بورتريه | فاطمة المرنيسي “النسوية” برؤى شرعية

غردت فاطمة المرنيسي خارج السرب الفكري والاجتماعي، فأطلقت العنان في كتاباتها لحرية الطرح، فأماطت اللثام على قضايا تهم المرأة والدين والمجتمع، حتى باتت إحدى سلطانات النسوية غير المنسيات، وإحدى أعمدة التحرر الفكري، والنبش في التراث باعتباره منطقة مقدسة، للوصول إلى فهم واقع المرأة المكلومة.

منحت المرنيسي جوائز عدة منها جائزة أميرة أستورياس بالماركة مع سوزان سونتاغ، كما نالت جائزة إيراسموس بالمشاركة مع صادق جلال العظم وعبد الكريم سروش كما أحدثت جمعية دراسات الشرق الأوسط جائزة فاطمة المرنيسي للكتاب تكريما عن أبحاثها المعمقة في دراسة النوع والجنس والمرأة.

مرنيسي المحظوظة

أبصرت فاطمة النور في إحدى البيوت الأرستقراطية المحافظة بمدينة فاس عام 1944، وشهدت عن كثب ظاهرة الحريم في أوساط العائلات الغنية، كما تعد من بين القليلات اللواتي حالفهن الحظ بأن تجلس على مقاعد الدراسة داخل المدارس الحرة إبان فترة الاستعمار، واختارت في العام 1957 التوجه إلى فرنسا لدراسة العلوم السياسية في جامعة السوربون بباريس، وكذا في جامعة برانديز بالولايات المتحدة الأمريكية التي منحتها شهادة الدكتوراه عن أطروحتها المعنونة بـ”ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية” فككت من خلالها الخلفيات الثقافية والدينية التي أحجمت دور المرأة انطلاقا من التراث لفهم الواقع، وعند عودتها إلى المغرب عملت أستاذة علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط.
أعجبت الكاتبة بشخصية شهرزاد التي كانت أنيسة لياليها، وبطلة حكايات جدتها التي كانت ترويها لها في أثناء النوم، فبدأت تنسج في خيالها مشروعها التحرري للمرأة، تصدح فيه أصوات النساء تماما كما فعلت شهرزاد.
و توالت الكثير من الأعمال المقدمة من قبل “سلطانة النسوية” ما وراء الحجاب وذلك منذ ثمانينيات القرن المنصرم فترجمت إلى العديد من اللغات الأجنبية أكسبتها شهرة داخل وخارج حدود بلادها منها ما نشرته في مجلة الأساس سنة 1980، وهمت قضايا معاصرة للمرأة عن الطلاق، واليد العاملة النسائية بالمغرب، والمرأة في منطقة الغرب وغيرها.
كما كرست العديد من إنتاجها الفكري لتقديم رؤية نقدية للإيديولوجيا الدينية التاريخية من خلال “الجنس، الإيديولوجيا، الإسلام” الصادر سنة 1983، و”الحريم السياسي: الرسول والنساء” سنة 1986، وفي العام 1998 قدمت “هل أنتم محصنون ضد الحريم؟ ” وهي جميعها تؤسس لرؤية واحدة دحض العقلية الذكورية التي تجد سندا لها ضمن النصوص الشرعية دون فهم حقيقي لها، ولم تجعل أرضية البحث تصب فقط ضمن التراث الإسلامي، وإنما حلقت في استنباطها إلى قراءة التراث الغربي من خلال كتابها “شهرزاد ترحل إلى الغرب” فتجد أن النظرة الدونية للنساء في الشرق تجد شبيها لها في الغرب إن لم تكن أشد ابتذالا واحتقارا.

نظرة على الحريم السياسي

عمدت من خلال كتابها” الحريم السياسي: الرسول والنساء” إلى تأويل أحداث تاريخية، ومظاهر دينية للانتصار إلى مكانة المرأة التي شوهت بثقافة الإقصاء والتهميش.
تقول المرنيسي في مقدمة كتابها الحريم السياسي” هل يمكن لامرأة أن تقود المسلمين؟ ” سؤال وجهته للسمان الذي أتعامل معه، والذي هو كغيره من غالبية السمانين في المغرب، مقياس حراري للرأي العام، وقد صرخ متضايقا من سؤالي رغم الصداقة التي تربطنا “أعوذ بالله” واضطرب من هول الفكرة”.
وأضافت ” وتصدى الحديث زبون آخر، وهو معلم مدرسة ابتدائية. وجابهني بحديث، اعتبره حاسما في الموضوع، رواه وهو يتلمس ببطء أوراق النعناع المبللة، لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة وخيم الصمت علينا، وخسرت الجولة”.
انكبت المرنيسي جراء هذه الحادثة على دراسة نصوص الحديث للتنقيب واستوثاق الأحاديث المشابهة، فاعتبرت أي عملية تغيير لواقع المرأة السياسي يجب أن ينطلق من اتخاذ موقف حازم تجاه الأحاديث المغلوطة، وكشفت من خلاله ما للمرأة من دور سياسي في الإسلام جعل فتح عليها النار من قبل الرافضين والمخالفين لأفكارها وانبروا للهجوم عليها، إلى أن جرى منعه من لدن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حرصا على عدم انتشاره وسط القراء ولأن المنع سبيل الشهرة كان لهذا الرفض أثرا إيجابيا في زيادة عدد القراء، وصدى عالميا ليتم ترجمته إلى العديد من اللغات ومنها العربية.
وأدركت المرنيسي أانه لا بد للعودة إلى التراث الإسلامي لفهم أسباب تأخر النساء عن تدبير الشان العام في المغرب والعالم العربي، وأرادت أن تلقي الضوء على مفاهيم من صلب الإسلام المعتدل القائم على العدل والمساواة وإعلاء مكانة المرأة وهي دعوة صريحة للرجوع إلى صميم الدين وإدراك فحواه.
كما تعرضت لانتقادات جمة كونها تناولت قضية الحجاب مما عمق الجدل المعرفي بين معارضيها والموالين لطرحها إذ نظرت للحجاب بكونه لا يمثل الإسلام وإنما وسيلة منع وتمييز ضد المرأة من ممارسة حياتها العامة والسياسية، علاوة على قضايا أخرى تهم النساء أخضعتها المرنيسي لمشرحة البحث، تقول المرنيسي: النبي بريئ من العنف ضد النساء، بل يمكن القول أن كل امرأة تطالب بحقوقها ما هي إلا ممارسة للسنة النبوية”، وبهذا الطرح يتضح أنها حينما أخضعت التراث تحت مجهر البحث والتفسير، لم تكن تحمل عداء قبليا لأي مرجعية دينية، بل على خلاف البعض الذي ينكر أي دور للمرأة داخل الإسلام، جاءت المرنيسي لتثبت من داخله أن المرأة حظيت بأدوار عديدة غيبت لمصلحة الجهل، والتشدد.
توفيت عالمة الاجتماع والكاتبة النسوية فاطمة المرنيسي في 30 نوفمبر 2015، عن عمر ناهز 75، مخلفة وراءها أبحاثا وكتبا خطتها بصوت حي يأبى أن يموت.

بلادنا24 – مريم الأحمد

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *