المحاكمة عن بعد في المغرب: سؤال الجودة وضمانات العدل

اتخذ المغرب مجموعة من التدابير من أجل الحد من تفشي فيروس كورونا، إلا أن هذه التدابير المتخذة لا تحول دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وبما أن القضاء يُعتبر من أهم المرافق العمومية الحيوية في حياة الأفراد، ومع صعوبة توفير كل الظروف اللازمة لحضور الجلسات، شرعت بلادنا بتاريخ 27 أبريل 2020، في إطلاق مبادرة المحاكمات عن بعد من طرف وزارة العدل، خاصة في القضايا الزجرية وذلك تزامنا مع البلاغ المشترك لوزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي من خلاله تم تعليق انعقاد الجلسات المتعلقة بالبث في قضايا المعتقلين.

وقد جاء هذا البلاغ انسجاما مع قرار المندوبية العامة لإدارة السجون، القاضي بمنع تنقل السجناء إلى المحاكم، و تزايد نسبة الاعتقال الاحتياطي ما جعل اللجوء إلى هذه المبادرة -المحاكمة عن بعد- أمرا ضروريا.

عدم هدر الزمن القضائي

تحقق المحاكمة عن بعد عدة مزايا أهمها تحقيق النجاعة عبر تيسير البث في القضايا ومنه عدم هدر الزمن القضائي، وربح الوقت والجهد وتفادي مخاطر التنقل، ما أكده زكريا مزوار محامٍ بهيئة الجديدة لجريدة “بلادنا24″ حيث قال:” من إيجابيات المحاكمة عن بعد أنها خففت الضغط نوعا ما على المحاكم، بحيث هناك إجماع على أنها تتميز بالسرعة في البث في القضايا وربح الوقت، مع تفادي المشاكل الناجمة عن إحضار المعتقلين من المؤسسات السجنية إلى المحاكم وما يتطلبه من مصاريف النقل، وهو ما أصبح متاحا في إطار المحاكمات عن بعد، زيادة على حماية الشهود والمبلغين والضحايا، وتيسير العمل بالنسبة لمساعدي العدالة”.

وفي إطار سياسة الدولة في حماية المواطنين ومحاربة تفشي الفيروس حققت المحاكمات عن بعد عبر جل محاكم المملكة، نوعا من الحماية لهذه الفئات، كما أنه من خلالها تم الفصل في القضايا بسرعة فائقة ما خوّل تفادي هدر الزمن القضائي.

هذا ما أكده رئيس النيابة العامة خلال كلمته في ندوة تم تنظيمها في موضوع “المحاكمة عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة”، حيث أشار إلى أنه منذ بداية العمل بالمحاكمات عن بعد وإلى غاية 16 أبريل 2021 تم عقد 19139 جلسة عن بعد، أدرجت فيها 370067 قضية، واستفاد منها 433323 معتقلا، وتم الإفراج عن 11748 منهم، وأنه لولا اعتماد هذه المحاكمات عن بعد لظل المعتقلين قيد الاعتقال ولكان هناك هدر للزمن القضائي خلال تلك المرحلة.

سؤال الجودة ومدى الحفاظ على ضمانات المحاكمة العادلة

طرحت تجربة المحاكمة عن بعد في المغرب عدة إشكالات وفرضيات في الوسط الحقوقي، منها علاقة المحاكمة عن بعد بوجود ضمانات المحاكمة العادلة وتحقيق الجودة في الأحكام.

خلال تصريح عبد الفتاح ضعيف محام بهيئة الدار البيضاء لجريدة “بلادنا24″، أكد على أن: ” هناك إجماع من طرف الحقوقيين والعاملين في سلك العدالة على أن الجودة في ظل المحاكمة عن بعد تبقى دون المتوسط إلى ضعيفة جدا، ولا تمت للمحاكمة العادلة بأية صلة والتي تستدعي استحضار مجموعة من الضمانات من بينها حضور المتهم ومثوله أمام المحكمة ومناقشة الوثائق معه وطرح الأسئلة عليه ومواجهته مع غيره، زيادة على كون المحاكمات عن بعد تؤثر على حق المتهم في الاستفادة من المشاعر الإنسانية للقاضي الجنائي في نطاق مبدأ القناعة الوجدانية، إلى غيره من الضمانات التي لا تتيسر قطعا ونهائيا من خلال المحاكمة عن بعد”.

وأضاف ضعيف في تصريحه أن “هناك من أصبح يجنح نحو هذه المحاكمة عن بعد ويستغلها لبساطتها وسهولتها ويسرها، لكن بالنسبة للمتهم والدفاع لا يتحقق ذلك التيسير، بحيث لا تتم مناقشة القضايا بالشكل المطلوب في بعض الأحيان، ولا يتم الإطلاع على ملفات القضايا إلا بالجلسة وهذا أمر خطير جدا، وبالرغم من وجوده إلا أنه لا يمكن أن يعمم، كما أنه في بعض الأحيان نجد (المحاكمة في واد ووقائع الملف في واد آخر..) “.

وأشار ضعيف أن بعض القضايا المعاشة تعرف انقطاعا للخط وانعدام للشبكة، وبالتالي يصعب التجاوب أو حتى الاتصال بالمؤسسات السجنية الشيء الذي يطرح أكثر من إشكال، وفي نظره أنه لو كانت هناك تجهيزات تناسب الواقع لكان بالإمكان آنذاك الحديث عن المحاكمة العادلة في ظل المحاكمة عن بعد.

غياب نص تشريعي

من بين الإشكالات التي طرحتها تجربة المحاكمة عن بعد، وجود جدل قائم حول عدم وجود أي نص قانوني ينص على المحاكمة عن بعد أو استعمال وسائل تكنولوجية للتواصل بين المتهمين والقضاة، لا على مستوى القانون الجنائي أو من خلال قانون المسطرة الجنائية.

هذا ما أكده يونس باحث في القانون الخاص لجريدة “بلادنا24″، مضيفا أن كل ما يتم إيجاده بخصوص المحاكمة عن بعد هو مقتضيات تنظم هذا النوع من المحاكمات ضمن مشروع قانون المسطرة الجنائية خاصة في الباب الثامن منه، زيادة على أن قواعد التقاضي تحتكم لمبدأ الشرعية وهذا المبدأ يفيد ضرورة تواجد قواعد مكتوبة منصوص عليها في القانون وتكون صادرة من جهة لها ولاية في إصدارها.

وفي المقابل أشار يونس إلى أن العدالة الرقمية تجد قواعدها القانونية في مجموعة من النصوص لكنها متفرقة، من بينها القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، والقانون 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين اتجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وكذلك المادة 3 من المرسوم المتعلق بسن أحكام خاصة لحالة الطوارئ الصحية.

هذا وتبقى المحاكمات عن بعد مجرد استثناء وضرورة كان لابد منها في ظل تفشي الوباء، وللعمل بها ينبغي على الجهات المعنية أن تقوم بتطوير الوسائل والتجهيزات المستعملة في سبيلها ليبقى اعتمادها مستمرا دون الاستغناء على المحاكمات الحضورية مع ضمان الجودة وتحقيق ضمانات المحاكمة العادلة المرجوة.

تابع بلادنا 24 على Bladna24 News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *