر الكونية بالإضافة إلى عنصر الصورة المرئي”.

يمكن القول أن الإعلام يخضع مباشرة لطلب المتلقي، و بما هذا الأخير انجذب تلقائيا لهذه الحادثة و انصهر فيها إلى أن أصبح الموضوع ذاتيا ونجاة الطفل أصبحت من نجاته. فإن النتيجة كانت اهتماما عالميا بالقصة كما يؤكد الأستاذ كزوط: ” في البدء كانت صورة وأعقبتها تعليقات وتلاها أمل وألم وتداخل فيها الوهم بالحقيقة والصدق بالكذب. فصرنا أمام زوبعة إعلامية تنبئ بخلق حدث في ظل تضارب الآراء وتعدد المرجعيات وجعل وسائل التواصل الاجتماعي فضاء للصراع”

الطفل لبث في البئر خمسة أيام كاملة إلى حين وفاته، و الإعلام التصق التصاقا حثيثا بالحادثة. أيام لتغطيات إعلامية بشتى الطرق و الحيثيات، بين مهول و مهون تاهت قصة الطفل و أصبحت موضوع تضارب و تخاطف نحو السبق الصحفي و خلق الإثارة في القصة فضاعت الحقيقة.

الأكيد أن عطش المتلقي للمعلومة و الخبر لا يبرر البراغماتية في التعامل مع الموضوع لكسب عدد أكبر من المتابعين. هنا ظهر استهتار بعض المنابر الإعلامية بالقضية، فالغرض كان يتمحور حول الربح المادي حين تناقلت بعض الأخبار المضللة عن خروج ريان من البئر أو موته في الأيام الأولى، بالإضافة إلى المقاطع المنشورة بالعناوين  الكاذبة و المثيرة. هنا يجب استحضار ضرورة احترام ذكاء المتلقي، ففي الأخير لا انتصار إلا للحقيقة.

أخطاء مهنية  بالجملة و تجاوزات أخلاقية  نبه إليها بيان المجلس الوطني للصحافة خاصة الذي أشار إلى أنه تم رصد “بعض الممارسات المشينة، التي صاحبت تغطية محاولات إنقاذ ريان من قبيل تصويره في قاع البئر بوجهه الدامي، في وضعية إنسانية صعبة، الأمر الذي يشكل ضررا لمشاعر عائلته، بالإضافة إلى خرق مبدأ الحق في الصورة”.

الخروقات قد تعقبها المتابعة التأديبية تفعيلا لميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، طبقا لمقتضيات القانون، وفقا للمجلس الوطني للصحافة الذي أكد أنه “في ظل الأزمات والفواجع، لا يمكن أن تتحول، وسائل الإعلام بأي حال من الأحوال، إلى مجال للربح المادي والإثارة الرخيصة، لزيادة عدد المشاهدات وغيرها من أساليب المتاجرة في المآسي الإنسانية”.

في نفس السياق يشير عبد الحفيظ المنور الإعلامي بالقناة الثانية و أستاذ الإعلام و التواصل في منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي إلى ” أن مهنة الإعلام أو الصحافة لا تحتاج فقط لعلم ومعرفة مضبوطة فحسب، بل تحتاج ضميرا مهنيا ينضبط للقوانين والأخلاقيات التي وضعت في المجال”.

في حين فشلت بعض المنابر في دورها الإعلامي و استغلت الحادثة المأساوية لحساباتها الشخصية بغرض الربح المادي. غير أن العديد من وسائل الإعلام الأخرى نجحت في أداء عملها بمجهود تم التنويه به، بالإضافة إلى مهنية كثير من الصحفيين الذين اعتمدوا المصدافية و الأمانة في تعاملهم مع القصة.

تؤكد شيماء ابويه، الصحفية بالإذاعة الدولية للشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة لـ “بلادنا 24”: “تعاملت مع الموضوع بمنتهى الحساسية و لم أقبل إلا بتقديم الأخبار الرسمية الآتية من وكالة المغرب العربي للأنباء أو من مراسلين من عين المكان احتراما مني لقدسية الخبر، و أهمية الحقيقة بالإضافة إلى ضرورة مراعاة خصوصية الطفل و وضعية عائلته”.

و إذا أردنا في الختام الإجابة عن سؤالنا: هل هون الإعلام من قصة ريان أم هول منها؟  يجيبنا الخبير الإعلامي هشام كزوط: “الحدث هنا لم يخضع لمنطق التهويل بقدر ما صرنا اليوم نعيش في بيئة افتراضية تعج بالفوضى يسهل فيها صناعة الرأي العام إيجابا أو سلبا ونعجز في مقابل ذلك في التحكم في السيل الجارف للأحداث التي تتعاقبه”.

الأكيد أن القصة بأبعادها الإنسانية فرضت نفسها بقوة في الإعلام بوظائفه الإخبارية في تنوير الرأي العام و تزويده بالحقيقة. لكنها أخذت أبعادا ربحية أخرى بالنسبة لبعض مواقع “البوز” المحلية التي اقتاتت من وراء القصة و خلقت المأساة الكبرى، مأساة الصحافة الوطنية.

 

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *