بورتريه | عبيدات الرمى .. “المقص و البندقية” يقودان إلى “العالمية”

إذا كان لكل أمة تراث تفخر به ، فإن للمغرب أصالة متفردة تعكس هويته الوطنية المتأصلة ، و المرتبة وفق نسق فني متجانس ، يعج بغنى موروثات ثقافية ، شكلت دعامة حقيقية لتحقيق التنوع .
و ينفرد المغرب بألوانه التراثية الأصيلة ، التي تشكل أحد أوجه الخصوصية المغربية ، من أهازيج شعبية تأخذك بين الحقول ، هناك ، في الجبال حيث الخضرة و الرخاء ، و الطقطوقة الجبلية المتميزة بشجن الإيقاع و عذوبته ، إلى تشكيلة منوعة من الفولكلور برقصاته المتناغمة و أبياته الشعرية المتناسقة .

ناي و مقص

و تتكون فرقة عبيدات الرمى من ثمانية إلى اثنى عشر عضوا على الأقل ، و يتقدمهم قائد الفرقة لضبط الإيقاع ، و يرتدون أعرق تشكيلات اللباس التقليدي بأزياء موحدة ، و يغنون ما طاب من أغاني التراث الجميلة بطابعها البسيط و بمواضيعها المستمدة من الواقع المعاش ، كما يرددون أبياتا شعرية باللغة العامية بأداء تشخيصي فريد في عدة مواضيع ، منها التاريخي و الديني و الاجتماعي و السياسي ، كما يرافقون عروضهم بالعزف على آلاتهم الموسيقية كالمقص و “التعريجة” ، لتكتمل لوحة الفرجة في أبعد تصوراتها .

فن الرماية

و يعود أول ظهور لهذا الموروث الفني إلى القرن الحادي عشر الميلادي ، و ينتشر في عدة مناطق في المغرب ، كمنطقة الشياظمة ودكالة و الشاوية و زعير و قبائل زمور. و يرمز اسم “الرمى” إلى الرماية ، نسبة إلى رياضة الرماية بالبندقية أو السلاح في سياقه التاريخي المرتبط بالتداريب التي كانت تقام آنذاك ، للصيد أو في إطار الدفاع العسكري ، أما كلمة “عبيدات” فتوحي الى فئة الشباب .

و كانت الفرقة تنظم عدة عروض مشكلة بين الغناء و الرقص و الحكاية و إلقاء النوادر ، و كانت تحقق فرجة شعبية في أجواء احتفالية مبهجة ، في النزهات و مواسم الأولياء و خرجات الصيد والجني و الحصاد ، و بحضور أهم الشخصيات كأعيان القبائل و رجال المخزن و الأسياد .

تعدد الألوان و الأساس واحد

تعد  مجموعة البراشوة بالخميسات ، و الوناسدة بقلعة السراغنة و مجموعة أولاد الشهداء بوادي زم ، و الصيادة بخريبكة ، و الزيايدة ببن سليمان ، و مجموعة أولاد علي الواد بالفقيه بن صالح ، إلى غيرها من المجموعات ، على سبيل المثال لا للحصر ، أوجه متعددة تعكس الغنى اللامادي و التنوع اللامحدود لنمط غنائي واحد هو عبيدات الرمى .

بساطة تقود إلى العالمية

لقي فن عبيدات الرمى إقبالا كبيرا و ترحيبا حارا من لدن المتفرج المغرب ، كما حقق نجاحات متوالية قاده إلى العالمية ، فلم يعد يقتصر على تقديم العروض على المستوى الوطني فقط ، بل تخطى هذ الفن الحدود الجغرافية لتستضاف هذه  المجموعات  في محافل دولية ، فمثلا مجموعة “اعبيدات الرمى خريبكة” ، بعد تحقيقها لشهرة لاذعة في المغرب ، استطاعت أن تشق طريقها نحو وجهات دولية عديدة ، و تحقق ذلك في مشاركتها في كل من دولة فنزويلا و كندا و رومانيا و حتى في تونس و قطر و غيرها .

وداعا محمد بلعيساوي

و حسب آخر المستجدات ،  فقد توفي قائد فرقة عبيدات الرمى الصداقة الزيايدة، محمد بلعيساوي ، إثر إصابته بسكتة قلبية مفاجئة ، لتفقد الساحة الفنية المغربية أحد أبرز وجوه فرقة عبيدات الرمى ، و الذي لطالما عرف بأخلاقه الطيبة و علاقة الصداقة المتينة التي تربطه بأفراد فرقته .

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *